سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نأمل أن نستفيد من مجمع الملك فهد لطباعة القرآن في مشروعنا لترجمة القيم الإنسانية في القرآن إلى 5 لغات عالمية مديرة المعهد العربي العالي للترجمة الدكتورة إنعام بيوض في حوار ل "ثقافة الخميس":
تشتغل الدكتورة إنعام بيوض، وهي قبل أن تكون مديرة المعهد العربي العالي للترجمة، مترجمة مقتدرة تشتغل على اللغتين العربية والفرنسية ومارست العمل الترجمي منذ عشرات السنين بجامعة الجزائر، تشتغل وسط متاعب كثيرة يشهدها المعهد منذ تدشينه العام 2004بالعاصمة الجزائر من طرف الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ورئيس الحكومة الجزائرية عبد العزيز بلخادم، وهي متاعب لم تثبط عزيمة الشاعرة والفنانة التشكيلية والروائية إنعام بيوض التي تمارس التحدي اليومي من أجل أن يصبح المعهد العربي العالي للترجمة واجهتنا العربية الكبيرة بامتياز لتقديم أنفسنا بأنفسنا للآخر، باللغات التي يفهمها هذا الآخر دون تشويه أو مزايدة، ولا تغالي مديرة المعهد عندما تقول إن العرب بحاجة إلى ترجمة كل شيء لأننا لا نملك أي شيء، وأن تخلفنا في مجال الترجمة هو بحجم تخلفنا المعرفي. "الرياض" انفردت بحوار مع الدكتورة إنعام بيوض بمقر المعهد بشقة صغيرة بقلب العاصمة الجزائر، وبمكتبها الصغير الذي تزين جدرانه لوحاتها التشكيلية الموقعة باسمها، كانت العودة، بمناسبة تخرج الدفعة الأولى من المترجمين الفوريين والتحريريين هذا الخميس ( 6مارس/ آذار) إلى مشاكل المعهد وقبلها إلى أهدافه ومشاريعه الحالية وما تحقق منها، فضلا عن إشكالات تتصل بعالم الترجمة، وهو المعهد الذي انخرط بقوة في الجهود التي حرصت الجزائر، وهي تتوشح العام 2007عاصمة الثقافة العربية، على تقديم الوجه المشرق للثقافة الجزائرية، وكان نصيب المعهد من ذلك الحراك ترجمة 100عنوان وهو رقم كان بمثابة التحدي، لكن المعهد بإمكاناته البسيطة نجح في رفعه وتحقيقه. الردّ على حملات التشويه التي طالت الشخصية العربية والإسلامية كان موجودا ونحن غفلناه @ من أبرز ما قرأنا حول الأهداف الكبرى للمعهد عندما تم تدشينه مباشرة بعد اختتام أعمال القمة العربية في مارس / آذار 2004بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، أن الحاجة إليه كانت كبيرة ل "تحسين صورة الإنسان العربي والمسلم بوجه عام، في وقت توجه إلينا أصابع الاتهام بأننا إرهابيون ومتخلفون" وقالت بيوض في تصريحات للصحافة آنذاك إنه "من واجبنا أن نحسن صورتنا ولا ننتظر من الآخرين أن يفعلوا ذلك بدلا عنا". ولعل أول سؤال نستهل به اللقاء هو ما الذي تحقق من هذا الهدف بالذات، وكيف؟ - كان هذا الهدف واحد من بين الأولويات التي نحاول الاشتغال عليها بالموازاة مع أولويات أخرى تتصل بتسيير وعمل المعهد، فهذا الأخير كما تعلمون حديث النشأة وكان يحتاج لكل شيء، لإطاره القانوني والتنظيمي والتحضير لبرامج ومناهج التدريس والتنسيق مع مراكز البحوث، فثمة جبهات عديدة كنّا نعمل عليها، ولكن قطعنا على أنفسنا تحقيق هذا الهدف وهو تحسين صورة الشخصية العربية الإسلامية لدى الآخر، فكلنا متهمون ومعنيون بهذا الأمر، وبالأذى الذي يلحقنا ويلحق ديننا وحضارتنا جراء هذه الهجمة التي أساسها الجهل. وأعتقد أننا يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها فنحن مسؤولون عن هذه الصورة، ولا نرمي التابعة على الآخرين ونلومهم، بل نلوم أنفسنا لتقصيرنا في توصيل أعظم رسالة وأعظم وحي عرفه الإنسان والإنسانية، ومنه جاء مشروع استلهام كلّ القيم والمعاني الإنسانيّة الواردة في القرآن الكريم لإزالة الشبهات وسوء الفهم وتسهيل إطلاع الأجانب على حقيقة الإسلام وتعاليمه حتى نظهر للغرب أن الصورة التي لديهم عنا ليست صحيحة وأنها مشوهة... @ هل تقصدون مشروع تقديم ترجمة للقيم الإنسانية الموجودة في القرآن الكريم، إلى أين وصل العمل فيه؟ - نعم وقطعنا فيه أشواطا كبيرة. والمشروع عبارة عن كتاب كبير في شكل صندوق يحوي ثلاث مطويات يضم عشر قيم إنسانية يشير إليها القرآن بوضوح ويتحدث عنها، تشترك فيها جميع الإنسانية، وتم حصر هذه القيم في العدل والمحبّة والسلام وبرّ الوالدين والتسامح والوفاء بالعهد والعمل والإحسان والتآخي والمساواة، وهي قيم نعرفها جميعا ونعيشها. ولقد اخترنا لكل قيمة إنسانية آية من القرآن الكريم احتلت المطوية الوسطى من الكتاب تجاورها على اليمين مطوية ثانية بها ترجمة للآية الكريمة إلى 5لغات عالمية هي الإنجليزية والفرنسية والإسبانيّة والإيطاليّة والألمانيّة، وعلى اليسار مطوية ثالثة عبارة عن منمنمة غاية في الجمال. وكان العمل ممتعا وهاما في نفس الوقت وكان الجهد منصبا على اختيار الآيات الأكثر تعبيرا عن هذه القيم، ولعلّ الشيء الذي أثلج صدورنا هو أننا وجدنا القرآن يعجّ بهذه القيم الإنسانيّة وكان الاختيار واسعا وكبيرا وهاما، ولقد طرحنا السؤال: كيف لم ننتبه ولم نردّ على من يطال حضارتنا وقيمنا بهذه الطريقة والقيم؟ فالردّ كان موجودا ونحن غافلناه، ولهذا السبب نأمل بل نريد لهذا العمل أن يكون أكاديميا متخصصا ومحترفا. @ هل ممكن إطلاعنا على بعض جوانب مشروعكم المقبل الذي يندرج هو الآخر في سياق تحسين صورتنا لدى الآخر؟ - نود أن نسبر في الأحاديث النبوية الشريفة ونستخلص منها الرحيق، هي كلها رحيق لا شك، لكن نستخلص منها الأحاديث التي تخدم هدفنا وهو تقديم الشخصية العربية الإسلامية إلى الآخر بالشكل الذي يسهم في تجسير الهوة بين العالمين الغربي والعربي الإسلامي. وتمت الاستعانة بالكفاءات من أصحاب الباع الطويل في المجال الديني والفقهي والفني وفي الترجمة مثل الدكتور نبيل علي وهو قمة في تكنولوجيا الترجمة وشوقي جلال ومحمد الخولي وهو كبير المترجمين في الأممالمتحدة، وفرنسوا شيزو رئيس معهد الترجمة بجامعة غرونوبل وجون دانيال رئيس معهد الترجمة بجامعة أوتاوا بكندا، والدكتور صلاح فضل من مصر وغيرهم من الأسماء. أما بقية الأهداف، فيحرص المعهد على تحقيقها تباعا ولعل أبرزها مشروع دعم الترجمة الآنية، بما