أبدى الأديب الباحث حجاب بن يحيى الحازمي أسفه لعدم تفعيل لائحة الأندية الأدبية، معتبرًا أن إقرارها من قبل وزارة الثقافة والإعلام أمر يحمد لها بوصفه خطوة نحو تطوير آلية إدارة هذه الأندية، مشيرًا كذلك إلى أن تجربة الانتخابات في الأندية الأدبية ليس جديدة، مؤكدًا أن وقف تلك التجربة الأولى مثّل «صدمة» للمهتمين بشأن الأندية الأدبية من الأدباء والمثقفين. كذلك أشار الحازمي إلى تغيّر نهج التكريم الذي كان يركّز في السابق على الأدباء بعد رحيلهم، فأصبح يهتم بهم وهم على قيد الحياة، مشيدًا في ذلك بما يقوم به منتدى الاثنينية في هذا المجال، معتبرًا تكريمه في الاثنينية يوم أمس الأول تكريم لجيله ولكل مبدعي منطقة جازان.. وأوضح الحازمي أنه هجر مجال القصة منذ ما يربو على الربع قرن، مبينًا أنه لم يتخلَ عن الشعر، مبررًا عدم إصداره لأي ديوان شعري إلى «قصر» قامته الشعرية أمام عدد من الشعراء الذين يرى فيهم أساتذة له في هذا المجال، واصفًا ما يردده البعض من أن الرواية أصبحت «ديوان العرب» بأنه قول فيه تجنٍّ على الشعر.. العديد من المحاور حول تجربة الحازمي الإبداعية والبحثية، في سياق هذا الحوار.. تكريم جازان * كيف تنظر إلى تكريمك في منتدى الاثنينة؟ - بداية أود أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لسعادة الأستاذ عبدالمقصود خوجة ليس فقط لأنه كرّم واحدًا من أبناء منطقة جازان في الوقت الحاضر؛ ولكن لأنه كرّم ما يزيد على أربعمائة علم وشخصية ثقافية على مستوى المملكة وعلى مستوى الوطن العربي والإسلامي، بل على المستوى العالمي؛ فاهتمامه بالثقافة إرث عظيم ورثه عن والده، وبدأ مبكرًا في هذه الرحلة الثقافية؛ رحلة التكريم والاحتفاء بالمثقفين والمفكرين، ففي عام 1403ه أنطلقت اثنينيته الرائعة ولم تقتصر على هذا المجال فقط، ولكنها تناولت جوانب أخرى كثيرة، فطبعت لعدد كبير جدًّا من أعلام العالم العربي وطبعت لأدباء الوطن الذين مضى بعضهم إلى لقاء ربه، وخلّف تراثًا فكريًّا وعلميًّا هائلًا، فاهتم به الأديب عبدالمقصود خوجة، وأعاده للحياة، ومنه ما طبع لأول مرة، ومنه ما أعاد طباعته ونشره للأجيال، وبالنسبة لي فأنا اعتبر هذا التكريم تكريمًا لي ولجيلي ولأبناء منطقة جازان كلها، وأتمنى أن يمتد إلى أشخاص آخرين هم جديرون بذلك من أبناء المنطقة، وهذا لا يقلل من الجهد الذي قد بذل، فلقد كرم أسماء معروفة في المنطقة، وما أتمناه أن يمتد هذا التكريم لأعلام ما زالوا على قيد الحياة حتى يواصل هذا الجميل الذي تناول فيه معظم مثقفي الوطن. رافد قوي * بعامة.. كيف تنظر إلى الحراك الثقافي والأدبي الذي تقدمه مثل هذه الصالونات؟ - لا شك أن الصالونات الأدبية تعتبر روافد ثقافية ممتازة؛ لأنها تمد هذا الحراك الثقافي في الوطن بعطاء دفاق، وتعطيه دافعًا كبيرًا، وتسقيه من جداولها وأنهارها، وعلى وجه الخصوص اثنينية عبدالمقصود خوجة التي سبق أن نوّهت بصنيعها الذي تتفوق فيه على كثير من المنتديات والصالونات الأدبية ليس فقط في المملكة بل على مستوى العالم العربي، فهذا الرجل لم يقتصر في تكريمه على الأدباء والمثقفين والمفكرين بل تناولت الاثنينية تكريم المفكّرين والسياسيين والعلماء. ورجال الأعمال، وصار التكريم والاحتفاء على مستوى العالم، فالاثنينة بهذا الصنيع أمدت وتمد الثقافة العربية عامة والثقافة في المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص بسيل وافر من أنهار الثقافة المتدفقة فكانت ومازالت رافدًا قويًّا للثقافة في بلادنا. تغيير نهج التكريم * الملاحظ أن الاهتمام بتكريم الأديب والمثقف والمفكّر لا يأتي إلاّ بعد وفاته.. إلى أي سبب تعزو ذلك؟ - لعلي اختلف معك قليلًا حول هذه النقطة؛ لأن الوضع الذي تتحدث عنه ربما كان في فترة ومرحلة سابقة من المراحل الأدبية والفكرية في بلادنا، لكننا اليوم وربما لأكثر من عقد من الزمان بدأنا نشهد هذا التكريم والاحتفاء بأدباء ومفكري المملكة هنا وهناك، وليس أدل على ذلك ما نشاهده سنويًا من معرض الكتاب الدولي في الرياض وتكريمه لبعض من روّاد الأدب والفكر في بلادنا وما نشهده في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) وما نشهده في مناسبات ثقافية كبيرة وفي مقدمتها الصالونات الأدبية والفكرية على مستوى المملكة، وانظر إلى اثنينية عبدالمقصود خوجة فهي طوال ثلاثين عامًا تقدّم هذا الجهد المشكور من التكريم والاحتفاء بالأحياء، فإذًا لا شك أن هذه الفكرة قد بدأت تتلاشى بعد أن شهدنا تكريم عدد كبير من المثقفين، ومحدثك واحد من هؤلاء الذين كرموا سواء على مستوى المنطقة أو على مستوى الوطن، فلقد كرمت ولله الحمد في مناسبات مختلفة، لا أقول آخرها ولكن ربّما من أهمها وأعزها على النفس جائزة سمو الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز للشخصية الثقافية لأنها كانت تكريمًا لي، وللمنجز الثقافي، ولأنني أول الحاصلين عليها في منطقة جازان فهي بذلك تكريم للثقافة وتكريم للمثقفين وقد بدأت من العام الماضي 1430ه وستمتد إلى أسماء آخرين لتنالهم هذه الجائزة بالتكريم إن شاء الله، وإلى جانب هذا التكريم فهناك الاحتفاءات التي وجدتها من قبل معالي وزير الثقافة والإعلام السابق الأستاذ إياد مدني حفظه الله، وذلك حينما زارني وشرفني وكرمني هنا في منزلي هو ووكلاء الوزارة، وحينما كرمني مرة أخرى في حفل كبير بنادي جازان الأدبي، وكذلك فقد كرمني إخوتي في نادي جازان الأدبي في حفل كبير آخر تمّ على شرف سمو أمير المنطقة، وقبل ذلك وبعده تم تكريمي في مناسبات ثقافية وتربوية كثيرة، كما حظيت بشيء من التكريم في المجتمع أشكر الله عليه كثيرًا وأشعر بأنني لا استحقه كله، ولكنه وفاء ونبل من هؤلاء الرجال الذين قدموا لي ولأمثالي ما يشعرك بأن هناك من يقدر الجهد والعطاء، ويشعرك بأن ذلك الأديب أو المفكر لن يضيع جهده سدى فسيجد التكريم والتقدير ولن يحرم من دعوة صالحة، وذكرًا طيبًا (والذكر للإنسان عمر ثان). مسؤولية الوزارة * برغم ما تقول.. ألا تتفق معي بأن هناك كثيرًا من التراث الفكري والأدبي للأجيال السابقة قد اختفى عن الساحة ولم يجد من يهتم به أو يعيد طباعته.. أليس ذلك ضربًا من الجحود المنافي للتكريم؟ - أعتقد أن هذه مسؤولية وزارة الثقافة والإعلام؛ فمن واجبها أن تهتم بالأدب والفكر في بلادنا، وبخاصة ذلك التراث الأدبي الذي خلفه الجيل السابق من رعيلنا الأول وما أشرت إليه أمر رائع ويستحق الاهتمام وبذل الجهد من وزارة الثقافة وبمعاونة جادة من الأندية الأدبية التي تمتد على مساحة الوطن، وأتمنى أن يبعث كل نادٍ أدبي بعض ما لديه من تراث لأبناء منطقته ويذكر به ويطلب له الدعم من قبل الوزارة التي لا أظنها ستتأخر في دعم مثل هذه المشروعات. وبالنسبة لأدباء الحجاز وبخاصة الرعيل الأول من أدباء ومفكري المملكة فقد خدمنا فيهم الوجيه عبدالمقصود خوجة خدمة كبيرة جدًّا، ولا أظنه قد ترك