تدور المحاور الأساسية في مؤتمرات الطاقة هذه الأيام حول تطورات ذات دلالات مستقبلية مهمة. وفي أحد هذه المؤتمرات المتخصصة عُقد في أوروبا أخيراً، أثار متحدثون عناوين اعتبروها أساسية في المسيرة المستقبلية لهذه الصناعة. وسنحاول هنا تلخيص هذه المواضيع. حاز تسرب النفط في خليج المكسيك أهمية كبرى لتأثيره في إنتاج النفط من المياه العميقة في الولاياتالمتحدة، ولانعكاساته السياسية والقانونية المتوقع أن تعصف لفترة طويلة بالصناعة النفطية في البلاد وبشركة «بي بي» وشركائها. وسيؤثر الحادث في شكل خاص في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم مستقبلاً لارتفاع تكاليف التنقيب عن النفط وإنتاجه من المياه العميقة. فشركة عملاقة مثل «بي بي» قد تتحمل الخسائر والنفقات التي ترتبت على الانفجار والتلوث الناتج عنه، لكن ثمة شكوكاً كبيرة في أن تتمكن الشركات «المستقلة» من تحمل الارتفاع المتوقع في تكاليف التأمين أو من تأمين الأدوات اللازمة لمنع تلوث الشواطئ. وتكمن أهمية الحادث سياسياً في صعوبة موافقة الرئيس الأميركي باراك أوباما على السماح مجدداً بالتنقيب في قطع بحرية عميقة، وذلك للمعارضة التي سيواجهها من الأعضاء الديموقراطيين في الكونغرس. ويدل الحادث أيضاً على وهن سياسة «الاستقلال الطاقوي» الأميركية التي حاول تبنيها أوباما والرؤساء الذين سبقوه، فاستعمال تقنية جديدة في أعماق البحار من دون اختبارها، أو من دون التأكد من دقتها وإمكانية التعامل معها في شكل وافٍ، يشير إلى أن الولاياتالمتحدة مضطرة إلى هذه المشاريع للحصول على النفط من المناطق الصعبة، بدلاً من استيراد كميات أكبر من النفط من دول «أوبك» حيث يتوافر النفط في مناطق برية قريبة من السطح، ويمكن استخراجه بطرق أسهل فنياً وأقل تكلفة. وهناك أيضاً مسائل قانونية شائكة يتوقَّع أن تعالجها المحاكم لسنوات مقبلة عديدة. ستواجه «بي بي» مشكلة كبيرة إذا ثبت اتهامها بالإهمال، فيما يشكّل تسرب النفط في خليج المكسيك تحدياً مهماً للصناعة النفطية برمتها، وسينتهز البعض هذا الحادث للدعوة إلى تقليص استهلاك النفط. ومن هنا الأهمية الكبرى للتداعيات المستقبلية لهذا الحادث. أما العامل الثاني الذي استقطب الاهتمام خلال المؤتمر، فهو التقنية الجديدة المستعملة في الولاياتالمتحدة لإنتاج الغاز الحجري، إذ بات ممكناً الحصول على كميات ضخمة من الغاز الطبيعي من خلال تفكيك الصخور بتكسيرها بواسطة ضغط المياه المدعمة بمواد كيماوية ومن ثم إطلاق الغاز الطبيعي من هذه الصخور وتجميعه. وعلى رغم تأكيد العديد من المتحدثين أهمية هذا الاختراع والكميات الضخمة من الغاز الطبيعي التي يمكن استخراجها بهذه الطريقة في الولاياتالمتحدة، اعترفوا في الوقت ذاته بالآثار البيئية السلبية واحتمال تلوث مصادر المياه القريبة نظراً إلى توافر هذه الصخور في مناطق عميقة جداً تحت سطح الأرض. ونوه المتحدثون إلى صعوبة استعمال هذه التقنية في أوروبا لتواجد هذا النوع من الصخور قرب المدن الكبرى المأهولة بالسكان، إلى جانب مصادر المياه، خصوصاً في النمسا وبولندا. وطبعاً أثّر تسرب خليج المكسيك في هذا الاختراع الجديد نظراً إلى آثاره البيئية السلبية، كما توقع معظم المشاركين أن تنحصر عملية استخراج الغاز الحجري بالولاياتالمتحدة فقط في الفترة القريبة المقبلة. وتوقع المحاضرون أن يكون التنافس منذ الآن فصاعداً ما بين الغاز الطبيعي والفحم الحجري نظراً إلى الاستعمال الواسع لهذين الوقودين الأحفوريين في محطات الكهرباء. وبرز أيضاً اهتمام كبير بالتطورات النفطية في العراق، خصوصاً في قدرة العراق على أن ينتج فعلاً ما يزيد عن 11 مليون برميل يومياً بحلول منتصف العقد المقبل ليصبح أحد أهم ثلاث دول نفطية منتجة في العالم (إلى جانب السعودية وروسيا)، فيما الخلافات السياسية وتدهور البنية التحتية في البلاد ووهن أجهزة الدولة قد تؤخر هذا البرنامج بما لن يمكّن العراق خلال الفترة المحددة من إنتاج اكثر من ستة إلى ثمانية ملايين برميل يومياً، على رغم أن هذه الكمية لا يُستهان بها. وتركز تالياً الاهتمام على الدور النفطي للعراق في الساحة الدولية ابتداء من العقد المقبل. وبرز أخيراً اهتمام ملحوظ ببعث الحياة في الطاقة النووية، بعد كبوتها لنحو عقدين من الزمن. هناك اليوم نحو 50 مفاعلاً نووياً لإنتاج الكهرباء هي قيد الإنشاء في مختلف دول العالم. طبعاً، لا يتوقَّع أن يبدأ العمل بهذه المفاعلات قبل نهاية العقد الحالي أو بداية العقد المقبل، نظراً إلى الفترة الزمنية الطويلة المطلوبة لتشييد هذه المفاعلات. وعلى رغم الأهمية والأولوية التي توليها حالياً دول كثيرة للطاقة النووية، لا تزال هذه الصناعة تواجه كثيراً من الصعوبات قبل انطلاقها في شكل أوسع. هناك، مثلاً، مسألة ضمان سلامة التشغيل، والأمن، والتكلفة الرأسمالية للتشييد، وتوافر العدد الكافي من الأشخاص المؤهلين للعمل في هذه الصناعة، إضافة إلى الشروط الدولية لتأمين عدم إنتاج أسلحة نووية. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة