على رغم أنه بنى سمعته الواسعة تلفزيونياً من خلال قناة «الجزيرة» وعبر برنامج «سرّي للغاية»، إلا أن الإعلامي المصري يسري فودة كان من أوائل من غادروا تلك المحطة من دون ضجيج أو بيانات، ما جعل مغادرته تلك -ربما- تأخذ شكل ال «سرّي»، وإن لم يكن «للغاية»! يبقى المهمّ في الأمر أن هذا الإعلامي شكّل منذ إطلالته الأولى على «الجزيرة» نبرة خاصة به، سواء لطريقته في الأداء أو بسبب خصوصية برنامجه الوثائقي الاستقصائي، الذي خاض في موضوعات قلّما قاربتها التلفزة، بل حتى السينما العربية. ليس من السهولة بمكان أن تتخلّى قناة تلفزيونية عن واحد من أبرز الوجوه التي ظهرت على شاشتها واستطاعت أن تؤسّس حضوراً واسعاً وتبني علاقة مميزة مع قطاعات واسعة من الجمهور، وليس من السهل لإعلامي أن يغادر شاشته ويطوي دفتر برنامجه الذي كان يحقّق حضوراً لافتاً، حلقةً إثر أخرى، خصوصاً وأن لا قناة أخرى تطيق برنامجه وموضوعاته، وربما تكاليفه الإنتاجية... ومع هذا، حدث الطلاق مبكراً، وغاب يسري فودة فترة من الزمن، قبل أن نعود لرؤيته مجدداً على شاشة «أون تي في» المصرية. يعود فودة مع برنامجه «آخر كلام»، الذي من الممكن تماماً أن يضيع في زحام برامج الحوارات التي تفيض بها شاشات التلفزة العربية إلى حدّ التخمة. يعود مع برنامج من الممكن أن يُفلت حتى متابعيه، ولا يقدر على أن يكون موعداً مُحدّد المعالم في جداول مواظبة المشاهدين على الانتظار، أو الترقّب. «آخر كلام» برنامج سلاحه الوحيد -ربما- هو ما بناه الإعلامي يسري فودة من سمعة إعلامية وما خصّ نفسه من سمات، تبدأ من الشكل، المتعلّق بحضوره وطريقته في الأداء، ولا تنتهي عند ما يثبته هذا الإعلامي من علوّ كعبه إعلامياً جريئاً ومثقفاً. مناسبة هذا الكلام، هي تلك الحلقة التي خصّصها فودة لحوار مستفيض مع المفكر الأميركي نعوم تشومسكي حالَ عودته من زيارته غزة، فالقاهرة. ها نحن أمام إعلامي من طراز كبير يقوم بالحوار مع مفكّر عالمي السمعة والحضور، أمكنه -مبحراً اليوم في ثمانينات عمره- أن يثير الجدل الواسع بين مؤيد ومعارض، وموافق ومخالف، ومؤمن ومشكك. سيمرّ الحوار القيّم على عدد من المحاور ذات الراهنية العالية، بدءاً من الوضع في غزة اليوم، إلى حالة مصر وهي تخوض غمار مرحلة ما بعد الثورة، إلى زمن «ربيع الثورات العربية» وما بات يرتبط بها من جدل فكري حاد وانقسام سياسي عميق، بخاصة في الشأن السوري! ولكن... يعيب الحلقةَ الكثيرُ من الإشكاليات الفنية والتقنية، التي تصل حدّ البدائية في التنفيذ، على مستوى الصوت والصورة والترجمة، وهو ما يثير الاستغراب، وفي شكل «مفضوح للغاية»!