شيئًا من نتاجهم الفكري لم ينشره، وربما تجاوزهم إلى نشر نتاج بعض الأحياء الذين ينشرون على مستويات متعددة، أما الجيل الأول من أدباء الحجاز فقد قدم هذا الرجل المحسن إليهم وإلى الفكر وإلى الثقافة خيرًا كثيرًا فلقد طبع ونشر لهم أعمالًا كبيرة جدًّا، ونرجو أن يمتد هذا الجهد إلى جميع أدباء المملكة وبخاصة أولئك الذين طبعوا بعض أعمالهم في فترات سابقة فنفدت ولم تجد إليها الأجيال المعاصرة طريقًا، فأتمنى أن يعمل هذا الأديب الوجيه المحسن على إعادة طبع ونشر تلك الأعمال الفكرية خدمة للثقافة والمثقفين وتتميمًا لإحسانه وفقه الله. تواصل مستمر * ما الذي يجمعك بزملاء المرحلة الشعرية والأدبية والثقافية الذين كانوا معك في وقت سابق بعد استقالتكم من أدبي جازان؟ - في الواقع إن الذين عاصرتهم في النادي كثير منهم من انتقل إلى الدار الباقية، ونسأل الله أن يلحقنا بهم صالحين، أذكر منهم على سبيل المثال ممن تتلمذت على أيديهم: الشاعر الكبير محمد بن علي السنوسي رحمه الله، والشاعر والباحث والمؤرخ محمد بن أحمد العقيلي وكان أول رئيس لنادي جازان الأدبي، والأديب الكبير القاص محمد زارع عقيل، والأديب والناقد علي محمد العمير الذي حرمنا عمله الإعلامي من بقائه فترة أطول في النادي لنتتلمذ علي، فهؤلاء اعتبرهم أساتذتي، وهم كذلك لأنهم سبقوني وجودًا وتجربة وعطاءً وإن تشرفت بخدمة النادي معهم. أما عن زملائي الذين شاركتهم في خدمة النادي فأذكر منهم الشاعر حسن بن علي أبو طالب القاضي شفاه الله وهو شاعر كبير على مستوى المملكة وكان نائبًا لرئيس النادي في أيام رئاسة الشاعر السنوسي، والأديب الأستاذ علي حمود أبو طالب رحمه الله، وكذلك الشاعر الكبير علي أحمد النعمي الذي غادرنا قبل العام الماضي رحمه الله، ومن الشعراء الذين تشرفت برفقتهم في النادي: الشاعر الكبير أحمد بن يحيى البهكلي، والذي ما زال عطاؤه متدفقًا وهو من شعراء الوطن العربي المعروفين، وإنتاجه العميق والغزير يشهد له بذلك، وهناك أيضًا العديد من الزملاء الذين رافقوني في النادي ومنهم الأديب والباحث عبدالرحمن بن محمد الرفاعي الذي لم تثنيه الإعاقة عن العطاء والعمل والتأليف، وكذلك الأستاذ عبدالعزيز الهويدي فقد كان من كُتّاب القصة، وبدأ ينشر مبكرًا ربما أيام صحيفة الرائد التي أصدرها الأديب الرائد الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين، ولكن العمل الإداري قد استهلك شيئًا من طاقاته الإبداعية، ومن زملاء العمل في النادي الشاعر الكبير الأستاذ إبراهيم عبدالله مفتاح، ومنهم كذلك الأستاذ الأديب القاص عمر طاهر زيلع وآخرون، وهناك أدباء وشعراء كبار في المنطقة كانوا قريبين منا ومما يدور في نادي جازان الأدبي وكانوا لا يبخلون علينا بالتوجيه أو بالنصح والمشورة أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: شاعرنا الراحل إبراهيم الشعبي، والأستاذ الشاعر حسن فرح الفيفي، والأستاذ الأديب الشاعر إبراهيم صعابي، والشاعر محمد بن علي البهكلي، والأستاذ الشاعر حسن أبو علة الذي أتمنى أن يقترب أكثر من النادي وأن يظهر شعره بعد طباعة ديوانه على الساحة الأدبية، كما أن هناك آخرين وآخرين ممن كانوا يعاونوننا في تسيير أعمال اللجان الثقافية بالنادي ويشاركوننا فرحة العطاء والإنجاز وبعضهم أصبح الآن يتحمل مسؤوليات أعمال النادي الأدبي ويسهم في مسيرته ولكثرتهم أعتذر عن ذكر الأسماء، وما يجمعنا بهؤلاء وأولئك هو