في عنبر متداعٍ وسط الحقول، يقرع رجال يرتدون الأسود على صفائح معدنية، فتصدح تمارين فرقة «تامبور دو برونكس» (طبول برونكس) في منطقة بورغونيه مسقط رأس أفرادها حيث لا يزالون يقيمون بعد 25 سنة من مسيرة عالمية. في موقف قديم للحافلات ألحقت حبّات البرَد أضراراً في سطحه، يثور العازفون على آلاتهم. وتتكدس الصفائح على طول الجدران، بانتظار حفلات الفرقة في ألمانيا وهولندا خلال الشهر الجاري. الديكور المحيط اصطناعي الطابع، إلا أن مقرّ فرقة «طبول برونكس» يقع وسط أرياف مقاطعة نييفر على مسافة آلاف الكيلومترات من الحي النيويوركي الذي استعاروا اسمه. و «برونكس» هو اللقب الذي أطلقه أول أفراد الفرقة على حيّهم الذي يسكنه عمّال قرب نهر نييفر مع واجهات صارت سوداء بسبب دخان القاطرات. وأسس هؤلا فرقة «طبول برونكس» خلال مهرجان روك في عام 1987، من دون أن يتصوّروا أنهم سيستمرون بعد مرور ربع قرن على ذلك، مع إقامة حفلات حول العالم تصل إلى ريو دي جاينرو وجيبوتي مثلاً. ولفت عازفو الآلات الإيقاعية هؤلاء انتباه الجمهور العريض عندما استعان المخرج جان - بول غود بهم خلال الاحتفالات بالذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية عام 1989. وأضيفت الموسيقى «الإلكترونية» إلى الصفائح، إلا أن عدّة مغني الروك لم تتغير منذ عام 1987 من أوشام وملابس سوداء وأقراط أذن. مجموعة من العازفين ال 17 الحاليين شاركت في بداية «شلّة الأصدقاء» هذه، كما يقول تييري (53 سنة). ففي غضون 25 سنة مرّ 120 موسيقياً عبر الفرقة. وكلهم من هذه المقاطعة الريفية. يانيك يشكل الاستثناء الوحيد وهو يشعر بواجب احترام «عقد أخلاقي» يقضي ب «العمل على استمرار الفرقة» التي تضم عمالاً سابقين وخبراء معلوماتية أو خطاطي رسوم بيانية ينتجون أعمالهم ويؤكدون استقلالهم عن شركات الإنتاج. ويقول ليون بلوم وهو عضو سابق في الفرقة في وثائقي بعنوان «صوت الصفيحة جميل»: «لطالما رفضوا أن يكونوا جزءاً من أجواء الاستعراض الفرنسية (...) لأنه لم يكن لديهم خطة لمسيرتهم». ويقول أحد أفراد الفرقة: «نحن أصحاب الحد الأدنى للأجور في عالم الاستعراض». وهم يتكيفون مع الوضع، ومع أجواء العنبر المثلجة. ويقول يانيك مبتسماً: «خلال الشتاء عليك أن تعزف بقوة. لكن هذا جزء من التجربة التي لا يمكنها أن تكون في مرسيليا بل هنا حصراً: فالطقس سيئ وتمطر بلا توقف، ما يجعلك تقرع بعنف على صفيحة». وفي المقاطعة يحلم عازفون بالانضمام إلى صفوف الفرقة، ويقول غويل (33 سنة)، «إنهم أسطورة هنا». وهو يتدرب مع مرشحَين آخرَين أملاً بالانضمام إلى الفرقة، علماً أن الثلاثة يعملون، لكنهم مستعدون للتخلي عن أعمالهم للانضمام إلى الفرقة. ويقول فلاف (21 سنة) من دون تردد: «لا يسعى المرء إلى الشهرة، لكن عندما تعرف أنك ستسافر وتعزف إلى جانب فرق تعشقها مُذ كنت طفلاً، فإن الاختيار بين العمل في المصنع وهذا أمر سهل وسريع».