صورة الفنان الفلسطيني محمد بكري التلفزيونية لا تزال ناقصة، بل هي لا تليق أبداً بفنه ودوره الواقعي معاً. فضائيات نادرة عرضت فيلمه الشهير «جنين... جنين»، في حين لم يحظ شريط مسرحيته الشهيرة «المتشائل» بأي عرض تلفزيوني عربي. محمد بكري ليس اسماً عابراً في الحياة الثقافية والسياسية في فلسطين، فهو أحد أبرز الأسماء المسرحية وراء «الخط الأخضر»، أي في تلك المساحة التي وقعت تحت الإحتلال الأول. وبهذا المعنى يصبح بكري أحد رموز الوعي الوطني تماماً كما هو أحد أبرز المبدعين في الجليل الذي تنطلق منه اليوم إبداعات فنية عالية المستوى خصوصاً في مجالات الفن السينمائي. فيلم محمد بكري عن ملحمة جنين واحد من إبداعات كثيرة مزجت بين اللغة الفنية المبدعة، السلسة والراقية، وبين المضمون السياسي الواقعي والمتأجج بالوطنية الصادقة البسيطة والحقيقية، والتي تحمل أحلام شعب بكامله. غياب محمد بكري عن الشاشات الصغيرة العربية مسألة لافتة وتستحقُ التوقف ملياً عندها: هل يحدث ذلك بسبب موجة الفن الهابط؟ أم أن له وجهه الآخر الذي يقع في نسيان تلك البقعة الفلسطينية التي باتت منذ الخامس عشر من أيار (مايو) 1948 دولة إسرائيل؟ هي أسئلة تثيرها واقعة المحكمة والحكم عليه والذي يستعيد في صورة فاقعة لعبة الإحتلال الإسرائيلي التاريخية في قلب الرواية: الإحتلال يعتبر آراء بكري من خلال فنه «خيانة» باعتباره «مواطناً إسرائيلياً» لا يجوز له أن يقدّم سوى الرواية الرَسمية الإسرائيلية. هي محنة مزدوجة بكل المقاييس، ذلك أن من يبدعون هناك في الجليل والمثلث والنقب يعانون من الإضطهاد الإسرائيلي المخطط والمبرمج، ولكن ايضاً من إهمال الفضاء الثقافي والإعلامي لهم والذي لا يتناسب مع وجودهم وقضيتهم كما مع إبداعاتهم الثقافية في المجالات الأدبية والفنية على اختلافها. بعض ذلك يقع بالتأكيد على كاهل الفضائيات العربية ومراسليها في فلسطين الذين يكتفون – غالباً – بالحدث السياسي باعتباره وحده الخبر، لكنه يذهب بنا أيضاً نحو إعادة المطالبة ببث فضائي خاص بفلسطين، اي بفضائية لا تتبع الفصائل والأحزاب الفلسطينية وتنطق بلسانها، بل فضائية تعتني بالحياة هناك حيث البشر والمكان.