الحب والتواصل في المناسبات الثقافية المختلفة سواء على مستوى الوطن أو على مستوى المنطقة ونلتقي في المنتديات والصالونات الأدبية حين تدعو المثقفين والأدباء وتكرمهم، أو في بعض مناسبات النادي الأدبي التي ندعى إليها، كما نلتقي في كثير من الفعاليات على مستوى المملكة، ويبقى تواصلنا الشخصي هو المستمر دائمًا. هجر القصة * ما السبب الذي أخرك عن إصدار أي ديوان شعري بينما أصدرت مجموعة قصصية واحدة وتوجهت من بعدها للإصدارات البحثية والتاريخية والأدبية؟ - الشعر ليس هو كل اهتماماتي، وربما كانت القصة في بدايات مشواري الأدبي من أول اهتماماتي فقد تعلّقت بها لفترة قصيرة ثم تركتها وبخاصة بعد أن نشرت مجموعتي القصصية الأولى التي أعيدت طباعتها ثلاث مرات برغم أنني قد نشرت بعدها عددًا من القصص القصيرة ثم توقفت عن القصة نهائيًا منذ أكثر من ربع قرن، أما الشعر فلم أنقطع عنه إلى هذه اللحظة وآخر قصيدة كتبتها في رمضان الماضي، ولكنني أجد انجذابًا كبيرًا نحو الدراسات النقدية والأدبية وبخاصة ما يتعلّق بدراسة الشعر في منطقة جازان؛ لأنني وجدت أن هذا الجانب لم ينل حظه من الدراسة والاهتمام وإن كانت قد سبقتني جهود أشرت إليها في كتابي الشعر والشعراء في جازان خلال ثمانية قرون ولكنها كانت تتناول جوانب متعددة وتعرج على الشعر كواحد من تلك الجوانب فحاولت أن أفرّغ كثيرًا من جهدي لتناول هذا الجانب وهو رصد مسيرة الشعر في المنطقة، بدءًا من القرن السادس الهجري وما زلت أكتب الآن عن شعراء القرن الثالث عشر ليكون هذا العمل تكملة لمشروعي فقد سبق أن صدر لي كتاب عن الشعر في منطقة جازان خلال عهد الدولة السعودية ويرصد حوالى مائة سنة، وكأنني في ذلك الكتاب قد تناولت القرن الرابع عشر، وجزءًا من فواتيح القرن الخامس عشر، وبقي لدي القرن الثالث عشر لأن الدراسة الطويلة التي تناولت ثمانية قرون قد توقفت عند منتهى القرن الثاني عشر الهجري، فالدراسات النقدية للشعر في منطقة جازان أخذت عليّ كثيرًا من اهتماماتي وما زالت تأخذني إلى هذه الجوانب التي أصبحت أجد فيها متعة أدبية، وربما كانت من الأسباب التي جعلني أيضًا أتريث عن نشر ما كتبت من الشعر هو أنني وجدت نفسي في بداياتي الأدبية محاطًا بكثير من الشعراء الكبار الذين يتواضع شعري أمامهم كثيرًا أمثال الشاعر الكبير جدًّا محمد بن علي السنوسي، والشاعر علي النعمي، والشاعر أحمد البهكلي الذي يصغرني سنًا ويسبقني إبداعًا ونشرًا وشعراء آخرين سبقوني إلى نشر شعرهم إلى جانب أسباب أخرى تحول بيني وبيت نشر تجربتي الشعرية أرجو أن أتغلب عليها فأختار شيئًا من شعري حتى ولو كان بعض الذي نشر في عدد من كتب الدراسات الأدبية أو في بعض الصحف والدوريات وهو كثير. جهود مكملة * ما الذي وجدته في الدراسات النقدية والتاريخية والأدبية حتى تستأثر بكل هذا الاهتمام منك؟ - قبل أن أجيبك أحب أن أنوه بجهود الراحل الأديب المؤرخ محمد بن أحمد العقيلي الذي تناول جوانب كثيرة جدًّا من تاريخ المنطقة السياسي والاجتماعي والأدبي والفكري ولم يترك جانبًا من الجوانب إلاّ تناوله بالدراسة حتى الأدب الشعبي تطرق إلى دراسته، كما تناول جوانب معرفية كثيرة جدًّا، وخدم تراث المنطقة بما لا غبار عليه، وأنا أردت أن أكون مكملًا لتلك الجهود الكبيرة التي بذلها الشيخ العقيلي ويشاركه في بعضها الدكتور عبدالله أبو داهش، والشيخ علي أبو زيد الحازمي، وآخرون، فكانت من أسباب اهتماماتي برصد