ساد جو من الهدوء مدينة صيدا (جنوب لبنان) غداة تشييع قتلى الاشتباكات المسلحة التي وقعت بين انصار الشيخ أحمد الاسير وبين عناصر من «حزب الله». وشنت النائب بهية الحريري في مؤتمر صحافي امس هجوماً على الحكومة، في وقت أعلنت قيادتا «تيار المستقبل» و «الجماعة الاسلامية» في الجنوب في اجتماع مشترك امس، رفضهما ظاهرة السلاح خارج الدولة، داعين المؤسسات الأمنية والقضائية إلى تحمل مسؤولياتها. وتزامن ذلك مع طلب رئيس بلدية صيدا محمد السعودي إزالة كل اللافتات والشعارات الحزبية. واعتبرت الحريري أن «ما يعيشه اللبنانيون من عنف وأزمات تراه الحكومة استقراراً عن قناعة، وما يصدر عن أركانها حين ينصحوننا بحكمتهم بأن هذا هو الاستقرار، إنما يتهمون حلفاءهم بما هو أعظم. أي أن نرضى بما حصلنا عليه من أكل وشرب يكفي وإلاّ». وأكدت «أنهم بهذه العبارات لا ينصحوننا بل يهددوننا». وقالت: «شكراً للرئيس نجيب ميقاتي. لستَ بحاجة يا دولة الرئيس ليدافع عنك أحد. فهذا الاستقرار الذي قدّمته إلى اللبنانيين كفيلٌ بأن يجيب عن كل اتهام. ولا أتمنى لك إلا السلامة، ولا أدعوك إلى الاستقالة، إلا أن ما وصلنا إليه في لبنان اليوم نتيجة طبيعية يعرفها اللبنانيون، وإلى ماذا يؤدّي القهر والعزل والغلبة». وأضافت: «كنت أتمنى يومها ألا تكون جزءاً من تلك التّجربة السوداء من حياتنا الوطنية وتبقى التجربة سياسية، إذا كانت سياسية وهذا من حقك السياسي. أما الدماء يا دولة الرئيس، فهذا ليس ثوبك ولا ثوب أسرتك ولا يرضي والديك، وأنت تعرف أن الحجّ يُسقط كل الذنوب إلا الدماء». وزادت: «إن ما أنت عليه الآن موجعٌ لأهلك أكثر من اغتيال رفيق الحريري». وسألت: «أليس هذا العنف والأزمات والفتن أشدّ على نفوسنا وأخطر على وجودنا من أيام الاحتلال، أيام كان الكلّ يداً واحدة؟ أليس عاراً علينا أن نتوق لأيام الاحتلال حتى نعود أسرةً واحدة، مع الأسف، أن من يستطيب هذا المشهد هو كمن يشارك في القتل». ودعت القوى الأمنية والعسكرية إلى تجنب الظلم والانحياز و«الاستهتار بغضب الناس وكراماتهم وحقوقهم»، كما ناشدت الفلسطينيين قائلة: «صيدا أحوج ما تكون إلى وفائكم وحكمتكم». وزادت: «لا نريد لقطرة دم واحدة أن تكون سبباً في مكسبٍ سياسي، ولن نُبيح قتل النفس التي حَرَّمَ الله قتلها. فإذا كنتم تريدون الخروج مما نحن عليه بالعدل وبالدولة القادرة والحاضنة، فسنكون معاً، وإذا كان خياركم الاقتتال أستحلفكم بالله أن ترجعوا عن هذا الخيار». ودعت القطاع الخاص إلى تقديم عشرات الألوف من الأعلام اللبنانية، وأن تتضمّن كلّ الإعلانات علماً لبنانياً، كما دعت مبدعي لبنان إلى «إقامة حفلات في أي مكان ليسمعهم اللبنانيون». وعزت أهالي قتلى الاشتباكات، معلنة أنها ستلتزم منزلها حداداً، ودعت أمّهات صيدا إلى ارتداء السّواد طوال الأسبوع. وكانت الحريري زارت رئيس الجمهورية ميشال سليمان واطلعته على اجواء صيدا. وميدانياً، اعلن قائد الجيش العماد جان قهوجي، أن «الجيش يعرف تماماً حساسية الوضع في عاصمة الجنوب ومحيطها»، مشيراً إلى أن «لكل منطقة في لبنان وضعها الخاص الذي يتعامل معه الجيش بروية وحكمة من دون تهاون، لكنه سيقمع بالقوة ومن دون تردد أي محاولة ومن أي فريق، داخلياً كان أو خارجياً، لتحويل صيدا ساحة حرب». وحذر خلال زيارته امس ثكنة محمد زغيب في صيدا، حيث التقى قيادة منطقة الجنوب العسكرية ولواء المشاة الأول وسريتي فوج المغاوير، من «خطورة الأوضاع في لبنان في ضوء تنقل الحوادث الأمنية من منطقة إلى أخرى، وإمكان استمرارها ربطاً بالأوضاع الإقليمية المتوترة حولنا»، لكنه أكد في المقابل أن «الجيش سيكون بالمرصاد، كما فعل في طرابلسوبيروت، حين حاول البعض القفز فوق الخطوط الحمر والمس بالسلم الأهلي، وأي محاولة من هذا القبيل ستقابل بشدة وبحزم». ودعا العسكريين إلى «التنبه والحذر من الفخاخ التي تُنصب في عدد من المناطق من أجل الإيقاع بين الجيش وأهله، وإلى الاستعداد لمواجهة المخططات التي توضع لإشعال الفتنة في لبنان». كما دعا فعاليات صيدا إلى «التحلي بالحكمة والواقعية لتجنيب المدينةوالجنوب التوترات المذهبية التي لم تجرّ على البلاد سوى الويلات»، مؤكداً «ان الجيش سيكون فوق كل الاعتبارات المحلية والطائفية». وأعلن الرئيس السابق لبلدية صيدا عبد الرحمن البزري في تصريح أمس، أنه سيبدأ «سلسلة من اللقاءات التشاورية مع فاعليات المدينة لتقويم الأحداث الأخيرة». وأكد أن «ما حدث في صيدا خطير جداً»، ودعا «قوى سياسية إلى التوقف عن الازدواجية في التصرف».