أكد الأديب ورجل الأعمال أحمد باديب أهمية الحرية للإنتاج الأدبي والثقافي، مشيراً إلى أنه كلما تم الابتعاد عن الحرية والتنافس الذي يحكمه الشرف، «كلما تضاءلنا ولم يعد لدينا إنتاج أدبي». وقال باديب، الذي يدعم جائزة محمد حسن عواد وجائزة أخرى خاصة بالنقد، في حوار مع «الحياة» إنه حتى تكون لدينا حركة أدبية في المملكة، لا بد أن تعطى حرية الكلمة. ودعا المؤسسة الرسمية إلى ألا تسلّط على الأدباء من يدعي الدين وفهمه، وبالتالي يتم تقييد حركة المثقفين. إلى نص الحوار: كيف ترى الحركة الثقافية في المملكة، وفي جدة على وجه الخصوص؟ - أهم شيء في الإنتاج الأدبي والثقافي هو الحرية. ولو رجعنا إلى التاريخ نجد أن هناك حرية مطلقة... وكلما ابتعدنا عن الحرية والتنافس الذي يحكمه الشرف، كلما تضاءلنا ولم يعد لدينا إنتاج أدبي... منذ 1949 تداعت علينا الثورات العسكرية، وقضت على بداية النهضة الأدبية في مصر، ومصر كانت لديها حركة أدبية تأثرت بها كل البقاع العربية، ولكنها دمّرت بسبب تداعيات الحركات العسكرية. إذاً أهم شيء حتى تكون لدينا حركة أدبية في المملكة أن تعطى حرية الكلمة، ومن دون أن تكون هناك مهاترات وإساءة إلى بعضنا البعض، بسبب جهلنا ما هو الفرق بين الحوار والجدال. يجب أن يكون هناك ميثاق شرف أدبي تضعه وزارة الثقافة والإعلام، يحدد بالتفصيل من يكون حكماً بين الناس في الأمور لكي لا تتجاوز الناس حدودها وتسيء إلى بعض. فأنا اليوم لما أنتقدك يجب أن أنتقد النص وليس شخصك، ولكي يتعلم أبناؤنا اللغة العربية لا بد أن تكون لدينا منابر أدبية ومكاتب أدبية، فالمنابر كالنادي الأدبي، ولكن هذا النادي الأدبي أخذ لسبب أو آخر قالباً معيناً، ولذا أصبح يوجد فيه كبار السن مثلي أنا. يجب أن يكون هناك في كل مدينة أكثر من منبر أدبي، ويجب أن تكون الأندية الأدبية ليست هيئات حكومية تصرف عليها الدولة، يجب أن تكون الأندية مجموعات لها تفكير معيّن، ومشتركة في أمور بعينها. ولا نسلّط على الأدباء من يدعي الدين وفهمه، وبالتالي يقيدون حركة المثقفين والناس، لأنهم يعتقدون أن ما ينتجه الشباب هو ضد الدين، أو يحرفون الكلام. يجب أن يكون هناك حكام يعرفون ما هو الأدب، فأنا أذكر أن الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - عندما جيء ليعيّن في ذلك الوقت في عهد الملك فيصل وزيراً أو وكيلاً آنذاك، قال بعض الإخوان المتدينين أن هذا كتب ديوان شعر، فيه إساءة... إلى آخره. وكان الملك فيصل لا يأخذ الكلام على علاته، فطلب الديوان وكتب على الديوان رسالة إلى الشيخ محمد علي حركان، وقال: «أريد رأيك في ما قاله الشاعر، لأن هناك من قال فيه إساءات». والشيخ الحركان كان وسيع الأفق، وقال يا جلالة الملك، أجمل ما يكون الشعر هو المبالغة والخيال، ولكن هذه المبالغة والخيال إذا قالها الشاعر لا يؤاخذ عليها وتسمى كفراً، وإنما هي صور ليكون الشعر جميلاً، وهذا الرجل استخدمها ولا نعتقد أنها تمس عقيدته في شيء، فأجاز الملك الديوان وعيّنه وزيراً أو وكيلاً في ذلك الوقت. هل تعتقد أن لغياب الحرية في المشهد الثقافي تبعات سلبية، تؤثر في المشهد؟ - على أية حال يجب علينا أن نكون منفتحين، ويجب ألا يكون لدينا انفصام في الشخصية. وهذه المشكلة تجيء بعد الحرية وميثاق الشرف وتعدد المنابر وتعدد المكتبات، ففي المملكة ترى الأديب أو الشاعر أو الفنان له شخصية، وعند خروجه عن الحدود تجده شخصاً آخر أكثر حبوراً وسروراً وبهجة وانفتاحاً وإبداعاً. والسبب أنه هنا في المملكة خائف في ظل صراع التيارات المختلفة، التي تؤثر فيه، أصبح لديه انفصام في الشخصية. دعمت نادي جدة الأدبي ولا تزال تدعمه، كما أن الثقافة في حاجة دائمة إلى دعم رجال الأعمال، حدثنا عن هذا الأمر؟ - أنا في النادي الأدبي أحاول أن أعمل شيئاً، وإمكانات النادي محدودة لا تمكنه من أن يعمل نشاطات تذكر. وأدعو الإخوة التجار أن يضعوا جوائز لهذه المسابقات، فأنا تبرعت بقيمة جائزة باسم الشاعر محمد حسن عواد، يشرف عليها نادي جدة الأدبي وتبرعت بجائزة أخرى للنقد. وأنا شخص واحد في هذه الدولة التي فيها آلاف التجار والقادرين على التبرع، ولكن المشكلة في وجود نادٍ أدبي واحد، وهذا يجعل التفاعل بين المجتمع والنادي مهما بلغ ضئيلاً. سبق أن تقدمت بطلب تأسيس مكتب للحقوق الفكرية في جدة، فماذا حصل؟ - أنا نائب رئيس منظمة في جامعة الدول العربية في مصر، اسمها «منظمة الحقوق الفكرية»، فهذه المنظمة تفتتح لها فروعاً في كل الدول العربية لتمارس عملها في حفظ حقوق الملكية الفكرية للأشخاص، فكتبت لوزير الخارجية عن رغبتي في افتتاح مكتب للحقوق الفكرية في المملكة، فأبلغوني أن هذا الأمر لا يتعلق بالخارجية ولكنه يتعلق بوزارة الثقافة، فكتبت للدكتور عبدالعزيز خوجة، فأحال هذا الموضوع إلى الأمير تركي بن سلطان بن عبدالعزيز، ومنذ ذلك التاريخ وحتى هذا اليوم، لم أستطع أن أحصل على تصريح لافتتاح مكتب لجامعة الدول العربية يتعلق بالحماية الفكرية، والسبب أن وزارة الثقافة والإعلام تعتقد أن هذا المكتب سيأتي لينافسها، فهذا المكتب أقرته جامعة الدول العربية، والمملكة أولى الدول التي وقعت على تأسيس هذه الجامعة في عام 1946، فإذا نحن لا نعضد هذه الجامعة لتحقق الأهداف الموجودة فمن سيعضدها؟ فاعتقاد الوزارة أن هذه المكاتب ستنافسها فهذا شيء سيئ ولنفترض ذلك، فهذا تنافس شريف ليست فيه أية مشكلة، ومن ثم هذه الوزارة تمتلك سلطة، والجامعة أيضاً تمتلك سلطة على جميع العالم العربي، وبالتالي فهي جزء مهم يساعدك في حفظ حقوق الشعراء والأدباء. بعض المثقفين في جدة يطالبون بفصل الثقافة عن الإعلام وخصخصتها، لكي تتماشى مع مبادئها ولا تتناسب مع البيروقراطية؟ - أعتقد، على أقل تقدير، أن وزير الثقافة والإعلام مؤمن بهذه الفكرة، وقد بدأوا في هذا الفصل، ولكن هناك صعوبة أن تفصل بين الإعلام والثقافة، لأن الإعلام سيعلن عن ماذا؟ عن أخبار؟ فالإعلام يتعاطى مع الثقافة بكل أنواعها، فلا نستطيع أن نقول ذلك، فهما يتعايشان مع بعضهما البعض. فأنا أشجع الوزير على الخطوات الجريئة والمهمة التي اتخذتها الوزارة، وأنا متأكد أيضاً أنه لولا موافقة خادم الحرمين الشريفين لما استطاعوا أن يفعلوا هذه الخطوات في عملية الإعلام. قامت وزارة الثقافة والإعلام بإجراء انتخابات لرئاسة الأندية الأدبية، لكن البعض يقول إنها سهلت صعود الأكاديميين إلى سُدة الرئاسة، وهو ما جعل بعض الرؤساء الجدد يستعينون بالجوائز التي قدمها التجار لتجاوز إخفاقاتهم الأدبية؟ - سأكون صريحاً معك إذا قلت إن رئيس النادي الأدبي السابق الدكتور عبدالمحسن القحطاني، وهو صديق حميم جداً وما زال كذلك، كان يعاني، للأسف الشديد، من إساءات، لأنهم كانوا لا يعتبرونه من أهل جدة، وهناك أناس لا يعتبرونه أديباً، وأنه وصل إلى سدة هذا النادي لأنه أكاديمي وكان يعمل في كلية الآداب في جامعة الملك عبدالعزيز، فخشي أخي عبدالمحسن أن يتكالب عليه رجالات الأدب في جدة فيهزموه في الانتخابات، وهو حريص على هذا النادي، فكانت لديه خطط رائعة جداً، فجاء بطلابه من الأكاديميين وجعلهم أعضاء في النادي. وحدث عرفاً بين الأكاديميين وبين الدكتور عبد المحسن بأن يصوتوا له فأخذ أعلى نسبة من التصويت في هذا النادي، وصعد معه الأكاديميون ولديهم طموحات فانتخبوا من بينهم زميلاً لهم ولم ينتخبوا صاحب أكبر عدد من الأصوات، فسيطر الأكاديميون على النادي وغضب القحطاني، وحدثت مهاترات كثيرة. ولكن أنا أعتقد أن هؤلاء الأكاديميين لا شك ستكون لهم بصمات مهمة، كما الدكتور عبدالمحسن. ولكن الأهم أن شروط العضوية في النادي لا بد أن يعاد النظر فيها، فأصبح الكثير من الأدباء لا يستطيعون أن يكونوا أعضاء في النادي. ومن الممكن أن من يضع شروط العضوية قد يرى في وجودك خطراً على وجوده، وبالتالي لا تحصل على عضوية النادي. أتمنى أن تكون شروط الالتحاق بالنادي سهلة وبطريقة ميسّرة.