ثمة اهتمام إعلامي عربي مكثف بالأردن غير معهود من قبل، دفاع عن الاستقرار والاعتدال في الاردن، انتقاد لاذع للمعارضة، حديث عن دور في الأزمة السورية، وفي إسرائيل يرافق تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن حق العودة مقال بعنوان صارخ: «هل يكون الأردن هو فلسطين؟»... ويفرض ذلك على القارئ شعوراً بأن ثمة ما يجرى الإعداد لتمريره تحت ستار من عاصفة (حقيقية أو مفتعلة أو مبالغ في تقديرها) من الاحداث والأزمات، المماطلة في الإصلاح السياسي والاقتصادي، تمرير قرارات اقتصادية غير شعبية، إطالة عمر النخب المهيمنة، وربما تسويات جديدة في الشأن الفلسطيني، ودور إقليمي جديد في الأزمة السورية، وهي أيضاً حال تكشف عن حال ذهنية لدى النخب والفئات التي تساهم في تزويد الكتّاب والصحافيين العرب والاجانب بالمعلومات والأفكار، وكيف تنظر فئة من الأردنيين إلى الأردن والأردنيين، ولعلها ظاهرة تغري بالكتابة والتعليق أكثر من التشكلات الداخلية والإقليمية الجديدة والمؤثرة على نحو يغير/سوف يغير المشهد السياسي والإقليمي ومتوالياته الاجتماعية والثقافية،... يبدو المشهد الاردني (غالباً) في الكتابات العربية والاجنبية وكأن ثمة نخبة إصلاحية وديموقراطية تخوض نضالاً نبيلاً لأجل التحديث والتنوير في مواجهة نظام عشائري اعتاد على العطاء الحكومي ويرفض الإصلاح، ولا يغير من ثقل أو تأثير هذا الانطباع الكاسح أن العبء الضريبي في الاردن من أعلى الأعباء الضريبية في العالم، وأن معظمه تدفعه الطبقة الوسطى، وأن الأغنياء والشركات الكبرى تحظى بإعفاءات وتسهيلات على حساب دافع الضرائب متوسط الحال، وأن نسبة التحضر في الأردن تقترب من 95 في المئة، ومعظم الاردنيين يعملون في الخدمات في قطاعات مهنية وتجارية تحتاج إلى خبرات معقدة وشهادات جامعية متقدمة. وفي الواقع فإنه لم يعد يوجد في الاردن في التركيب الاقتصادي والسكاني والاجتماعي ريف ولا بادية، ولا مجتمعات زراعية أو رعوية. وأما العشائر فلم تعد سوى رابط قرابي، والأكثر إثارة أن قادة العشائر في الانتخابات والعمل الاجتماعي والعام هم شباب متعلمون اكتسبوا تأثيرهم الاجتماعي من تقدمهم الوظيفي والاقتصادي وليسوا زعماء تقليديين، فهؤلاء لم يعد لهم وجود ولا يتذكرهم أحد. صحيح بالطبع أنه يوجد في الأردن تخلف اجتماعي وتمييز ضد المرأة وتقع جرائم شرف، وثمة تعصب ديني وجغرافي وعشائري، ولكنها حالات مستمدة من أزمة المدينة وليست أزمة العشائر. فالتمييز ضد المرأة في العمل والرواتب يقع في الشركات والقطاع الخاص الذي يقوده رجال أعمال ليسوا عشائريين بالتأكيد، ومعظمهم تلقوا تعليماً وتدريباً في الغرب، ويدّعون أفكاراً ليبرالية وديموقراطية يعجز عنها أوباما، وجرائم الشرف تقع في المدن، وينفذها شباب متعلمون يقيمون في المدن وبدافع ومحرك اجتماعي تعصبي ليس عشائرياً، والذين يقودون التعصب الطائفي والجغرافي والعشائري والديني جامعيون، درس كثير منهم في الغرب، ويحملون أفكاراً علمانية وليبرالية ويسارية! وأما المجتمعات والعشائر التي يوجه إليها الاتهام بالانغلاق والتعصب، فإنها ترسل بناتها إلى الجامعات والأعمال والوظائف على نحو تكاد تظن (وظنك صحيح بنسبة كبيرة) أن جميع أبناء المحافظات وبناتها يدرسون في الجامعات او يعملون في الشركات والدوائر الحكومية. وبالمناسبة، فإن القطاع الخاص يستوعب ثلثي الوظائف الجديدة ويستوعب القطاع العام ثلثها، ولكن نسبة الإناث في القطاع الخاص إلى الذكور تساوي 12 في المئة، ومعدل أجور المرأة يساوي نصف أجور الرجل، وتزيد على 40 في المئة في القطاع العام. مرة أخرى أذكّر بأن القطاع الخاص في الأردن ليس عشائرياً! لماذا تصرّ فئة من الأردنيين تحظى بمزايا خرافية مالية وأدبية من اموال دافعي الضرائب على تقديم صورة غير أمينة عن مواطنيها لصحافيين وإعلاميين يُستضافون من كل انحاء العالم ضيافة على نظام الكرم العربي الأصيل ولكن على حساب دافعي الضرائب، العشائريين العالة على الدولة، والذين يظنهم الضيف لا يقرأون ولا يكتبون ويعيشون في البوادي والريف مثل السكان الأصليين في المحميات الأميركية! * كاتب أردني