يسأل المصريون أنفسهم وهم الذين كانوا تعاطفوا مع الرئيس الأميركي باراك أوباما عما إذا كانوا سيسيرون في الاتجاه نفسه أم سيغيرون البوصلة باتجاه منافسه ميت رومني. ووصلت محاولات الإجابة عن هذا السؤال إلى محصلة بالغة الأهمية، ألا وهي أن على شعوب المنطقة ألا تتوقع الكثير من نتيجة السباق الرئاسي، وإن كان العامل النفسي سيكون أفضل في حال فاز أوباما على منافسه الذي لم يبد الكثير من اللياقة أو اللباقة في حديثه عن الفلسطينيين. أستاذ العلاقات الخارجية في الجامعة الأميركية في القاهرة بهجت قرني قال في الطاولة المستديرة التي نظمتها الجامعة واتخذت من السؤال عنواناً لها إن كلا المرشحين يقف على طرف نقيض من منافسه، ليس في سياساتهما تجاه الشرق الأوسط ومصر، ولكن في تركيبتهما الاجتماعية. ويوضح: «رغم أن كليهما وصل إلى ما وصل إليه من خلال التعليم المتميز، فكلاهما درس في جامعة هارفارد، إلا أن أوباما وزوجته قادران على فهم بؤساء العالم، وهو ما ليس متاحاً لرومني الذي يقوم بحملاته الانتخابية متنقلاً على طائرته الخاصة». وبما أن نسبة كبيرة من بؤساء العالم، إن لم يكن بالضرورة اقتصادياً فسياسياً، يعيشون في منطقة الشرق الأوسط، فإن الفرق الرئيس بين المرشحين يكمن في ما يقدمه رومني من إعادة إنتاج للرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن الذي ساهم إلى حد غير قليل في رفع نسبة البؤس عربياً. أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية جمال سلطان يقول إن المنطقة برمتها وسياساتها وربيعها وخريفها لا تبدو عاملاً مؤثراً في اختيار الناخب الأميركي للرئيس المقبل، على الأقل بطريقة مباشرة. إحدى الطرق هي فاتورة الوقود التي يدفعها الناخب الأميركي. أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في القاهرة محمد العسعس يقول إن الناخب الأميركي لا يعنيه كثيراً ما يجري في منطقتنا، إلا في حدود حجم فاتورة الوقود القادم من الشرق الأوسط، ومن ثم تأثير النفط العربي فيه. ورغم أن فاتورة الوقود التي يسددها الناخب الأميركي وثيقة الصلة بسياسة بلاده الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط، إلا أنه يمكن فهم هذه العلاقة في شكل أفضل في ضوء تعامل رئيس أميركا المقبل مع التغيير الحادث في توازن القوى الدولية. يقول سلطان إن فلسفة أوباما السياسية تميل إلى التعامل مع هذا التغيير بطرق سلمية تواؤمية، على عكس رومني الذي يتوقع أن يتجاهل هذا التغيير الحادث أصلاً، وهو ما سيؤدي حتماً إلى ارتباك عالمي. ويضيف: «لكن من الممكن أن يدخل الشرق الأوسط على قائمة أولويات المواطن الأميركي في حال قررت أميركا أن تتدخل مجدداً في أحد الصراعات الدائرة في المنطقة، مثل سورية أو ربما إيران». ورغم ذلك، تبقى العلاقات الأميركية مع دول المنطقة، لا سيما مصر علاقة ثلاثية الأطراف وليست ثنائية، وذلك بضلوع الطرف الإسرائيلي. ويدلل العسعس على ذلك بالتعاطي القوي الذي أظهره أوباما في بداية فترته الرئاسية مع الملف الفلسطيني، وهو ما تراجع بعد ذلك بسبب مشكلة الاقتصاد الأميركي من جهة والحرب ضده من قبل اللوبي الصهيوني من جهة أخرى. مديرة «مركز الوليد بن طلال للدراسات الأميركية» في الجامعة السفيرة ماجدة شاهين دللت على ذلك أيضاً بجهود أوباما في البداية لمعارضة بناء المستوطنات، قبل أن يتراجع عن ذلك، بل أن أجندة الانتخابات الأميركية تكاد تكون خالية تماماً من القضية الفلسطينية، «وهذا دليل على قوة الضغط الإسرائيلي في إزالة القضية من على أجندة المنافسة الانتخابية الأميركية». هذه القوة وجدت لها قريناً في العديد من الدول العربية وبينها مصر، ولكن في عدم الاهتمام بمجريات الانتخابات الأميركية على المستويين الشعبي والرسمي. وإذا كان التجاهل الشعبي مبرراً بحكم انغماس الشعب في مشاكله الحياتية اليومية المعقدة، فإن سلطان يتساءل عما إذا كانت جماعة «الإخوان المسلمين» وحزبها «الحرية والعدالة» لا يعيران الانتخابات الأميركية اهتماماً فعلياً كما يبدو بالعين المجردة، أم أن هناك اهتماماً فعلياً غير مرئي. وقال: «رومني وصف انتخاب رئيس إسلامي في مصر بالتحول الدرامي، ويبدو واضحاً تماماً أن نبرة رومني في التعامل مع تيارات الإسلام السياسي في مصر والمنطقة ستكون في حال فوزه أشد من أوباما». وأشار إلى أنه يعتقد أن «في صدر الإخوان قلبين، أحدهما يتمنى فوز أوباما لاستمرار لهجة العامل الهادئ والمتفهم تجاه الإسلام السياسي واستمرار العلاقة البناءة التي تحمل الفائدة، والثاني يتمنى فوز رومني حتى يكون هناك مبرر لإطلاق العنان للفرس الأيديولوجي الإخواني المقيد حالياً». تعجب آخر عبرت عنه شاهين التي أشارت إلى أن الأولوية في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط، سواء كان من خلال أوباما أو رومني سيكون من خلال ملف الأمن القومي الأميركي، وواضح أن «هناك ربيعاً عربياً فيه ديموقراطية غير واضحة المعالم أو المسالك، وعلى ما يبدو أن الإخوان أنفسهم ليست لديهم رؤية واضحة لما يمكن أن يأخذوه من أميركا أو يعطوه لها». ويبدو أن في جعبة الانتخابات الأميركية الرئاسية الكثير، فرغم أن الغالبية في العالم العربي تبدو آملة بفوز أوباما ذي البشرة الداكنة والاسم العربي والمجاملات الرقيقة والوعود البراقة التي تبددت في هواء السنوات الأربع الماضية، إلا أن بعضهم يلمح إلى أن تيارات سياسية غير متأسلمة ربما تتمنى نجاح رومني ذي البشرة البيضاء والاسم الأنغلو ساكسوني باعتباره أداة ضغط غير مباشرة على الإسلام السياسي الحاكم.