يسد الثغرة في مجال تدريب وتكوين المترجمين الفوريين والمترجمين التحريريين، ونسعى قبل هذا أن يكون للمعهد نظرة استشرافية للمستقبل تكون بالترجمة الآلية، باعتبارها مفتاح التقدم والأداة المثلى التي بإمكانها تجسير الفجوة المعرفية التي تفصلنا عن الغرب مع شركائنا في الغرب، ولقد بدأنا بالفعل بخطوات مع سفير اليابانبالجزائر وسوف نتصل بشركات متخصصة في التقنية العالية والتكنولوجيا لتطوير الترجمة الآلية من اليابانية إلى العربية دون المرور بلغة وسيطة كالإنجليزية والفرنسية. وسنحاول استثمار علاقاتنا الجيدة مع بعض الجامعات الأوروبية بالأخص مدرسة باريس للترجمة أو مدرسة جنيف للإسراع في تحقيق مشروعنا الكبير للترجمة الآلية. التعريب في الجزائر نجح لأبعد الحدود رغم أنف اللوبي الفرنكفوني @ يعاني المعهد من مشاكل كثيرة، لعل أبرزها مشكل المقر، فهل يعقل، أن تحتضن الجزائر ولأول مرة في تاريخها مؤسسة عربية تابعة لجامعة الدول العربية، تكالبت على احتضانها دول عربية أخرى، وتتقاعس في توفير مقر محترم للمعهد يساعد على تحقيق أهدافه الكبرى غير تلك المرتبطة بالتكوين والتدريب، هذا علما أن مسألة المقر وصلت الرئيس بوتفليقة نفسه، ورئيسه للحكومة، بل أن مسؤولين ساميين في الدولة استغربوا عدم حصول المعهد على مقر ينهي ما يشبه الترحال من مكان إلى آخر؟ - الحكومة الجزائرية ناضلت لسنوات حتى تستقبل المعهد فوق ترابها وفكرة الإنشاء تعود إلى العام 1980وظلت الأمور تراوح مكانها إلى غاية 2003.الجزائر خرجت من محن عصيبة، فحجم المشاكل التي ورثتها البلاد عن فترة الإرهاب ليست بالقليلة أو الهينة، ولعل تزامن استضافة الجزائر للمعهد في هذه الظروف بالذات وهي تنهض من جديد، أثر على التأخر في الحصول على المقر. لا أعتقد ان ثمة نية في تعطيل عمل المعهد بل هناك أولويات بالنسبة لدولة ترمم الذات وتسعى لتوفير الأمن والاستقرار لمواطنيها، ولا يجب أن نغفل أن الجزائر في أحلك ظروفها كانت تبذل الجهد حتى يكون المعهد من نصيبها. ومع ذلك إشكالية المقر في طريقها إلى الحل بعدما عرضت علينا وزارة الخارجية قطعة أرض كبيرة بمنطقة الحي الدبلوماسي وهو أرقى حي في الجزائر قاطبة، والمسألة مسألة وقت ليس إلاّ، ونحن نعلم أن فترة الإنشاء أو التأسيس فترة حرجة وصعبة. وثم مشاكل أخرى يشهدها المعهد فيما يتعلق بتطوير برامجه وتوسيع مشاريعه وهي مشاريع يعيقها الجانب المالي فلو أن كل دولة تساهم في ميزانية المعهد لما وجدنا أنفسنا في هذه الوضعية مع أن المبالغ رمزية بالنسبة للكثير من الدول لكن بعضها يتحفظ على دفع حصته والبعض الآخر يتناقش حولها، مع أن العرب في حاجة إلى العشرات من معاهد الترجمة لتدارك النقص الفادح في هذا المجال لكننا نتشاجر فيما بيننا حول الميزانية، ففي 2007مثلا 17% فقط من الميزانية دخلت المعهد، وأنا أسأل لماذ التحفظ على مشروع حضاري مثل هذا وهو الذي يستقبل عشرات الطلبة من مختلف الدول العربية. ولقد كان العائق المالي وراء تقليص حجم الدفعات