عاش لبنان لليوم الثالث على التوالي التداعيات الأمنية والشعبية والسياسية لاغتيال رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن ومرافقه المؤهل الأول أحمد صهيوني ولنكبة منطقة الأشرفية التي سقط فيها 4 شهداء نتيجة انفجار السيارة المفخخة التي قضيا فيها، الجمعة الماضي. وبعث خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ببرقية تعزية للرئيس ميشال سليمان جاء فيها: «علمنا بألم شديد بنبأ الحادث الإرهابي الذي وقع في العاصمة بيروت، وما نتج عنه من قتلى ومصابين، وإننا إذ نعرب لكم عن شجبنا واستنكارنا الشديدين لهذه الأعمال الإرهابية الإجرامية، لنقدم أحر التعازي والمواساة لفخامتكم ولأسر الضحايا ولشعب لبنان الشقيق، سائلين المولى القدير أن يمن على المصابين بالشفاء العاجل، وأن يجنب بلدكم الشقيق كل سوء ومكروه، وتقبلوا فخامتكم أطيب تحياتنا وتقديرنا». كما بعث ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز ببرقية عزاء مماثلة الى الرئيس اللبناني. وفيما بدأ الجيش اللبناني منذ صباح أمس تنفيذ خطة أمنية لمواجهة الانفلات الأمني الذي ظهر في بعض أحياء بيروت وبعض المناطق جنوباً وشمالاً، مؤكداً في بيان له أن الأمن خط أحمر، يواصل الرئيس سليمان مشاوراته اليوم مع أقطاب هيئة الحوار الوطني حول ما آلت إليه أوضاع البلاد، والوضع الحكومي بعد إصرار قوى 14 آذار على استقالة الحكومة. وبينما يغادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اليوم الى مكةالمكرمة لأداء مناسك العمرة مطمئناً الى أن الدول الكبرى مع بقاء حكومته، فإن سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أكدوا هذا الموقف في لقاء لهم مع الرئيس سليمان صباحا. وعرض السفراء موقفهم، في بيان تلاه منسق نشاطات الأممالمتحدة في لبنان ديريك بلامبلي في القصر الجمهوري. وأكد البيان «دعم حكومة لبنان لوضع حد نهائي للإفلات من العقاب... وتأكيد استمرار عمل المؤسسات والعمل الحكومي». وجاء البيان بعدما برز خلاف بين زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أثناء اتصال كل من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ونظيرها الفرنسي لوران فابيوس والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون به لدعوته الى تجنيب لبنان الفراغ الحكومي في شكل يفهم منه أنهم مع بقاء حكومة ميقاتي. وعلمت «الحياة» أن الحريري أصر على مطلبه رحيل الحكومة ولمّح الى خلافه مع الموقف الدولي بمداخلة تلفزيونية ليل أول من أمس قال فيها، «نحن لسنا مجبرين على السير بنصائح البعض»، مشيراً الى «بعض الدول التي لا يناسبها هذا المشهد» وإلى أن مصلحة لبنان أن تسقط هذه الحكومة. وقالت مصادر وزارية مواكبة ان السفراء وبلامبلي ابلغوا سليمان إنهم «ضرورة وجود حكومة في لبنان، لأن الفراغ سيدفع الى المجهول في ظل تفاقم الأزمة في سورية وارتداداتها السلبية على لبنان التي يصعب محاصرتها في ظل وجود حكومة تصريف أعمال تفتقد القدرة على القرار». وأشارت المصادر الى أن السفراء رأوا أن استقالة الحكومة يجب أن تقترن بالاتفاق على الحكومة البديلة وتركيبتها وإلا فإن أي خطوة أخرى ستكون غير مدروسة وستؤدي الى كشف البلد، فالتوتر الداخلي يحتم وجود حكومة توفر الغطاء للجيش والقوى الأمنية لحفظ الاستقرار وضبط ومنع الوضع من الانفلات، ولأن حكومة تصريف الأعمال عاجزة عن اتخاذ القرارات. وقالت إن بعض هؤلاء السفراء تواصلوا في الساعات الماضية مع قياديين في قوى 14 آذار وتمنوا عليهم طرح تصور للمرحلة المقبلة وكيفية التعاطي معها، معتبرين أن رد الفعل العاطفي لا يكفي، وإن كان من حقهم المطالبة بتغيير الحكومة. واجتمعت السفيرة الأميركية مورا كونيللي أمس مع رئيس البرلمان نبيه بري ثم مع رئيس حزب الكتائب الرئيس السابق أمين الجميل في إطار استكشاف المواقف. وبينما تترقب الأوساط السياسية لقاء السنيورة مع الرئيس سليمان خلال الساعات المقبلة، ظهر كلام لافت لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قال فيه إن «بعض المزايدات السياسية التي تطالب جبهة النضال الوطني بسحب وزرائها من الحكومة لا تصب في مصلحة حماية البلاد من الفراغ». ودعا الى عدم تحميل الحكومة ورئيسها أكثر مما تحتمل. وتردد أن اتصالاً جرى بين جنبلاط والحريري. وقالت مصادر نيابية إن كتلة «المستقبل» قد تتجه الى تعليق نشاطها البرلماني في اجتماعات اللجان النيابية أو الجلسات وأن مشاورات تجرى مع حلفائها