مسيرة الشعر في منطقة جازان أنني وجدت أن مجال الكتابة فيها ما زال واسعًا، وما أردته هو إكمال جانب من هذه الجوانب التي تناولها هؤلاء الأعلام وهو رصد المسيرة الشعرية في منطقة جازان، محاولًا بذل الجهد المستطاع لأقدم عنها الصورة الممكنة وفق إمكانياتي وقدراتي المحدودة، والله المستعان. وإن كانت لي اهتمامات أخرى ربما حاولت إعطاءها بعض حقها؛ فقد نشرت دراسات عن تاريخ التعليم في المنطقة ومنها كتاب عن مسيرة التعليم في تهامة والمخلاف السليماني وتهامة عسير منذ القرن التاسع الهجري إلى تاريخ إعلان توحيد المملكة عام 1351ه. إهمال المخطوطات * دراساتك في غالبها تاريخية وأدبية كما تشير فهل تجد ثمة صعوبة في الحصول على المخطوطات ودراستها؟ - الصعوبات في مجال البحث كثيرة وهي صعوبات وليست صعوبة واحدة ولكن الأهداف النبيلة من خدمة للتراث والفكر والثقافة وتبصرة للمعاصرين لما كان عليه أسلافهم من جهود علمية، وتنوير للأجيال القادمة، هذه الأهداف النبيلة لا شك أنها تجعل الصعوبات أمرًا هينًا. أما عن صعوبة الحصول على المخطوطات فربما يكون البحث عنها صعبًا وإن وجدتها فستجد بعضها ليس كاملًا أو متوفرًا وربما يجعلك ذلك تبحث عن نسخ مخطوطات أخرى، وكثير من مخطوطات المنطقة قد تفرقت في جميع الأصقاع، وما بقي لدى الأسر قليل جدًّا ولا تتم المحافظة عليها من قبلهم بالشكل المطلوب. اهتمام متأخر * في ضوء ما تقول.. كيف تنظر إلى اهتمام مؤسساتنا الثقافية بتراث المخطوطات والمحافظة عليه وإتاحته للباحثين؟ - مع الأسف فإن هذا الاهتمام بدأ متأخرًا ولكن نحمد الله أنه قد وجد، ووجد بشكل مشرف، وأصبح التنافس في خدمة هذا التراث كبير جدًّا، على سبيل المثال ما تقدمه دارة الملك عبدالعزيز في هذا الجانب، ومكتبة الملك فهد الوطنية، ومركز الملك فيصل للبحوث، وكذلك مكتبة الملك عبدالعزيز، وأيضًا ما تقوم به جامعاتنا، مثل جامعة الملك عبدالعزيز، وربما تنافسها الآن جامعة الملك سعود ولديها ثروة كبيرة جدًّا في هذا المجال، وأصبح اهتمامهم بها كبيرًا، والمحافظة عليها بالشكل المطلوب جيدة، وإتاحتها للباحثين والدارسين بشكل رائع أمر يبعث على الفخر. إيجابية الاستشراق وسلبياته * يرى البعض أن كثيرًا من المؤرخين في جوانب الأدب تأثروا بالتوجهات الاستشراقية.. فما قولك؟ يجب علينا إذا ذكرنا الاستشراق أن نذكر له جانبين مهمين لا تخطئهما العين: الأول جانب إيجابي كبير وهو خدمة التراث الإنساني بعامة والتراث العربي بشكل خاص وهذا الجانب قد بذلوا فيه وفي سبيل تحقيقه جهودًا كبيرة، وكثير منهم كانت جهوده العلمية ناضجة ومحققة للهدف العلمي الحقيقي، وأما الجانب الآخر السلبي الذي لا أود الحديث عنه فهو معروف لدى الباحثين والدارسين والمهتمين بهذا الشأن الثقافي والمعرفي وهو الجانب السياسي الذي ربما كان واضحًا في خطوات بعضهم البحثية وربما كان خافيًا أو مستورًا لدى بعضهم، ولكن الأهداف غير المعلنة كثيرة فمنهم حينما يبحثون هذه الجوانب المعرفية من فكر وثقافة وعلوم مختلفة إنما يتعرفون بذلك على مستوى التفكير والوعي في العالم العربي ويخدمون ما هم بصدده ليصلوا إلى بغيتهم في تسهيل مهمات الباحثين الاستراتيجيين عن كيفية الاستفادة من ثروات هذا العالم ومقدراته، أما ما أشرت إليه في سؤالك عن تأثر بعض الباحثين بأساليب المستشرقين فهذا وارد؛ ولكنه عند بعضهم تأثير بالمنهج العلمي فقط؛ وهذا جيد، ونأمل أن تتكاثر أعداد الباحثين من هذا الصنف. حريق سريع * كيف يمكن للأدب العربي أن يحافظ على هويته فيما نشهده من ذوبان وتلاشي كثير من الثقافات جرّاء طوفان العولمة؟ - أدبنا العربي قد مر بمراحل مختلفة لكنه في عصرنا الحاضر قد تسارعت عليه المراحل؛ ففي هذا العصر تجد تقلبات كثيرة جدًّا في زمن قصير ووقت متسارع وهذا ناتج عما وصلنا إليه من وسائل الاتصال المتعددة والثورة الرقمية الهائلة التي جعلت العالم قرية صغيرة يستطيع أن يصل من خلالها الإنسان في ثوان إلى ما يريد، لكن ما يميز الأدب العربي جانبان: الأول هو الجانب الفكري؛ استطاع الإنسان العربي على مر العصور المحافظة على تميزه الفكري وارتباطه العضوي والتاريخي بتراثه مستفيدًا من هذا التراث، مع استمرارية اتصاله بالعالم الحديث من حوله واستفادته من مستجداته، ومثل هذا سيؤدي ولا شك إلى التواؤم بينه وبين عصره، والجانب الآخر الذي نطمئن إليه هو القدرة على المحافظة على هويته من الانسلاخ أو التماهي أو الاستلاب وحينما نتخلى كلية عن أدبنا وتراثنا لهذا الجديد، تذوب شخصيتنا فنفقد مقومات البقاء والتجدد. وهذه الثورة الحديثة في المجالات كافة استطاعت أن تحرق كثيرًا من المراحل الأدبية بسرعة، فعندما تؤرخ مثلًا للأدب السعودي في منطقة جازان على صغرها فإنك ستجد نفسك خلال العهد السعودي أمام ستة أجيال شعرية بل إنك ستجد بأن الذين طبعوا أعمالهم الشعرية قبل عام 1400ه لا تتجاوز أعدادهم أصابع اليد الواحدة وكذلك أعداد ما طبعوه من الدواوين الشعرية، وفي المقابل واستجابة لإيقاع العصر تسارعت الخطى وتضاعف الإنتاج فوصل العدد إلى أكثر من خمسين ديوانًا شعريًا خلال 20 عامًا وهي فترة على قصرها تمثل أربعة أجيال شعرية ولكل جيل منها تميزه ومؤثراته، وخلفياته، وقس على ذلك بقية البلدان والأمصار. اتصال مفتوح * ما السبب الذي يجعلنا في تسارع للأجيال الشعرية بهذا الشكل؟ - الأسباب كثيرة؛ ولا شك أن للتعليم دوره الكبير وللتواصل والاتصال المفتوح، والتأثر بما يقرأ هؤلاء وأولئك من تجارب شعرية كثيرة على مستوى العالم آثاره الكبيرة، وحركة النشر التي أصبحت متاحة للجميع آثارها كذلك، فتجربة الرعيل الأول من الشعراء والأدباء في الحجاز مثلًا تعبّر عن جانب من هذا التأثر المتبادل مع عدد من المدارس الشعرية والشعراء في العالم العربي من خلال التواصل الذي كان يتم بينهم، وهو ما جعلهم متميزين على مستوى المملكة شعريًا كما وفر لهم السبق في جانب الأدب، وكذلك نجد بعض الشعراء في منطقة جازان مثل السنوسي الذي كانت له صلات وتواصل مع عدد من شعراء الحجاز، مع عدد من الشعراء العرب وكان ينشر شعره في بعض الصحف والمجلات اللبنانية والمصرية، ولكل ذلك آثاره الواضحة في الإفصاح عن شاعريته المبكرة، أما عصرنا الحاضر، فالنشر، والتواصل والاتصال وسرعة التنقل والبعثات التعليمية كلها كان لها أثر واضح على الأجيال الجديدة وبدأت تقرأ لها بفعل هذه التأثيرات أشكال جديدة من الأدب ربما كان بعضها قليل الصلة بتراثه الأدبي وأصالته. ملتقى البر والوفاء * ما طبيعة العمل الذي تقوم به في مجلس أمناء مؤسسة الشيخ حمد الجاسر؟ - مؤسسة الشيخ حمد الجاسر الثقافية هي من المؤسسات الرائدة في مجالها ولعلي أسميه ملتقى البر والوفاء، فالبر من أبنائه، والوفاء من أصدقائه، وكانت هذه المؤسسة لفتة جميلة من أبنائه ومحبيه بعد وفاة الشيخ حمد الجاسر أصر أبناؤه ومحبوه على استمرار خميسيته كما كانت في حياته كما سعوا إلى تأسيس مؤسسة حمد الجاسر الثقافية لاستكمال مشروعه الفكري والعلمي والثقافي الذي نذر حياته له بعد وفاته في خدمة تراث هذه الجزيرة العربية وخدمة فكرها وتاريخها، فقامت هذه المؤسسة بفضل الله ثم بجهود أبنائه وأصدقائه ومحبيه، وتشكيل مجلس إدارتها من كبار أعلام الأدب والفكر في بلادنا؛ لهذا يستغرب الزائر لهذه المؤسسة حين يجد أن القائمين على العمل فيها مجموعة من المثقفين الكبار على رأسهم سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز رئيس المؤسسة الفخري، ومعالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر رئيس مجلس الأمناء، ومعالي الدكتور أحمد الضبيب الذي يتولى الجوانب العلمية والثقافية في المؤسسة، ومعالي الدكتور إبراهيم العواجي، والأستاذ حمد القاضي، والدكتور عبدالرحمن الشبيلي، والدكتور ناصر الدين الأسد، والدكتور محمد بن شريفه، وعدد من المفكرين والمثقفين على مستوى العالم العربي، وجميعهم يشتركون في الاهتمامات التي كانت تهم الشيخ حمد الجاسر في حياته رحمه الله، وحضورنا السنوي يتمثل في مناقشة ما تم إنجازه من أعمال ومشروعات ثقافية في المؤسسة خلال العام ومناقشة وتدارس وإقرار خطة العام القادم وميزانيته، وفي كل عام تصدر هذه المؤسسة ما لا يقل عن عشرة كتب، وتصدر أيضًا مطبوعتين الأولى الخميسية عبارة عن نشرة دورية لأخبار الخميسية وتغطية نشاطاتها، ومجلة دورية تتولى نشر ما ألقي في المركز من محاضرات، كما تتولى نشر أخبار المؤسسة بشكل عام. لائحة معطّلة * كيف تنظر إلى تجديد قيام الجمعيات العمومية في الأندية الأدبية بالمملكة وإصدار لائحة الأندية الأدبية مؤخرًا، وأثرها المنتظر؟ - الحقيقة أنها خطوات مباركة قامت بها وزارة الثقافة والإعلام في محاولة تطوير أداء وعطاء الأندية الأدبية، وإن كانت وللأسف الشديد لم تُفَعّلْ هذه اللائحة وما زال التأجيل يجري عليها، وقد سمعنا مؤخرًا عن استقالة جماعية لأعضاء أحد الأندية الأدبية، وعن استقالات هنا وهناك، ولكن هذا لا يمنعنا من القول بوجود حراك ثقافي جيد وهناك محاولات للتطوير، مع أن قيام الجمعيات العمومية لا يعتبر جديدًا على الأندية الأدبية فقد قامت لأول مرة في عام 1400ه وكان نادي جازان الأدبي آنذاك واحدًا من الأندية الأدبية التي شكّلت جمعية عمومية وقامت فيه انتخابات نزيهة بحضور مندوبين من الرئاسة العامة لرعاية الشباب ووصلت في تلك الليلة الأصوات الأكثر للسنوسي رحمه الله رئيسًا للنادي، ولزميلنا حسن أبو طالب نائبًا للرئيس وكان التصويت بمنتهى الشفافية، وكانت اللائحة القديمة تنص على أنه بعد كل أربعة أعوام تدعى الجمعية العمومية لاختيار مجلس إدارة جديد، وللأسف الشديد فبعد تلك الانتخابات وذلك العمل الانتخابي الشفاف الجميل أوقف موضع الجمعيات العمومية وموضوع الانتخابات وكانت صدمة لكثير من المهتمين بالجوانب الأدبية والثقافية وبخاصة من هم خارج الأندية الأدبية؛ أما وقد بُعثت الجمعيات العمومية وعادت الانتخابات إلى الأندية الأدبية فإننا نرجو أن تكون تلك الجمعيات العمومية محققة للأهداف، وأن تسير النوادي الأدبية في ضوء تفعيلها على الوجه المأمول منها وأن تكون كما يرجو منها معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة لقد أنجزت الأندية الأدبية طوال مشوارها خلال ثلاثة عقود للأدب والثقافة في المملكة الكثير والمطلوب هو التطوير والتجديد، وربما تحقق اللائحة الجديدة