من المؤكد أن لدينا ثقافة مجتمعية ذكورية راسخة تحول دون وصول النساء إلى حقوقهن، ومن المؤكد أيضاً أنها ثقافة استولت على فهم النصوص المقدسة، وأضافت إلى الاتجاه المجتمعي المتحفظ على تمكين المرأة فتاوى دينية تكبلها وتقلل من حريتها وتنتقص من حقوقها الأساسية. ولكنني في هذه المقالة سأعرض بعض المواقف والحالات والأعمال والبرامج التي تضر بتمكين المرأة وتزيد من الظلم الواقع عليها وتضر بأهداف تمكين المرأة على يد المؤسسات والجهات والحكومات المفترض أنها مؤيدة ومناصرة لحقوق المرأة، وبعضها تشكل لأجل هذا الهدف (تمكين المرأة) ويتلقى دعماً وتمويلاً كبيراً من المنظمات والدول الغربية. ولأجل ذلك، فإن مشروعات تمكين المرأة تواجه الفشل المزمن على رغم انتشار التعليم النسوي المتقدم والواسع والقبول المجتمعي بعمل المرأة وتعليمها؟ ويبدو لي أن النضال النسوي يسلك في طرق ويركز على مجالات غير مجدية وتزيد من عزلته، وربما يكون ثمة إغفال لمواطن القوة وفرص النجاح في العمل النسوي. تمكين المرأة وسائر متوالية حقوقها وفرصها التي يجب أن تحصل عليها يبدأ بحصولها عل فرص مساوية في العمل والأجور، وهذه ليست مشكلة مجتمعية وثقافية، بل العكس، فإن أحداً في المجتمع لا يعارض أن تحصل المرأة على فرص مساوية في العمل والمناصب والأجور، ولذلك فإن العمل النسوي يتوجه في تحقيق هذا الهدف في الوجهة الخاطئة، لأن من يحول دون حصول المرأة على الأعمال والأجور المناسبة هم أصحاب الشركات والقطاع الخاص، أصحاب الأعمال ومعظمهم بالمناسبة يظهرون آراء وسلوكاً ليبرالياً منفتحاً، والكثير منهم تخرجوا في جامعات غربية يدفعون للمرأة أقل من الرجل، وليست الثقافة المجتمعية وراء ذلك، بل العكس، فإن الناس جميعهم سيكونون سعداء إذا حصلت بناتهم وأخواتهم على فرص عادلة في العمل والأجور، وهكذا فإن إعلان الحرب على العادات والتقاليد وحشد الأدلة من النصوص الإسلامية على حرية المرأة لن يضيفا شيئاً طالما أن القطاع الخاص يستغل المرأة وينجو بفعلته، ولا يفطن أحد لبشاعة ما يقوم به. أصحاب الأعمال يفضلون الذكور في العمل لأسباب عدة ليست الثقافة والتقاليد من بينها، ولكن لاستعداد الرجال للعمل الإضافي من دون أجر وفي ظروف صعبة ولاحتمالهم تجاوزات وانتهاكات قانون العمل وحقوق العمال، وهو ما ترفضه غالبية الإناث، وأصحاب الأعمال وليس رجال الدين ولا شيوخ العشائر ولا قادة المجتمعات هم الذين يمنحون النساء العاملات أجوراً اقل من الذكور. من المعلوم أن ثلثي الوظائف في سوق العمل الأردني وربما في كل أو معظم الدول العربية تنتمي إلى القطاع الخاص، وعندما نتحدث عن فجوة كبيرة بين الرجال والنساء في فرص العمل، فإنما نتحدث عن انتهاكات ومظالم القطاع الخاص على المرأة، لأن القطاع العام في معظم الدول العربية يسلك على نحو أقرب إلى المساواة، وفي الأردن على سبيل المثال، فإن نسبة إشغال المرأة للوظائف في القطاع العام تقترب من 40 في المئة، ولكنها لا تتجاوز 12 في المئة في القطاع الخاص، وفي الوقت نفسه لم نسمع أي انتقاد للشركات بسبب عدم العدالة في فرص العمل، ونواصل حرباً لا طائل من ورائها على الثقافة الذكورية والتقاليد الأبوية والفهم الخاطئ للنصوص. ماذا سيحدث عندما تحصل المرأة على فرص عادلة في العمل والأجور؟ ستتحقق تلقائياً كل ما تسعى الى تحقيقه المنظمات النسوية والمجتمعية والدولية، ففي بيئة تجد النساء فيها فرصاً عادلة في العمل ستتشكل قيادات نسائية تفرض نفسها ويتقبلها المجتمع وتجد فرصاً للنجاح المجتمعي وفي الانتخابات النيابية والعامة مستندة إلى نجاحها في العمل، وسيتقبل المجتمع تلقائياً التشريعات وأنماط السلوك التي تصاحب عمل المرأة بطبيعة الحال ومن دون حاجة الى نضال وصراع مجتمعي. وسيكون النضال لأجل عمل المرأة وعدالة الأجور متقبلاً مجتمعياً، بل العكس فسيجلب التضامن المجتمعي بدلاً من النفور والشعور بالاغتراب، وهكذا فإن العمل النسوي النضالي سيطور نفسه ويتواصل مع المجتمعات لو