استطاع الغاز الحجري بعد عقدين من البحوث في الولاياتالمتحدة أن يغزو اسواق الطاقة. واستطاع هذا الغاز غير التقليدي ان يلعب دوراً مهماً في السوق الاميركية العام الماضي، ادت الكميات الضخمة منه التي تم ضخها في الاسواق الى خفض قيمة الغاز بحوالي النصف تقريبا. والاهم من ذلك انه ادى الى تغييرات مهمة في مسار تجارة الغاز العالمية، ما اثر سلباً على الكثير من اقتصادات مشاريع الغاز المسيّل ومن جدوى تشييد مشاريع غاز مسيل جديدة والتي يكلف كل مشروع منها بلايين الدولارات. لكن حذرت دراسة صدرت أخيراً عن مركز الدراسات الدولية المرموق في لندن «تشاتهام هاوس»، من أخطار الاهتمام المتزايد الذي تعطيه الصناعة البترولية للغاز الحجري بدلاً من التقليدي. تذكر الدراسة ان على رغم توفر الغاز الحجري بكثرة، بخاصة في الولاياتالمتحدة، هناك محاذير عدة يجب اخذها في الاعتبار من الاعتماد المتزايد على الغاز الحجري، على حساب الغاز التقليدي. فاستخراج الغاز الحجري يحصل من خلال تكسير الصخور العميقة في باطن الارض من خلال استعمال مياه شديدة القوة ممزوجة بالكيماويات. من ثم، هناك محاذير وصعوبات جيولوجية وبيئية واقتصادية تواجه استخراج الغاز الحجري، ما يجعل كلفة انتاجه باهظة الثمن، ناهيك عن آثاره البيئية غير المقبولة لتلويثها مصادر وبرك المياه العميقة المعتمدة للشرب والزراعة. يكمن السبب الرئيس وراء التخوف من الغاز الحجري في توسع الاستثمارات فيه على حساب صناعة الغاز التقليدية في المدى المتوسط. ويذكر مؤلف الدراسة والباحث الرئيس في «تشاتهام هاوس» بول ستيفنز، ان «في حال استمرارنمو صناعة الغاز الحجري في التوسع، وانتشارها في دول اخرى خارج الولاياتالمتحدة، فإن انعكاسات هذه الظاهرة ستكون محدودة في الوقت الراهن،» لكن يضيف: « اذا اخفقت صناعة الغاز الحجري في تحقيق الاهداف المرجوة منها، فهذا سيعني ان خلال عشر سنوات تقريباً، سيكون هناك عجز ملحوظ في امدادات الغاز الطبيعي عالمياً، ما سيؤدي الى زيادة الاسعار بشدة نظراً الى شح امدادات الغاز عموماً في حينه». والسبب في ذلك هو تراجع الاستثمارات في صناعة الغاز التقليدي خلال هذه الفترة، خصوصاً صناعة الغاز المسيّل. يذكر ان الاستعمال الواسع للغاز الحجري في الولاياتالمتحدة تزامن مع تسرب النفط من حقل «ماكوندوا» في خليج المكسيك. وبما ان استخراجه يتطلب تكسير الصخور العميقة بالمياه (90 %) والكيماويات (10%)، فقد أثار التخوف من تلويث مصادر المياه العميقة كلاً من الكونغرس الفيديرالي والمسؤولين في الولايات الاميركية ، نتج عنه وضع الانظمة والقيود لتفادي تلويث المياه العذبة. وزاد الطين بلة بالنسبة للغاز الحجري، الانفجار في اوائل حزيران (يونيو) في إحدى الآبار التي حفرت لاستخراجه في ولاية بنسلفانيا، وتخوف المسؤولين من «بي بي ثانية». تشير دراسة بول ستيفنز الى ان السعر المنخفض نسبياً، والانبعاثات القليلة الناتجة عن استعمال الغاز الحجري ووفرة احتياطاته في الولاياتالمتحدة (تقريباً ضعف احتياط الغاز الطبيعي هناك) ، ستؤدي الى تقليص الاستثمار ليس فقط في مشاريع الغاز التقليدي، لكن ايضا في تشييد المحطات الكهربائية النووية، ومشاريع تخزين ثاني اوكسيد الكربون. ويتساءل ستيفنز في هذا الصدد: «من سيتحمل كلفة النفقات الضخمة لمشاريع طاقوية، اذا كان من الممكن الاستثمار في استخراج الغاز الحجري القليل الانبعاث لثاني اوكسيد الكربون ؟» ان السبب الرئيس وراء السعر المنخفض نسبياً للغاز الحجري في الولاياتالمتحدة، هو المساعدات التشجيعية للوقود ذات الانبعاثات الملوثة المنخفضة نسبياً، والحوافز المالية لأصحاب الاراضي لحفر الآبار في اراضيهم، والتي ساعدت على خفض سعر الغاز الحجري في الولاياتالمتحدة. لكن الى متى ستبقى هذه الحوافز في الولاياتالمتحدة؟ والاهم من ذلك، هل ستوفر الدول الاخرى الحوافز الاميركية ذاتها للإبقاء على السعر المنخفض للغاز الحجري؟ أخيراً، وليس آخراً، ما هي الآثار البيئية المترتبة على استخراج الغاز الحجري، خصوصاً على مصادر المياه العذبة؟ من الواضح، اننا نتعامل الآن مع وقود هيدروكربوني جديد، مصدره الصخور وليس الحقول. لكن من الواضح ايضاً، ان هناك تساؤلات عدة حول اقتصادات هذا المصدر الطاقوي، ناهيك عن أخطاره البيئية. من هنا، تحذيرات ستيفنز عن الاهتمامات المتزايدة لهذا الوقود، على حساب المصادر الطاقوية الاخرى، الغازية منها او غيرها. بمعنى آخر: اين يجب ان تتوجه الاستثمارات البترولية؟ وما هي أخطار تفضيل الاستثمار في استخراج الغاز الحجري على الاستثمار في مصادر الطاقة الاخرى؟ من ثم، ما هو مصير الغاز الحجري في ظل هذه الاسئلة المتعددة؟هل يمكن تفضيله في الولاياتالمتحدة، ان يضمن له النجاح مستقبلاً؟ وفي حال عدم النجاح، ما هو أثر ذلك على امدادات الغاز وسعره مستقبلاً؟ * كاتب متخصص في شؤون الطاقة