لم تحل القيود الجديدة التي وضعتها سويسرا على السرية المصرفية، دون استمرار تدفق أموال المودعين إلى مصارفها، وفق ما أكد مصرفيون سويسريون في تصريحات ل «الحياة». وقدّروا حجم الودائع التي استقطبتها المصارف (باستثناء «يو بي أس») بنحو 307 بلايين فرنك (310,6 بليون دولار) خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وأقروا بأن الحملات التي شنتها فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة على صدقية المصارف السويسرية، إضافة الى وضع منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية بنك «يو بي أس» على اللائحة السوداء، أضرت بسمعة تلك المصارف وزعزعت ثقة المودعين بها. لكن تقديرات وزعتها أمس مؤسسة «بلومبارغ» الأميركية المتخصصة في الشؤون المصرفية، أشارت إلى أن «المصارف السويسرية لم يسبق أن جمعت من الودائع المالية بقدر ما جمعت بين 2007 و2010». وإذا كان بنك «يو بي أس» خسر 248 بليون فرنك (250,8 بليون دولار) جراء سحب الودائع خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فإن الجهاز المصرفي السويسري استطاع استدراج 307 بلايين فرنك خلال الفترة ذاتها، أي بفائض لا يقل عن 50 بليون فرنك. وقلّل خبراء من قيمة هذه الأرقام نظراً إلى أن الودائع المسحوبة من «يو بي أس»، وهو أحد المصارف الرئيسة في سويسرا، وُضعت في المصارف الأخرى. إلا أن مراقبين آخرين رأوا أن استقطاب 50 بليون فرنك جديدة يبرهن على أن «أثرياء العالم ما زالوا يثقون بالخزائن السويسرية». وقال مدير القطاع الخاص في مصرف مجموعة «كريدي سويس» ولتر برتشتولد ان «المجموعة خططت لاستقطاب ما بين 175 و225 بليون فرنك قبل نهاية 2012»، وأن «ثلاثة مصارف هي «سارازان» و «بيكتت» و «كريدي سويس»، استقطبت 196 بليون فرنك خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لكن يُعتقد أن غالبيتها أموال مسحوبة من «يو بي أس». وأضاف برتشتولد أن «بعض المصارف السويسرية بات لا يكتفي بانتظار المودعين، إنما صار يذهب إليهم في بلدانهم، بخاصة في آسيا والشرق الأوسط». وزاد أن «الجهاز المصرفي السويسري لا يعاني اليوم من قلة الجاذبية وشح التدفقات، بل من ندرة الكوادر بالنظر لتوسع النشاط». وقدّر عدد المواقع الشاغرة حالياً في الجهاز المصرفي ب 1800، مشيراً إلى أن «بعض المصارف صار «يخطف» طواقم كاملة من مصارف أخرى منافسة لسد الشواغر».وواجهت سويسرا ظروفاً صعبة منذ سن البرلمان الأوروبي بغالبية كبيرة، قانوناً لمكافحة التهرب الضريبي وتكريس الحوكمة، اعتُبر موجهاً ضد مصارف سويسرا ولوكسمبورغ في الدرجة الأولى. ووافقت المصارف في سويسرا والنمسا ولوكسمبورغ على إعطاء معلومات إلى «منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية» عن الزبائن بواسطة تبادل الرسائل. إلا أن البرلمان الأوروبي ذهب إلى أبعد من ذلك، مُشدداً على ضرورة التزام المصارف التجارية في البلدان الثلاثة المعايير التي وضعتها «منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية» في هذا المجال، بخاصة الرد الفوري على أي طلب معلومات عن المودعين تتلقاه من الجهات المخولة ذلك بموجب القوانين المعدلة أخيراً. ويُخطط الأوروبيون لوضع حد للسرية المصرفية في غضون أربع سنوات، ما سيُضطر النمسا ولوكسمبورغ العضوين في الإتحاد، واستطراداً سويسرا، لتغيير قوانينها المصرفية وإلغاء السرية المصرفية اعتباراً من أول تموز (يوليو) 2014. وفي هذا السياق حضّ البرلمان الأوروبي البلدان الأعضاء في الإتحاد على إطلاق مفاوضات مع كل من سويسرا وليشتنشتاين وأندورا وسان ماران وموناكو، لتجديد اتفاقات مكافحة التهرب الضريبي الحالية، والتي باتت تُعتبر غير كافية.