أبدت الجزائر تحفظات عميقة عن قرار المجموعة الإقتصادية لغرب افريقيا (إكواس) بإرسال 3300 جندي افريقي للمساعدة في استعادة شمال مالي كجزء من الخطط العسكرية التي سترسل إلى الأممالمتحدة للموافقة عليها بحلول نهاية الشهر الجاري. وقال مصدر جزائري رسمي ل «الحياة» إن «القرار بشكله الحالي سيخلق أزمات كبرى في مالي وبلدان الجوار وبالطبع الجزائر». ويبدو أن قرار مجموعة غرب افريقيا في قمة أبوجا بنيجيريا، أول من أمس، «فاجأ» الحكومة الجزائرية التي توقعت أن تفضّل المجموعة لشق الحوار بدل الإسراع في إقرار الحرب على الإسلاميين في شمال مالي. وقال مصدر رسمي إن «الحكومة الجزائرية تلقت القرار باستياء كبير». وقد حاول الوزير المنتدب للشؤون الافريقية والمغاربية عبدالقادر مساهل الذي شارك ممثلاً الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في قمة أبوجا، دفع قادة أفارقة إلى «إعطاء فرصة زمنية أكبر للحوار وجعل الخيار العسكري آخر الحلول». وقال الحسن واتارا رئيس ساحل العاج والرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا إن «المجموعة اتفقت على تقديم 3300 جندي للمساعدة في استعادة شمال مالي ومعظم هذه القوات ستأتي من نيجيريا والنيجر وبوركينا فاسو ولكن دول غرب افريقيا الأخرى ودولتين أو ثلاث دول غير افريقية ربما تساهم أيضاً بقوات». وأردف قائلاً إنه قد يتم نشر هؤلاء الجنود فور أن توافق الأممالمتحدة على الخطة العسكرية. وأوضح مصدر جزائري أن تحفظات حكومة الرئيس بوتفليقة مبنية على أساس «قرار مجلس الأمن (أخيراً) الذي يكلّف الأفارقة بإيجاد تصور ثنائي يجمع استعمال القوة بالحوار ... الجزائر ترى أنه لم يتم احترام الشق الثاني من القرار الأممي» في القرار الصادر عن قمة أبوجا. ويتوقع القادة الأفارقة أن تدوم فترة تواجد الجنود في شمال مالي سنة لاستعادة شمال البلاد من أيدي الجماعات المسلحة التي تسيطر عليه منذ شهور. بيد أن تصورات جزائرية تخشى أن يتم تجديد بقاء هؤلاء الجنود سنوياً في حال إقرار الخطة كما هي. وقالت مصادر في الجيش المالي إن الخطة تغطي فترة ستة أشهر مع مرحلة تمهيدية للتدريب وإقامة قواعد في جنوب مالي تعقبها عمليات قتالية في الشمال. وأوضح بيان صدر بعد اجتماع زعماء دول غرب افريقيا في العاصمة النيجيرية أن «السلطة تؤكد أن الحوار ما زال الخيار المفضل» و «لكن .. اللجوء للقوة ربما يكون أمراً لا مفر منه من أجل القضاء على الشبكات الإرهابية والإجرامية الدولية التي تشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين». وقال الحسن واتارا في كلمته في ختام القمة: «لقد اتفقنا خاصة على تشكيل القوة والبنود المرجعية لمهماتها وحجم قواتها ومدتها وتفويضها وترتيبات نشر القوات. ولم يعد هناك أي لبس في شأن هذه المسألة». وأضاف: «لدينا دول ستقدم كتائب وأخرى سرايا (...) لدينا بالتأكيد نيجيريا والسنغال والنيجر وبوركينا فاسو، ولدينا أيضاً دول أخرى مثل غانا وتوغو». كما أشار وتارا إلى دول أخرى غير أعضاء في «إكواس»، وقال: «تشاد أيضاً يمكن أن تشارك. وأجرينا اتصالات مع دول أخرى: موريتانيا، جنوب افريقيا». وكانت الحكومة الجزائرية أعطت، في الأيام الماضية، انطباعاً بأن تحفظاتها عن مشروع استعمال قوة دولية في شمال مالي قد زالت. لكن شروحات المصدر الجزائري الرسمي تكشف أن «الجزائر أوضحت فقط موقفها بعد قراءات (خاطئة) قالت إنها ترفض محاربة الإرهاب في الساحل». وقال إن الجزائر في الأصل «رغبت في أن تجعل خطة التدخل على عاتق الجيش المالي بعد إنهاء فرص الحوار جميعها» من الجماعات المسلحة التي تسيطر على الشمال وهي جماعات بعضها يدافع عن وطن للأزواد وبعضها الآخر يحمل أجندات إسلامية تطالب بتطبيق الشريعة. وضمن هذا الصنف الأخير جماعات يُزعم أنها مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في الساحل. وكتبت وكالة «فرانس برس» من واغادوغو أمس أن قرار القمة الافريقية إرسال قوات إلى شمال مالي يزيد الضغوط على الجماعات الإسلامية المسلحة الناشطة هناك وبينها جماعة أنصار الدين. وعنونت صحيفة «لوباتريوت» الصادرة في أبيدجان والموالية لرئيس ساحل العاج الحسن وتارا الرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا، ان هذه المنظمة «مستعدة للضرب». واعتبرت جماعة أنصار الدين التي تضم خصوصاً الطوارق في مالي، أن قمة القادة الافارقة في أبوجا خيّبت الآمال حتى وإن كانت هذه الحركة الإسلامية تنتظر لقاء الوساطة بقيادة رئيس بوركينا فاسو بليز كومباوري للرد رسمياً. وقال رئيس وفد جماعة أنصار الدين الموجود في واغادوغو العباس اغ انتالا لوكالة «فرانس برس»: «أعطينا فرصة للتفاوض لتجنب الأسوأ»، معبّراً عن خشيته من أن لا تكون لدى المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا «الرغبة» نفسها للنقاش. وكانت جماعة أنصار الدين التي بدأت مفاوضات مع كومباوري، أعطت ضمانات مباشرة قبل القمة بدعوتها إلى الحوار مع الجماعات المسلحة الأخرى ومع باماكو، وبإعلان نبذها «الإرهاب». وهي طريقة للنأي بنفسها عن حلفائها الجهاديين في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وجماعة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا. وإذا بقي الحوار «الخيار المفضل» بالنسبة إلى المشاركين في قمة ابوجا، فانه ينبغي الا يشمل سوى «الجماعات المسلحة غير المتورطة في الانشطة الارهابية والاجرامية» والتي تعترف بوحدة مالي وبالطابع العلماني للدولة. وذكرت «فرانس برس» أنه حتى الآن آثرت جماعة أنصار الدين تأجيل موضوع الشريعة الحساس إلى مناقشات مقبلة مع السلطات المالية، علماً أنها تفرض مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وجماعة التوحيد والجهاد تطبيق الشريعة بشكل صارم للغاية. وقامت الجماعات الاسلامية المسلحة الثلاث برجم رجل وامرأة متهمين بالزنا وببتر أيدي متهمين بالسرقة وجلد اشخاص يتناولون الكحول أو يتعاطون التدخين. وفي المقابل، ذكرت «فرانس برس» أنه يمكن أن تشعر الحركة الوطنية لتحرير ازواد ببعض الارتياح. فهذه الحركة تدعو إلى حكم ذاتي في شمال مالي بعد أن تخلت عن مشاريعها الانفصالية، وهي حركة غير دينية. لكن الجماعات الاسلامية طردتها من الأراضي التي استولت عليها في شمال مالي. وقد اجتمع مسؤولون من الحركة الوطنية لتحرير ازواد موجودون ايضاً في واغادوغو صباح أمس الاثنين ويتوقع أن يصدر عنهم رد فعل في وقت لاحق. وكان قادة الدول الأعضاء ال 15 في مجموعة غرب افريقيا وبعض الدول الافريقية الأخرى بينها موريتانيا والجزائروجنوب افريقيا والمغرب وتشاد وليبيا، شددوا على «الدور القيادي لمجموعة غرب افريقيا في انتشار القوة الدولية بقيادة افريقية» في مالي. لكن هذه القيادة الافريقية قد تثير انزعاج السلطات المالية المتمسكة بسيادتها. وقال مصدر مقرب من وزارة الدفاع المالية في باماكو لوكالة «فرانس برس»: «سنطلب توضيحات»، مؤكداً انه «لم يكن وارداً قطعاً أن يقود آخرون (غير دولة مالي) القوة». وفي باريس (أ ف ب)، برر رئيس النيجر محمدو ايسوفو الذي يلتقي الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اليوم الثلثاء في باريس، التدخل العسكري الذي يطالب به ضد الإسلاميين الذين يسيطرون على شمال مالي مؤكداً ان «هدفهم هو أوروبا». وحذّر ايسوفو في مقابلة نشرتها صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية الاثنين، من انه «إذا ما تركناهم، فإن الجهاديين لن يتوقفوا عند غرب افريقيا. هدفهم هو أوروبا ومن يمسك بافريقيا يمسك باوروبا». واعتبر أن «عدم التدخل (في شمال مالي) سيكون اسوأ من تدخل» عسكري. وقال «لم يعد أمامنا خيار الآن». وتابع: «على الرأي العام الفرنسي ان يفهم أن التدخل في مالي ضروري لحماية اوروبا ومنع انتشار الاضطرابات التي عمت العالم العربي إلى افريقيا». كما دعا رئيس النيجر في المقابلة الى مساهمة الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر في أي عملية عسكرية لضمان نجاحها. واقترح على الجزائر ان تغلق حدودها «على سبيل المثال». وقال: «لا حاجة لأن يكون الاغلاق تاماً، لكن ينبغي قطع الإرهابيين عن مصادر امدادهم. والأمر نفسه ينطبق على ليبيا».