في هذا الصدد مع إمكان إعلانها موقفها النهائي في بيانها الأسبوعي اليوم. ومساء أمس صدر عن تكتل نواب «القوات اللبنانية» بعد اجتماعه برئاسة رئيس الحزب سمير جعجع بيان كرر الدعوة الى استقالة فورية للحكومة و «إعادة تشكيل السلطة في شكل يؤمن الاستقرار الفعلي وسد الثغرات القضائية والأمنية الفاضحة». وإذ أكد استمرار التحرك الشعبي السلمي والديموقراطي تبعاً لتطور الأمور، رفض «مقولة استمرار الحكومة لتجنب الفراغ لأنها تتعارض مع الدستور والفراغ الفعلي والأسوأ هو هذا الواقع المثقل بالاغتيالات ومحاولات الاغتيال وحالات الاستقواء على الدولة». وسقط 6 قتلى وعدد من الجرحى، جراء الانفلات الأمني في مناطق عدة والاشتباكات بين جبل محسن وباب التبانة في طرابلس. وقطعت الطرق في أنحاء مختلفة من بيروت ومنطقة قصقص والطريق الجديدة حيث ظهر مسلحون أطلقوا النار باتجاه شارع رئيسي يقود الى ضاحية بيروت الجنوبية وفي الطريق الجنوبية الدولية وتحديداً في الناعمة وفي إقليمالخروب وغيرها، منذ ليل أول من أمس، وكاد الوضع الأمني ينفلت ليلاً في العاصمة والمداخل المؤدية إليها وصولاً الى الطريق الدولية الى الجنوب. وأعلنت حال الاستنفار من معظم الأطراف، ما دفع الرئيس سليمان وقائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي الى التدخل وإجراء اتصالات لإعادة الوضع الى حالته الطبيعية. وترددت معلومات عن أن «حزب الله» أبلغ بعض القيادات الأمنية بأنه لن يقبل، مهما كلف الأمر، إقفال الطريق بين بيروت والجنوب وأنه سيكون له موقف في حال استمر ذلك. وعاشت البلاد ساعات في حال من توازن الرعب قبل أن تنجح الاتصالات في خفض منسوب التوتر وسحب المسلحين. وأعلن الجيش عن مقتل مسلح من التابعية الفلسطينية يدعى أحمد قويدر بعد أن أطلق النار باتجاه دورية تابعة له في محلة قصقص، فردّت الدورية وأردته. وتردد أن الجيش ألقى القبض على عدد من المسلحين. وواصلت المنظمات الشبابية في قوى 14 آذار اعتصامها في ساحة الشهداء حيث نصبت خيمتين. كذلك في ساحة رياض الصلح قبالة السراي الحكومية رافعة شعار استقالة حكومة ميقاتي حيث نظمت مسيرة الى مكان الاعتصام الثاني وسط إجراءات أمنية مشددة من دون حصول احتكاك. ونُفذ لليوم الثاني اعتصام نصبت خلاله خيم أمام منزل الرئيس ميقاتي في طرابلس، من قبل ناشطين تقدمهم النائب معين المرعبي الذي دعا الى العصيان المدني حتى استقالة الحكومة. وتواصلت التحقيقات في جريمة اغتيال الحسن وصهيوني. وأفادت المعلومات بأنها أدت الى كشف هوية صاحب السيارة التي استخدمت في الجريمة وهي «هوندا سي آر في» تبين أنها سرقت منه قبل زهاء سنة وأن سارقها اتصل به لمحاولة الحصول على المال لاستردادها. وأوضح وزير الداخلية مروان شربل أن «كشف قضية السيارة المسروقة من شأنه أن يؤدي الى خيوط مهمة تساعد في دفع التحقيق قدماً وأن التحقيقات التي يقوم بها القضاء تجرى بوتيرة جدية وسريعة». وفي نيويورك، استبعدت أوساط مجلس الأمن أن تدرج عملية اغتيال العميد وسام الحسن في إطار عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان «لأن الحكومة اللبنانية لم تطلب ذلك». وقالت إن «ضم قضية اغتيال رئيس فرع المعلومات السابق في قوى الأمن الداخلي الى عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أمر تقرره الحكومة اللبنانية»، مشيرة في الوقت نفسه الى أن «الحكومة اللبنانية لا تبدو مهتمة بربط اغتيال الحسن بعمل المحكمة لأنها بدأت تحقيقاتها الخاصة بذلك». وقال ديبلوماسيون في المجلس إن «سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الذين اجتمعوا مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان أعربوا عن القلق البالغ حول التطورات الأخيرة في لبنان، وعبروا عن التخوف من انتقال الأزمة السورية الى لبنان». ونوهت المصادر نفسها «بمشاركة سفيري روسيا والصين في الاجتماع، ما يعد أمراً ملفتاً. وسنرى كيف سيترجم واقعاً عملياً»، مشيرة الى أن «مجلس الأمن يتابع التطورات في لبنان بانتباه شديد». ونوهت الأوساط نفسها «بالخطوات التي اتخذها الجيش اللبناني للسيطرة على الأمن في لبنان، ما يساهم في إبعاد تأثيرات الأزمة السورية عن لبنان»، مشددة على «ضرورة الحفاظ على الاستقرار والتماسك ومنع توسع رقعة الأزمة السورية الى لبنان بأي شكل». وقالت إن «أي عمل يحافظ على التوافق في لبنان هو أمر جيد بما فيه استمرار عمل الحكومة اللبنانية، الى أن يقرر اللبنانيون خلاف ذلك».