اختارت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أمس الأنبا تواضروس بطريركاً بعد ثمانية شهور من رحيل البابا شنودة الثالث. وكان لافتاً أن يختار البطريرك ال118 في أول تصريح له التشديد على أولوية «عودة الكنيسة إلى الخط الروحي» باعتباره «عملها الأساس»، ما عزز التكهنات بقطيعة مع الدور السياسي الذي كرسه سلفه على مدار أربعة عقود. وأعلن اختيار البطريرك الجديد الذي سيحمل اسم تواضروس الثاني (60 عاما) بعد «قرعة هيكلية» سحب خلالها طفل ورقة تحمل اسمه من بين ثلاثة مرشحين اختارتهم هيئة ناخبة مصغرة تضم كبار رجال الدين وممثلين للأقباط الأسبوع الماضي. وكان المرشحان الآخران هما الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة الأنبا رافائيل (54 عاما) والقمص رافائيل أفامينا (70 عاماً). ورغم تأكيد البابا تواضروس، في أول تصريحات بعد انتخابه، أنه سيسير على نهج سلفه البابا شنودة الثالث، إلا أن تشديده على أن «أهم شيء هو أن تعود الكنيسة وتعيش في الخط الروحي لأن هذا عملها الأساس»، بدا قطعاً مع الانخراط في العمل السياسي الذي انتهجه البطريرك الراحل منذ شغله كرسي مارمرقس العام 1971. وأكد تواضروس أمس أنه سيكون «خادماً للشعب المصري كله بمسلميه ومسيحييه». وأضاف أن أولوياته في المرحلة المقبلة «تتمثل في ترتيب البيت من الداخل في تعاون ومحبة مع الجميع». ورأى أن «الكنيسة أثبتت خلال الفترة الماضية أنها كيان مؤسسي يتعاون في إدارتها كل من المجمع المقدس والمجلس الملي والهيئة القبطية للأوقاف وكل الكهنة والخدام في الكنيسة، ودوري يكمن في تنظيم هذا العمل لتقوم الكنيسة بدورها». وسئل عن الاحتقان بين المسلمين والأقباط، فقال: «متى وجدت المحبة لن تجد مشاكل على الإطلاق، وإن وجدت فسيتم حلها بالحكمة والمودة التي ترضي الجميع، فنحن نسير في مركب واحدة ونرجو أن تصل إلى بر الأمن والآمان». وهنأ الرئيس محمد مرسي ورئيس الحكومة هشام قنديل ومرشد جماعة «الإخوان المسلمين» محمد بديع ورؤساء أحزاب عدة وشخصيات عامة والناطق باسم الجيش، الأنبا تواضروس، فيما تجاهلت القوى السلفية الحدث ولم يصدر عن أي منها أي رد فعل. وحضر القداس الذي أقيم للقرعة الهيكلية آلاف الأقباط الذين أكتظت بهم الكاتدرائية في حي العباسية. وبدأت مراسم القرعة باختيار قائم مقام البطريرك الأنبا باخوميوس طفلاً من بين 12 طفلاً تتراوح أعمارهم بين خمس وثماني سنوات لسحب اسم البطريرك الجديد. ووضع عصابة زرقاء على عيني الطفل بيشوي مسعد جرجس الذي سحب كرة زجاجية من بين ثلاث كرات فيها أسماء المرشحين الثلاثة لمنصب البابا. وسيقام حفل تنصيب البابا الجديد في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري. وتنتظر البابا الجديد تركة ثقيلة من الملفات المهمة، منها العلاقات الطائفية في ظل حكم إسلامي، فضلاً عن أمور كنسية منها لائحة اختيار البابا التي تطالب أصوات قبطية بتغييرها. وعرف عن تواضروس تفضيله النأي بالكنيسة عن السياسة منذ كان أسقفاً لمحافظة البحيرة. وتخرج تواضروس الذي ولد في المنصورة باسم وجيه صبحي باقي سليمان، من كلية الصيدلة في جامعة الإسكندرية العام 1975 وحصل على بكالوريوس الكلية الإكليريكية التابعة للكنيسة وزمالة الصحة العالمية في انكلترا العام 1985، وظل مديراً لمصنع أدوية تابع لوزارة الصحة في دمنهور حتى التحاقه بالرهبنة في العام 1988. ونال درجة الأسقف في العام 1997.