انتعش البحث في تحديات المترجمين العراقيين، وبلغ الاهتمام بالكيفية التي يسوّقون فيها منجزهم في حركة الترجمة العالمية درجة كبيرة، أخيراً. هذه الفرصة وفّرها مؤتمر بغداد الدوليّ الثاني للترجمة في دار «المأمون»، كجزء من أنشطة عاصمة الثقافة العربية 2013، بحضور عدد كبير من المترجمين العراقيين، وناشرين عرب وأجانب. ونتيجة ظروف سياسية وأمنية في العقدين الأخيرين، تعرضت حركة الترجمة في البلاد إلى حال من التذبذب، سوى أن دار المأمون تكبدت عناء تعويض حال النقص، وقدمت منجزاً ثرّاً في مختلف المجالات المعرفيّة، إذ كانت تضم في لوائها مئات من المترجمين أغنوا المكتبة العراقية بمؤلفات عن الإنكليزية والفرنسية والألمانية. ولقيّت معظم كتب الدار، التي أسست أواخر السبعينات، رواجاً كبيراً داخل العراق، في حين حُرم المتلقي العربي من العشرات من مطبوعاتها على خلفية العجز في التوزيع خارج البلاد. وعلى أثر الغزو الأميركي البلاد في عام 2003 تعرضت الدار إلى التخريب، بحيث أتت النيران على مطبوعات الدار. في مؤتمر بغداد الدولي للترجمة تبادل مسؤولون ومترجمون عبارات التفاؤل والأمل بتحقيق تقدم مضطرد في حركة الترجمة في العراق. ومنذ عام 2003 كان على المؤسسة الرسمية التفكير بعهد جديد في الانفتاح والإفادة من منجز معرفي هائل مدون بلغات أجنبية، لكنّ ما تحقق في السنوات العشر الأخيرة لم يكن يعبر عن استراتيجية جديدة لتنشيط حركة الترجمة. ويعتقد مترجمون عراقيون أن ما ينقص نشاط الترجمة في البلاد هو اقتصارها على المنجز الأدبي من دون الاهتمام بحقول العلوم الإنسانية، والنصوص الأكاديمية الحديثة. ومن الملاحظات، أيضاً، قلة التراجم التي تنقل النص العراقي المكتوب باللغة العربية إلى لغات أجنبية لها حضور كبير في سوق الكتاب العالمي. وأمضى عشرات المترجمين في العراق سنوات طويلة في أنشطة تقليدية، مثل الترجمة الفورية للخطابات في المؤتمرات والمناسبات الرسمية، ونقل وثائق وبيانات حكومية إلى لغات مختلفة. يقول الباحث الروماني جورج غريفوري إن «مؤتمر بغداد يبعث رسائل واضحة تدل على الانفتاح واهتمام المترجمين العراقيين بالحوار والتواصل مع تجارب مختلفة في الترجمة». وأظهر المؤتمر رغبة العراقيين في تطوير سوق الترجمة، وشهد مبادرات لتحقيق ذلك. ويقول مدير مشاريع «ترانزليشن فور أول» الأميركية، آرثر ألن، ل «الحياة» إنّ «الحكومة العراقية مدعوة لمساعدة المترجمين في بلادها لتنفيذ مبادراتهم». وقدم «ألن» لمؤتمر بغداد بحثاً عنوانه «تحديات المترجم العراقي في سوق الترجمة الدولية»، اقترح فيه مبادرة لتطوير الترجمة في العراق، عبر «إنشاء بوابة إلكترونية تقوم بمساعدة الطالب العراقي على ترجمة أي كتاب أو بحث يريد». وتبدو فرصة تنشيط حركة الترجمة في العراق سانحة في ظل ما يزعم مثقفون عراقيون عن انفتاح كبير على المنجز المعرفي العالمي، في مقابل حاجة متزايدة لتطوير المناهج الأكاديمية، بخاصة أن مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة دعوا في المؤتمر إلى دعم المؤسسات الحيوية بالخبرات والمناهج الحديثة التي تقدمها المؤسسات الثقافية العريقة في العالم. ويخشى المترجمون العراقيون من أن يكون هذا الاهتمام بدورهم مقتصراً على «دعاية إعلامية» مصاحبة لمشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية.