عادت المسيرات والمخيمات إلى العاصمة اليمنية صنعاء ومحيطها، لكنها هذه المرة أتت من خارج المدينة، بصبغة قبائلية وشكل ملتبس يراوح بين التظاهر السلمي وحمل السلاح. ويحاول الحوثيون (حركة أنصار الله) استنساخ تجربة الجيش المصري في الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين برغم الاختلاف الكبير بين الحالتين، لكن الحركة أخفقت في جذب مناصرين من خارج المناطق التي تسيطر عليها. ونظمت قوى سياسية وشعبية مسيرات مضادة تحت شعار «الاصطفاف الشعبي لحماية المكتسبات الوطنية». وتحشد حركة أنصارالله (الذراع العسكرية للأحزاب الشيعية) آلافاً من مسلحيها ومناصريها على مداخل العاصمة وداخلها للمطالبة بإسقاط الجرعة (التسمية الشعبية لقرار رفع أسعار الوقود) وتشكيل حكومة كفاءات وتنفيذ نتائج الحوار الوطني، فيما يقول خصومها إنها تستخدم هذه المطالب غطاء لإسقاط العاصمة صنعاء بقوة السلاح بعد تمكنها من إسقاط محافظات صعدة وعمران ومناطق في الجوف وحجة. ويصف أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء الدكتور عبدالباقي شمسان، حركة «أنصار الله» بإنها «واجهة لقوى محلية وإقليمية» تستهدف تقويض مشروع الدولة الوطنية، ويقول إن قوتها تكمن في توظيفها الخلافات الداخلية، معتبراً أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح يدعمها لأنه «يريد الانتقام من خصومه الذين أخرجوه من الحكم». ورفض الحوثيون (أنصار الله) خطوات اتخذها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ومنها خفض 500 ريال في أسعار مادتي البترول والديزل والتحضير لتشكيل حكومة وحدة. كما رفضوا دعوة مجلس الأمن الدولي لهم بسحب قواتهم من عمران ووقف الأعمال العدائية المسلحة كافة ضد الحكومة في الجوف، وإزالة المخيمات كافة وتفكيك نقاط التفتيش في صنعاء وضواحيها. وأخفقت الحركة في تصعيدها الاحتجاجي في كسب شباب ثورة 11 فبراير إلى صفها، بمن فيهم بعض الشبان الذين وقفوا إلى جانبها خلال صراعها مع حزب تجمع الإصلاح الإسلامي السني. وتقول رضية عبدالحكيم إن تجربة الحوثيين في صعدة وعمران أثبتت ابتعادهم عن العمل السلمي، معتبرة أن حمل الحركة للسلاح وتحريمها الموسيقى يضعانها في خانة جماعات الإسلام السياسي وهو تعبير عن فشلها في خوض التنافس السياسي السلمي. وتطغى الصبغة القبائلية على جمهور الحركة، وهو جمهور ريفي يتحرك وفقاً لتعليمات عبد الملك الحوثي يبثها عبر خطابات متلفزة من مقر إقامته في صعدة. وأغلق شبان حوثيون وموالون للرئيس اليمني السابق شوارع رئيسة في صنعاء لساعات، في محاولة لفرض العصيان المدني، فيما هدد الحوثي باستخدام أساليب أقسى في حال لم «تنفذ» مطالب الشعب. وعادت إلى ذاكرة أهالي صنعاء أجواء الحصار الذي ضربته على مدينتهم القوات الملكية في ستينات القرن العشرين، في ما عرف بحصار السبعين يوماً. وبحسب شمسان، فإن تهديد الحركة صنعاء يهدف إلى تغيير موازين القوى ليعاد تقسيم الحقل السياسي وفقاً للمعطيات على الأرض. مشيراً إلى أن الحركة تستخدم المطالب الشعبية بغرض استقطاب قطاعات عسكرية. وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصورهادي طالب «أنصار الله» برفع الحصار عن صنعاء وتسليم عمران، من دون إشارة إلى صعدة التي تسيطر عليها الحركة منذ 2011. ويقول شمسان إن أهداف «أنصار الله» باتت مكشوفة، وإن الحركة لا تستهدف من تسميهم بالتكفيريين، بل تسعى إلى استعادة الحامل الاجتماعي للمشروع المذهبي وتأسيس دولة شيعية في المناطق التاريخية للزيدية تكون بمثابة رأس حربة إيرانية في خاصرة الجزيرة العربية. ويعد هادي أول يمني ينتمي إلى المذهب الشافعي يحكم اليمن من صنعاء. ووفق شمسان، فإن العامل الحاسم في مواجهة تهديد أنصار الله وحصارهم صنعاء يتحدد بمدى تماسك القوى الداخلية وضغط المجتمع الدولي والإقليمي باتجاه إخراج البلد من الأزمة الحالية. ويوضح أنه في حال وجد «أنصار الله» أنفسهم في مواجهة مع الداخل والخارج، فإنهم سيضطرون إلى مراجعة تكتيكاتهم ليحافظوا على المكاسب التي حصلوا عليها حتى الآن. وبحسب مصادر سياسية، تسعى الحركة إلى الحصول على الثلث المعطل في الحكومة. ويتوقع شمسان أن تبقى صعدة منطقة عسكرية خاصة ب «أنصار الله» ومقتطعة من السيادة، كما هو الحال في لبنان، مشيراً إلى أن الحركة بمحاصرتها صنعاء استطاعت أن تزيح جانباً قضية تسليم سلاحها، وهو المطلب الذي أجمعت عليه القوى السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار وصار الجميع يطالبها بفك الحصار. وكان الدعم الأميركي للرئيس السابق علي عبدالله صالح في إطار مكافحة الإرهاب، أدى إلى تفكك تدريجي لتحالفات صالح التقليدية، خصوصاً تحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين وأذرعتها القبلية والعسكرية، مقابل تقارب مع بعض التيارات العلمانية والجماعات الشيعية، مثل «أنصار الله»، التي وإن رفعت شعار «الموت لأمريكا وإسرائيل» إلا أن الإدارة الأميركية لم تدرجها ضمن المنظمات الإرهابية. ويقدم زعيم حركة «أنصار الله» عبد الملك الحوثي، وهو شاب لا يتجاوز عمره ال35 عاماً، نفسه بوصفه نصيراً للمستضعفين، بيد أن شعبيته التي نهضت أساساً على خطابه المناهض لأميركا وإسرائيل وتصديه للجماعات السنية التكفيرية، بدأت بالانحسار، وصار يوصف ب «رجل الكهف»، في إشارة إلى أفكاره التقليدية وجموحه في استخدام العنف. ويقول محمد داوود (37 عاماً): «لا يمكن أن أصدق بأن الذي طرد اليهود اليمنيين العزل من مناطقهم ونهب أملاكهم هو نصير الضعفاء». وتثير أدبيات «حركة أنصار الله» وسلوكها الشكوك حول حقيقة إيمانها بمبادئ الديموقراطية. وجاء في محاضرة لبدر الدين الحوثي، المرجع الديني الأبرز للحركة ووالد زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي: «يجب أن نكفر بكل تشريع ليس من قبل الله». ويدعو الحوثي الأب في محاضراته المنشورة على موقع الحركة على الإنترنت، أتباعه إلى عدم ذكر كلمة قوانين ناهيك بالعمل بها. ووفق شمسان، فإن انتصار مشروع (أنصار الله) قد يؤدي إلى تقسيم اليمن إلى ثلاث مناطق: دولة في الجنوب ودولة شيعية في الشمال ودولة شافعية في الوسط.