يعرض الحرفي آوات هورامي، في محله الصغير المشيّد بالآجرّ القديم، نماذج كثيرة من الحذاء الكردي التقليدي الذي يطلق عليه الأكراد «الكلاش» ويعود تاريخ صناعته إلى مئات السنين. ويحاول هذا الشاب أن ينمّي، خلال عمله في ورشته، هوايته في الغناء التي لازمت مهنة عشقها منذ نعومة أظفاره. يمضي هورامي (41 سنة) غالبية وقته في محله لبيع معروضاته وتجهيز المحال التجارية بمنتجاته من «الكلاش» الذي تعود أصول صناعته، وفقاً للروايات، إلى زمن الزرداشتية التي تأسست قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة. وهو لا يتوقف عن الغناء طوال مدة عمله، حتى إنه سجّل ألبومين غنائيين عامي 1991 و1992... فالغناء، كما يقول، له طعم آخر أثناء العمل. تنحصر صناعة «الكلاش» اليوم في منطقة هورامان، في الجنوب الشرقي من مدينة السليمانية، والممتدة في مسافات شاسعة داخل المناطق الكردية غرب إيران، ولهجتها المحلية من اللهجات الكردية الصعبة التي قد يلاقي كثيرون مشقّة في فهمها، حتى ولو كانوا أكراداً أقحاحاً. ويقول هورامي إن شكل الحذاء الموروث من زمن الزرداشتية، تغير كثيراً، وبدأ هذا التغيير في سبعينات القرن العشرين، لا سيما من حيث التصميم والحجم، مذكّراً بفضل «الأسطة أبو بكر» الذي أعاد تصميم هذه الأحذية في شكل يتلاءم والعصر الحديث. ومهما كانت التغييرات، ما زالت هذه الحرفة القديمة لا تخلو من صعوبات لتحقيق الدقة العالية المطلوبة، حتى إن بعض المتخصصين في هذه الصناعة تعرضت أصابعهم لشبه إعاقة جراء الإبرة المستخدمة في صناعتها، إذ تمر صناعة الحذاء الواحد بست مراحل، وكل مرحلة منها ينفذها متخصص لتهيئة أحد أجزاء الحذاء. تبدأ المرحلة الأولى من إعداد الأرضية، وتنتهي المرحلة الأخيرة بعد سبعة أيام، ويتخلل ذلك كله استخدام مواد طبيعية، كأقمشة الخام والخيوط المصنوعة من صوف الأغنام وشعر الماعز وجلود الحيوانات. وقد يبلغ سعر زوج «الكلاش»، المعروف بلونه الأبيض الناصع تماشياً مع أذواق الغالبية من مرتديه والذين قلما يرغبون في انتعال حذاء ملون مع الزي الكردي التقليدي، 250 دولاراً. ويؤكد هورامي أن مبيعاته تشهد ارتفاعاً في المناسبات العامة، خصوصاً أعياد النوروز والأعياد الدينية، وذلك مع تنامي الشعور القومي للشعب الكردي. كما أن الأجانب، إضافة إلى العديد من العرب، يقبلون على شراء أحذيته، حتى إن البعض يحتفظ بها للزينة أو لتقديمها هدايا، إضافة إلى أن كميات كبيرة منها تصدّر إلى دول أوروبية، خصوصاً السويد حيث تقيم جالية كردية كبيرة. هورامي، الذي يتقن صناعة الأحذية الكردية، يتقن أيضاً الغناء التقليدي على رغم صعوبة النقلات الموسيقية واللهجة، ما يجعل الاستماع إليه متعة خالصة لا تتوافر في أي مكان، بل هي خصوصية هذه المنطقة بالتحديد. وبعد تأدية مقطوعاته الغنائية المفضلة، مستعرضاً أنواعها بصوته الشجيّ، يؤكد أن حبه لهذا الغناء مرتبط في شكل وثيق بصَنعَته، إذ تسلّيه وتؤنسه في ما يعمل... وربما لذلك تخرج من يديه أحذية متقنة إلى هذا الحد.