جزءًا من هذا، ونأمل متابعة هذه الأفكار البنّاءة حتى يتحقق المرجو منها، وبرغم كلما يقال عن الأندية الأدبية فما زال بعض هذه الأندية متواصل في عطائه الثقافي والأدبي وفي مقدمتها نادي الرياض الأدبي الذي حقّق تميزًا من خلال إصداراته وبرامجه الثقافية؛ ليس لأنه قريب من الإعلام ولكن لأن رئيسه الشاب الدكتور عبدالله الوشمي كان فاعلًا منذ أن كان عضوًا في مجلس الإدارة، وما زال عطاؤه متدفقًا ومشروعاته الأدبية واسعة ومتواصلة بعد رئاسته للنادي، ونأمل أن تحذو حذوه بقية الأندية الأدبية ليتواكب نشاطها مع النهضة الأدبية والثقافية التي تشهدها بلادنا في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز. تعدٍّ على الشعر * تشهد اللائحة الثقافة السعودية حاليًا إنتاجًا كبيرًا على مستوى الرواية والقصة.. كيف تنظر إليه كونك قاصًا سابقًا؟ - في الحقيقة اعتذر لك عن الإجابة التفصيلية عن هذا السؤال؛ لأنني لا أريد أن أنافس ابني الدكتور حسن بن حجاب الحازمي وهو ناقد وباحث في مجال الرواية ولديه كتابان كبيران في هذا المجال؛ بل مرجعان في مجال الرواية يرجع إليهما الباحثون في مجال الرواية، فأنا لا أريد أن أتعدى على تخصصه، ولكن هذا الإنتاج الغزير الذي تطرقت إليه يعطينا صورة جميلة لهذا التفاعل الأدبي مع معطيات النهضة الأدبية وهذا التنافس الجيد في المجالات كافة سواء كانت الرواية أو القصة أو الشعر، فأنت في مجال القصة القصيرة أو الشعر أيضًا تشهد إنتاجًا غزيرًا لكن للأسف الإعلام يركز كثيرًا على الرواية بل إن بعض المتحمسين يرى أنها ديوان العرب وهذا تعدٍ على الشعر وعلى اختصاص الرؤية العربية الأصيلة التي ترى أن الشعر هو ديوان العرب فالعربي لا غنى له عن الشعر وأنت تجد حتى الروائي أو القاص يجعل داخل عمله لوحة شعرية سواء كان ذلك، في مجموعته القصصية أو روايته يزين بهذا العمل، فالشعر هو ديوان العرب وهو الذي نرجع إليه ونفرغ فيه ذواتنا متى ما أردنا. الإعلام لا يركّز إلا على الرواية القول بأنها ديوان العرب تعدٍّ على الشعر عمق طبيعي * تنتظر الساحة كتابك الجديد “التواصل الثقافي بين السعودية واليمن” فماذا خبّأت فيه؟ - الكتاب هو محاولة لخدمة التقارب بين دول الجوار وبخاصة بين السعودية واليمن الشقيق الذي تربطنا به روابط الدم والجوار وقبل ذلك روابط الدين، ولا شك أن اليمن ببعده الجغرافي والتاريخي والثقافي هو امتداد لبلاد الحرمين الشريفين، كما أن بلاد الحرمين الشريفين بكاملها وأقصد المملكة من أقصها لأقصاها هي عمق طبيعي لليمن الشقيق، ولأن الروابط التي تربط بين البلدين والمصالح المشتركة بينهما لا يستطيع أن يلم بها كتاب كهذا لذلك حاولت أن أشير إلى جانب واحد من جوانب التواصل بين البلدين فاخترت الجانب الثقافي دون غيره من بقية الجوانب وبدأت رصد مسيرة التواصل الثقافي بين البلدين من منتصف القرن السادس الهجري وصولًا إلى عصرنا الحاضر، وركزت في الرصد كثيرًا على العصر الحاضر وبخاصة عصر الدولة السعودية الثالثة ومن عاصر ملوكها من ملوك ورؤساء اليمن، ولم أتحدث عن الجوانب السياسية أو الاجتماعية وإن كنت أشرت إليها إشارات سريعة لأنني كنت معنيًا فقط بالجوانب الثقافية ومع كل ما بذلته من جهود مضنية في الرصد والتوثيق، إلاّ أنني أعتبر ما قمت به بوابة لعبور الباحثين الجادين علهم يكملون النقص ويسدون الخلل اللذين لا ينجو منهما أي عمل بشري هو عرضة للنقص والله المستعان.