حيث تقرر تخريج 30طالبا بدل 60أو أكثر. ومع ذلك افتتحنا فرعا جديدا يتمثل في ماجستير في تكنولوجيا الترجمة "وهذا نداء لأصحاب الهمم. @ الوضع الذي يعشه معهد الترجمة، لا يختلف في الحقيقة عن الوضع الذي تعيشه اللغة العربية نفسها في الجزائر، وتذهب بعض القراءات والاجتهادات إلى أن المشاكل التي يشهدها المعهد يقف وراءها اللوبي الفرنكفوني المعشعش في أعلى مستويات الدولة، وفي الإدارة والإعلام، الذي عمل وما يزال على أن لا تتحرر اللغة العربية من اللغة الفرنسية؟ ويحرص أن يظل ارتباطنا بفرنسا ولغتها وثقافتها قائما إلى يوم الدين؟ - لكل صاحب قضية الحق في الدفاع عن قناعاته، لكن علينا أن نكون مستعدين للمواجهة، أعترف أن هناك لوبياً فرنكفونياً. والحقيقة أن الفرنكفونية تدافع عن نفسها في كل مكان وليس في الجزائر فقط، لكن اللوم علينا إن استسلمنا أو قصرنا في الدفاع عن لغتنا وتقاعسنا في تطويرها وتعزيز مكانتها ونشرها. والجزائر بالمناسبة ليست أسوأ حالة، فلو عدنا إلى واقع اللغة العربية في الوطن العربي لغيرنا رأينا. لقد اندهشت وأنا أزور دولا مشرقية وخليجية من حديث الناس باللغة الإنجليزية على مستوى كل المواقع، وأنا أعتقد أن ما يقال حول سطوة الفرنسية في الجزائر تبرره ظروف تاريخية لعل أبرزها السطوة الاستعمارية الاستيطانية التي دامت 130سنة. لكن ما وجدته في هذه الدول لا يبرر ما يقع للغة العربية فيها، وأنا أنظر إلى هذا الواقع على أنه ردّة. وأعتقد أن التعريب في الجزائر نجح لأبعد الحدود وأنا أتكلم كمتخصصة في اللسانيات ودرّست لسنوات طويلة في معهد الترجمة، وأقف عند مجمل ما يحقق في مجال التعريب رغم أنف اللوبي الفرنكفوني ورغم أي لوبي كان، ويكفينا الخروج خمسون متر ا فقط عن العاصمة الجزائر لنرى ارتباط الناس بلغتهم وحبهم لها وتعاملهم بها، فخطأ أن نسمي الجزائر بلدا فرنكفونيا ومن يعتقد ذلك لا يعرف الواقع اللساني للبلد. أوروبا تتحدث 25لغة وتصرف ملياري أورو سنويا على الترجمة لمجرد التفاهم ونحن؟ @ الأرقام التي تتحدث عن نسبة الأمية في العالم العربي صادمة، وتلك التي تتحدث عن فعل القراءة واقتناء الكتاب في أوساط المتعلمين أكثر من صادمة، والأخرى التي تؤكد أن المواطن العربي غارق اليوم في تأمين لقمة عيشه اليومية وينظر إلى الكتاب واللوحة الفنية وكل ما يرتبط بالفكر والثقافة على أنه مجرد ترف أدبي، تفرض نفسها ونحن نتحدث إلى مسؤولة عن معهد للترجمة مهمته الأولى تقريب هذا المواطن إلى الآخر الغربي وتقريب هذا الآخر إليه، هل المهمة صعبة؟ - لا شك صعبة، وكل مهمة صعبة بالأخص إذا ارتبطت بمهمة حضارية مثل الترجمة. لا يمكن أن نتحدث عن الترجمة دون الحديث عن التعريب، تعريب التعليم العالي وتعريب الأطوار ما دون ذلك في الإعدادي والثانوي، ونشجع القراءة في المهد انطلاقا من الأسرة فالمدرسة والجامعة. كما لا يمكن الحديث عن الترجمة وانتعاشها دون الحديث عن أهمية التعليم في التنمية وأهمية الترجمة في الخطط التنموية التي تضعها الدول