تستعيد الصحافة الإمساك بحياتنا. ليس في الأمر مبالغة بعد ان تجاوزت خطها التحريري التقليدي. لم تعد فقط وسيلة نقل للاحداث عبر مكاتب ومراسلين ومتعاونين او مجرد وسيط بين القارىء والخبر وناشر قصص صحافية جذابة. بدأت مكاتب التحرير تنفيذ خطط جديدة. يشارك في وضعها مختصون ليس في الكتابة، بل في مجالات محددة (صحة، ترفيه، سفر، خدمات..)، والهدف من ذلك نقل خبرات وتجارب ومعلومات وقواعد لدفع القارئ وتوجيهه نحو أسلوب عيش «أفضل»، كما تصفه الوسيلة الإعلامية. وعلى رغم أن هذه السياسات المتقدمة تنال اعجاب شرائح واسعة من زوار المواقع الالكترونية، خصوصاً تلك التي تستفيد من منصات النشر في الاعلام الاجتماعي لتسويق موادها، لا يزال هناك من يوجّه إليها الانتقادات. يصف بعضهم سياسة التحرير بأنها «موجهة»، تسعى الى إرضاء نفوذ الشركات وتساهم في شكل غير مباشر في تسويق سلعها وأفكارها الاستهلاكية. ويرون أن أكثر هذه المواد تتضمن توجهاً استهلاكياً يخدم السوق، بحيث تتخفى المقالات تحت شعار برّاق. ويُحسب لإدارة موقع «هافنغتون بوست» الأميركي تعزيز هذا الاتجاه، وتقول مؤسِّسة الموقع إريانا هافنغتون انها تسعى الى مساعدة الناس لإيجاد حياة أفضل. اذاً، صارت فرضية ان يعلّمنا محررون من خلف مكاتبهم كيف ننام بطريقة صحية، واي شريك نختار في حياتنا، والاطعمة التي تجمّل قوامنا والاماكن التي تنصحنا بزيارتها... من أولويات النشر اليومي. وتحقق هذه المواد رواجاً عالياً. واعتمد موقع «هافنغتون بوست» هذا الخط التحريري بعد اطلاق خطة انتشار جغرافي من خلال فتح مكاتب في مناطق استقطاب، وليس آخر محطات هذا التمدد توقيع اتفاق مع مدير قناة «الجزيرة» سابقاً وضاح خنفر، لاطلاق نسخة عربية من الموقع في لندن. وتتوجه هذه النسخة الى قراء ناطقين العربية. وكانت هافنغتون أعلنت ان الموقع إلى جانب كونه إخبارياً وسياسياً من الدرجة الأولى، سيكون رائداً في مجال «كيف نعيش حياتنا». وفي ختام زيارتها لندن، للمشاركة في الدورة الحادية عشرة لاجتماع المحررين الدوليين، قالت لصحيفة «ذا غارديان» البريطانية: «حُدّدت الأولويات التحريرية وسنعتمد استراتيجية تركز على توجيه الناس نحو أساليب عيشهم». وأسندت إلى مديرة التحرير كارلا بوزازي مهمة إضافية من قبل المدير العالمي في مجال «نمط الحياة الحديث»، وعمل الموقع مع أربعة من أكبر الوكالات الإعلامية في لندن، لإدخال مفهوم المقياس الثالث لموظفيها، يمكّنهم من التأثير على المستخدمين الأكثر عناداً إزاء الأفكار الجديدة وتقبلها. وتعمل سياسة التحرير هذه على تدريس القراء، من خلال نصوص وروابط، سبل إفساح المجال لمفاهيم جديدة في حياتهم، مثل الرفاهية والحكمة والعطاء، ضمن ورش عمل تتضمن أيضا اليوغا، والتدليك وجلسات صفاء الذهن، وحتى التدريب على السعادة من خلال مدربة متخصصة بالسعادة والرفاهية. وينصح الموقع بالحصول على قسط كاف من النوم، في سلسلة مقالات نشرها حول «الحياة الناجحة»، ويدعو إلى وقف استخدام الأجهزة الرقمية، بغية تعزيز التواصل مع العائلة والأصدقاء. ويُعَد موقع «هافنغتون بوست» من أشهر المواقع الإخبارية على الإنترنت. يجمع الأخبار والمعلومات والترفيه والآراء والمدونات في منصة واحدة. ويعالج محررو الموقع مواضيع آنية وسياسية وبيئية وثقافية وصحافية، ويستعيدون مقالات وتقارير صحفية أرشيفية. وسبق أن اشترت شركة «إيه او أل» الأميركية العالمية لخدمات الإنترنت والإعلام «هافنغتون بوست» الإلكترونية مقابل 315 مليون دولار. وقالت هافنغتون: «بينما لا تزال الأخبار والسياسة تحتل المرتبة الأولى في الموقع، بأغلبية 40 مليون زائر شهرياً في الولاياتالمتحدة، ارتفع عدد قراء المواد المتعلقة بالرفاهية ونمط الحياة الحديث، لتتغلب على التسلية والتكنولوجيا، وتنتزع المرتبة الثانية بعدد زوار يصل إلى 26 مليوناً شهرياً».