كان يميز بين عدوه وصديقه. لدينا في الأردن اليوم برنامج إعلامي وشعبي يتكرر كل أربع سنوات تقريباً، أي كلما أُجريت انتخابات نيابية، وعلى رغم كثافة الحملات الإعلامية وبرامج التوعية السياسية والاجتماعية، فإن نتائج الانتخابات النيابية والبلدية والنقابية تؤكد أن نسبة نجاح هذه الحملات تقترب من الصفر، وسأغامر بالقول إنها تنجح بنسب مئة في المئة في منع المرأة من النجاح، وعلى رغم تكرار هذا النجاح/ الفشل في كل انتخابات عامة تجرى، فإن البرامج تتكرر بالطريقة نفسها والوتيرة والخطاب والمحتوى، وكأن أحداً من القائمين على هذه البرامج لا يرغب بالسؤال لماذا لا تساعد محاولاتنا وبرامجنا المرأة على الوصول إلى البرلمان وقيادة النقابات المهنية والبلديات والمناصب الكبرى في الوظائف العامة والقطاع الخاص، لماذا لا تنجح الحملات والبرامج السياسية والإعلامية في مساعدة المرأة؟ أعتقد أن الإجابة تكمن في بيئة محيطة بالعمل السياسي والعام، وهذا ليس مقتصراً على الانتخابات النيابية والعامة، ولكن ذلك يشمل النجاح والإبداع والتفوق الرياضي والثقافي كما الاقتصادي والسياسي، فالنجاح/ الفشل ليس معزولاً عن البيئة المحيطة، ولا يمكن النظر إليه إلا في هذا السياق، المشكلة في هذا التفسير أنه يدعو إلى الخيار الأكثر صعوبة وقسوة ومللاً في الإصلاح والتنمية. ولكن الإصلاح، للأسف الشديد، لا تصنعه الرغبات الحسنة ولا القرارات ولا التشريعات، ولكنه يقوم على منظومة متكاملة قوامها الحكومة والمجتمعات والشركات معاً، وتتواطأ في هذه المنظومة الصراعات والرغبات والتنافس لأجل العمل والنجاح، وباختصار وبساطة يجب أن تتحول التنمية إلى مصالح عامة ومجتمعية واقتصادية أيضاً، وألا تظل مثل الهوايات الجميلة المعزولة، ولا أن تكون مثل الحفاظ على الممتلكات النادرة أو الكائنات المعرضة للانقراض، ولكنه عملية شاملة تكون الأهداف المطلوبة محصلة طبيعية لها، وليست عملية خاطفة ومستقلة. فحتى يكون لدينا 40 في المئة من أعضاء البرلمان نساء منتخبات يجب أن يكون لدينا على الأقل مئة ضعف هذا الرقم من النساء اللواتي يشغلن مواقع قيادية وتجارب اجتماعية وسياسية مهمة ومتقدمة، في الوزارات والأعيان والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والبلديات والإعلام والعمل الاجتماعي، والوظائف الكبرى والمتقدمة في الشركات، فالمرأة تنجح في الانتخابات النيابية والبلدية والعامة والنقابية في بيئة من التجارب النسائية الواسعة والمعروفة للناخب، والناخب أو الناخبة تتطلع إلى تجارب سابقة ومعروفة وثقة راسخة ومتمكنة ومتراكمة عبر الزمن والتجارب والأزمات والأحداث، تماماً كما أن جوائز نوبل والجوائز العالمية الكبرى تكتسحها بيئات من العلم والثقافة والإبداع، فكل حائز على جائزة عالمية ومهمة هو في الحقيقة يعبّر عن آلاف في بلده ومجتمعه لا يقلون عنه إن لم يزيدوا تفوقاً وإبداعاً. وأما حملات الهيمنة الأبوية والذكورية، ومقولاتها، وندوات الدفاع عن المرأة، والجهود المضنية في الفنادق والندوات في الدفاع عن المساواة بين الرجل والمرأة، وتبيان الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن تكريم المرأة، والشروحات والدراسات عن حقوق المرأة في الدين والدستور والقوانين والأعراف والتاريخ العظيم لأمتنا، وحض النساء على انتخاب مرشحات، ومهاجمة وانتقاد الأعداء الوهميين الذين يمنعون المرأة من ممارسة حقها الانتخابي، ويختبئون في صناديق الانتخابات ليراقبوا لمن صوتت نساء جامعيات ومتعلمات وعاملات يسافرن في أنحاء الوطن والعالم لأجل العلم والعمل، ولكنهن في غرفة الانتخابات يتحولن إلى تابعات خائفات مصابات بعقدة النقص والتبعية، فإنها لا تتجاوز كونها خرافات أنيقة ومستعلية، أو مقاولات وعمليات توريد تستقطب مساعدات مالية أجنبية، وتدغدغ رغباتٍ وخرافاتٍ وأوهاماً غربية عن واقع المرأة والمجتمع. أخشى أن برامج دعم المرأة تسير في وجهة معاكسة لمعظم أهدافها وغاياتها المفترضة. *كاتب أردني