والحكومات، أو في ظل مجتمعات غير منتجة للمعرفة وغير مستهلكة لها. إنها كلها حلقات تكمل بعضها البعض، هي أشبه بكرة الثلج التي تزداد حجما وتوسعا وتبدأ صغيرة ثم تكبر وتكبر يوما بعد الآخر، ولست اعتقد أنه بعصا سحرية نستطيع أن نسن قانونا ونقول سوف نترجم، وسوف نجبر الناس على قراءة ما نترجمه. المهمة ليست سهلة لكنها ليست مستحيلة. أوروبا تتحدث 25لغة وتصرف ملياري أورو سنويا على الترجمة لمجرد التفاهم ونحن لنا هذه النعمة، نعمة اللغة المشتركة والدين المشترك والثقافة المشتركة والمصير المشترك ونتحدث عن لعنة بابل. إن إحساس العربي بالكرامة ينبع من لغته وتجاوز الإحباط ينبع من اللغة، علماء النفس يقولون إن الشخصية تتكون من اللغة وحتى تمثلنا للعلم يكون عن طريق اللغة، هذا ليس كلاما شوفينيا على الإطلاق، بل كلام أوساط متخصصة في علم النفس. فمن غير المعقول أن نترجم في ظل غياب المقروئية جتعات. @ نجح العرب المسلمون في الماضي إلى صهر الحضارات التي سبقتهم وانخرطوا في حركات الترجمة الكبرى ووضعوا تحت تصرف القارئ العربي معظم علوم اليونان والفرس والسريان والهنود، لكن هذه الحركة توقفت منذ القرن الثالث عشر الميلادي وظلت كذلك إلى القرن التاسع عشر، ونام العرب طوال 6قرون بكاملها، فحدثت الفجوة الكبيرة بيننا وبينهم، ولعل السؤال الكبير، لمن يترجم المعهد، للعرب، أم للآخرين، أم تراه لم يدشن بعد هذه المرحلة، وهو الذي ينضاف إلى هيئات أخرى تعنى بالترجمة مثل مركز تنسيق التعريب في المغرب والمركز القومي للترجمة بمصر؟ - حركة الترجمة انتعشت عند العرب في عزّ إمبراطوريتهم التي كان يسود فيها الرفاه والأمان، انتعشت في واقع تجاوز فيه المواطن ظنك العيش، اليوم المواطن لا يمكنه التفكير في اقتناء لوحة فنية أو كتاب وبطنه جائع بل لا يفكر حتى في اقتناء جريدة لقد نشأت الترجمة في ظل مجتمع كان واعيا بأهمية الترجمة وكانت الأسر تتسابق فيما ينهما لإرسال القوافل إلى القسطنطينية وبيزنطة لجلب الكتب وترجمتها، الآن المجتمع المدني غائب تقريبا عن مستوى الاهتمامات الثقافية والفكرية ونجده غارقا في الاهتمامات السياسية وهي ظرفية. الدرس الذي يجب أن نستقيه من دار الحكمة أن الترجمة لا تقوم بجهد فرد واحد أو بقرار من الدولة، المأمون لم يكن، والذين سبقوه أو جاءوا من بعده، وحده الذي دفع حركة الترجمة فازدهرت وتطورت بل المجتمع كله انخرط في ذلك، وكان المترجمون آنذاك من أديان وجنسيات مختلفة، فالعولمة التي نتشدق بها اليوم مارسها العرب منذ آلاف السنين وسهلت لهم الانفتاح على العالم، المترجم الآن لكي يذهب من بلد إلى آخر يحتاج إلى تأشيرة وقد لا يتحصل عليها البتة، أو يتحصل عليها بشق الأنفس، والحدود آنذاك كانت مفتوحة والأمن مستتبا والرفاه مبسوطا على غالبية العامة. وضع اللغة العربية مهدد في ظل طغيان اللغات المهيمنة @ الدكتورة إنعام بيوض مترجمة بالدرجة الأولى، رغم أنها تخوض مجالات إبداعية أخرى مثل الشعر والرواية، ومما لا شك فيه أن لقاءت كثيرة تجمعها مع مترجمين عرب آخرين، لو طلبنا منكم وضعنا في صورة ما يراه هؤلاء المترجمون مستعجلا لإعادة الحياة لهوايتنا المفضلة منذ قرون الترجمة، وتدارك حجم النقص الموجود في الترجمة الذي هو بحجم تخلفنا وفقرنا المعرفي، ما الذي تقفون عنده أولا وأخيرا؟ هذا علما أنكم في الملتقى العربي للترجمة الذي نظمته مؤسسة الفكر العربي لرئيسها الأمير خالد الفيصل في لبنان العام 2005، تحدثتم عن عجز مزمن في إنتاج الترجمة، وشبهتم مسألة بعث حركة فعلية للترجمة في العالم العربي بمثابة "محو الأمية" بل رحتم أبعد من ذلك عندما أطلقتم الدعوة لإنشاء "صندوق عربي للترجمة" يمكّن من إطلاق ديناميكية عربية واسعة ومستمرة للنقل من وإلى العربية... - انطلق المعهد العربي العالي للترجمة منذ نشأته من فراغ ترجمي رهيب، انطلق وهو صغير وناشىء وكأنه طفل صغير، ونريده أن يولد كبيرا، عمر المعهد ليس 5سنوات، هو افتتح العام 2004وتم تعييني رسميا نهاية العام 2004، الرهان الأول هو السير بالمعهد بخطة ثابتة ولكن أكيدة حتى يقف على قديمه ونضمن له الاستمرارية والبقاء بالأخص. لقد بدأنا التدريس بالمعهد في 2006/2005وبدأناه في ظروف صعبة وتم الاحتفال بتخرج أول دفعة في 6مارس / آذار الجاري. ومع ذلك وفرنا للطلبة أفضل الأساتذة والخبراء وووضعنا ما نراه أفضل البرامج والمناهج، فالمعهد يحتاج إلى المزيد من الدعم ويحتاج أولا وأخيرا إلى النفس الطويل. ولقد ورد في السؤال ما اعتبرتيه "هواية العرب المفضلة وهي الترجمة"، وأنا أرى أن الوقت حان لأن نخرج الترجمة من دائرة الهواية مثلما يمارسها قدماء الدبلوماسيين أو الضالعين في اللغات أو الأدباء إلى الاحتراف. ولعل السؤال الذي يجب أن نطرحه، هو لماذا ظلت الترجمة مجرد هواية يمارسها الكتاب في أوقات فراغهم، الجواب بسيط.. لأن الترجمة لا تدر علينا ربحا كبيرا بل ربحا ثانويا لا يمكّن من مواجهة صروف الحياة، فعندما تبقى الترجمة هواية يبقى إنتاجنا فيها محدودا، وخاضعا للوقت المتوفر لدينا لممارسة هذه الهواية، أما عندما يأخذ المترجمون حقهم، وهم لا يطالبون أن يوزن عملهم ذهبا، فقط أن يكون للمترجم العربي ما للمترجم الغربي من حقوق، نعيد الاعتبار لفعل الترجمة كممارسة واحتراف، الكل يخاف الآن عندما يتحدث المترجم العربي عن تسعيرة الأممالمتحدة ( 210دولار ل 1000كلمة (أي 3صفحات) أو ما يتقاضاه المترجم في الاتحاد الأوروبي (فوق 50أورو للصفحة الواحدة ( 250كلمة). نحن نريد أن نترجم ونصنع مترجمين ونخلق حركة ترجمة لكن نعطي المترجم النزر اليسير، أكيد لا يمكن هذا! إن فعل الترجمة عمل منهك ومضني ويحتاج الوقت ويجب أن نرفع من قيمة المترجم وننظر إليه نظرة المبدع، فإعادة الاعتبار للمترجم وردّ الاعتبار للمهنة نفسها باعتبارها لا تختلف عن مهنة الطبيب أو المحامي وأن يكون المترجم قادرا على غلق بابه ويقتات من الترجمة، بالإضافة إلى تطوير برامج الترجمة الآلية لأن حجم المادة التي تنتظر الترجمة كبيرة وكبيرة جدا بحجم تخلفنا وفقرنا المعرفي.