في المناظرات التلفزيونية، تناول المرشحان الى الانتخابات الرئاسية موضوع الطاقة وأهمية السعي الى «تحرير» أميركا من قيود استيراد النفط ومصادر الطاقة. والموضوع هذا أثير على البرامج الانتخابية منذ اعلان الرئيس ريتشارد نيكسون سعي ادارته الى الاستقلال النفطي. واليوم ثمة منعطف في قطاع الطاقة يتوقع أن يخلف أثراً كبيراً في مستقبل اميركا «الطاقوي». ففي العقد الماضي، شهدت أميركا ثورة تكنولوجية في سبل استخراج النفط والغاز. وازدهرت التلبية الداخلية لحركة الطلب على مصادر الطاقة الجديدة: الغاز الاحفوري والنفط المستخرج من الصخر والرمال الصلبة وقعر المياه العميقة والغاز الطبيعي السائل. وأثر المنعطف هذا فاق التوقعات، على رغم أن مترتباته لم تتبلور بعد. وفي 2011، ارتقت الولاياتالمتحدة، للمرة الاولى منذ 1949، قوة مصدرة لمنتجات البتروليوم المكررة. وخلص عدد من الدراسات الى أن أميركا في نهاية العقد الجاري ستتصدر القوى المنتجة للطاقة، وتتفوق على روسيا والسعودية مجتمعتين في هذا المجال. ويعود الفضل في هذا المنعطف الى تطوير وسائل جديدة لاستخراج النفط والغاز من طبقات أرضية حسِب العلماء الى وقت قريب أنها لا «تخترق» ولا يمكن النفاذ اليها. ولا يستهان بأهمية النتائج الاقتصادية والجغرافية – السياسية المترتبة على مثل هذا التطور. وهي قد تقود الى نهضة صناعية في الولاياتالمتحدة وأفول النفوذ السياسي الجغرافي الروسي وذواء أهمية الشرق الاوسط في الميزان الجيو – سياسي. وزعم رومني أن ادارة اوباما تعوق ازدهار قطاع الطاقة الداخلي. وزعمه في غير محله. ويرى يساريون كثر أن الادارة هذه تساهلت مع طفرة الغاز والطاقة ولم تفرض الضوابط عليها. ويدور الكلام على مخاطر اعمال استخراج الغاز وخطر تسربها الى مواسير المياه المنزلية. وتبحث وكالة حماية البيئة آثار «تكسير» الصخور لاستخراج موارد الطاقة. ولم تتأخر النتائج البيئية الناجمة عن طفرة الغاز الطبيعي الاميركي في البروز: فانبعاثات غاز الدفيئة في اميركا تراجعت في 2011، 9 في المئة عن معدلاتها في 2007. والانخفاض هذا يفوق نظيره في الاتحاد الاوروبي. ومرد التقلص هذا الى ضعف التعافي الاقتصادي الاميركي وضعف حركة الطلب من جهة، وتربع الغاز الطبيعي محل الفحم مصدراً للطاقة، من جهة اخرى. وينتج الغاز نصف كمية ثنائي الكربون التي ينتجها الفحم. وحري بالاميركيين ألا يهملوا مع التقدم في قطاع استخراج الطاقة في اميركا مصادر الطاقة المستقبلية الاخرى التي لا تنضب مثل طاقة الهواء والطاقة الشمسية. ولذا، تبرز الحاجة الى زيادة تمويل الابحاث والدراسات الرامية الى تطوير مصادر طاقة جديدة، والاسهام في انتشارها ورواجها. فعلى سبيل المثل، اشترت الحكومة الاميركية، وزارة الدفاع ووكالة «ناسا» على وجه التحديد، نصف رقائق الكومبيوتر المنتجة في وادي السيليكون في الخمسينات، وواصلت عمليات الشراء الى ان تمكنت هذه الصناعة من تخفيض كلفة انتاجها، فكتبت لها الحياة في عالم التجارة. * كاتب ومحرر، عن «تايم» الاميركية، 29/10/2012، إعداد منال نحاس