سوف أعذر وزير الإسكان السعودي الدكتور شويش الضويحي إذا خرج برفقة أسرته أو أبنائه إلى أحد مراكز التسوق، وهو متلثماً، أو خرج إلى البر برفقة أصحابه ورفاقه وهو متخفياً، بحيث لا يراه أحد أو يتعرف عليه، والحقيقة فإن الوزير معذور، فهو المسؤول الوحيد الذي إن صادفه أحد في الطريق أوقفوه وألقوا عليه سيلاً من الأسئلة، من أهمها «ها بشر... ايش صار في قروض ال 500 ألف ريال، متى بتصرف»، ويسأله آخر «طيب جدة... ما وجدتوا فيها أراضي لبناء مشروع الإسكان اللي تنفذه الوزارة»، وتسأله امرأة تقف في آخر الصفوف «طيب الأولوية للنساء الأرامل والمطلقات، والا الرجال مثل كل مرة»، وقد يأتي سؤال عابر للقارات من أحد الواقفين في مكان بعيد «نستلم صك التمليك مع السكن والا مع آخر تسديد للقسط»، وربما يتقدم رجل طاعن في السن ويسأل «التوزيع بالقرعة والا بالواسطة والا كبار السن أولاً». الحقيقة هناك «كوم» من الأسئلة التي يتوقع أن يواجهها الوزير من الناس، لو أنه خرج مثل أي مواطن إلى الشارع، فلهذا أنا مع عدم ظهوره علانية أمام الناس حفاظاً على سلامته وصحته، وأيضاً حتى لا يجد نفسه أمام عشرات الأسئلة من الناس، وكلها تتعلق بالإسكان والأراضي والقروض. والحقيقة لو كنت مستشاراً للوزير لاقترحت عليه أن يملأ «الإنترنت» و«يوتيوب» ومواقع التواصل الاجتماعي بصور ولقطات لمشاريع الإسكان التي بدأت بتنفيذها الوزارة ضمن خطة وزارة الإسكان لتنفيذ توجيهات الملك عبدالله بن عبدالعزيز لبناء 500 ألف وحدة سكنية للمواطنين، ولاقترحت على الوزير أن يفتح حساباً في «تويتر» ليتواصل مع الناس إلكترونياً، ليمتص أسئلة المواطنين الكثيرة، ويتحدث معهم عن المشكلات التي يواجهها مع أمانات المدن والبلديات في الحصول على الأراضي، ويجيب عن استفسارات الناس بموعد الانتهاء من بناء الوحدات السكنية، ومتى سوف تحظى بقية المدن التي لم تشملها خطة الإسكان، وكم هي مساحة الأرض ومساحة البناء، كنت أود أن يتواصل الوزير، أو أي شخص مسؤول من مكتب الوزير، بدلاً من حال الكتمان والصمت التي تُمارس في تنفيذ هذه الأعمال، وكأننا نبني مفاعلاً نووياً وليست مشاريع إسكان... لا موقع إلكتروني ولا سنترال يرد على استفسارات المتصلين تضيع ما بين التحويلة وموظف السنترال. نحن نعلم أن وزارة الإسكان تعمل تحت ضغط اجتماعي كبير أمام قلة الأراضي وفشل المشاريع وتعثرها للكثير من الجهات الحكومية، هناك مشاريع تعليمية وصحية، ومراكز هلال أحمر، ومراكز خدمة أخرى متوقعة نتيجة الخلاف بين المقاول والجهات الحكومية، وأخرى ما بين اعتمادات من وزارة المالية وعدم تنفيذها على أرض الواقع، كل هذه الأخبار السيئة عن المشاريع الحكومية المتعثرة تجعل المواطنين يعيشون في قلق مستمر، إن كانت بالفعل الوزارة ستستطيع أن تفي بوعدها وتنتهي، كما صرحت، خلال السنوات الخمس المقبلة، بواقع 100 ألف وحدة سكنية كل عام. قبل أسابيع تسربت معلومات صحافية من وزارة الإسكان تفيد بأن تسليم الوحدات السكنية سيكون وفق اللائحة المنبثقة من الخطة الاستراتيجية للإسكان، وذلك بعد أن تتسلم الوزارة المواقع من المقاولين، نتمنى من الوزير أن يشرح لنا «اللائحة المنبثقة من الخطة الاستراتيجية»، فهي أشبه بمن يشرح معنى كلمة «المنطق»، لا ينبغي لوزارة الإسكان أن تبقي المواطنين هكذا عالقين من دون إجابة لأسئلتهم أو استفساراتهم، ولا حتى ما يقنع أو يُشبع رغباتهم... الشيء الوحيد الذي نفهمه من وزارة الإسكان ومن خلال الفيلم القصير عن مشاريعها التي وجدت في أحد مواقع «يوتيوب»، وهو الفيلم الوحيد للوزارة، أن كلفة الوحدة السكنية لا تزيد على 450 ألف ريال، وهذا سعر التسليم، وإذا ما افترضنا القيمة الحقيقية للمشروع سنجد أنه لا يتجاوز 400 ألف ريال، وهذا ينفي إشاعة ارتفاع غلاء أسعار مواد البناء، التي طالما تغنت بها شركات البناء والمقاولات، مثل الأسمنت والحديد والخشب وغيرها من المواد، وهذه الأسعار جيدة، مقارنة بما هو معروض في السوق، أو إذا رغب أحدهم في البناء على حسابه الخاص من قرض الصندوق البالغ 500 ألف ريال، هل سيجد مقاولاً يبني له بالكلفة نفسها، على وزارة الإسكان أن تمنح امتيازات لمؤسسات وشركات المقاولات التي تعاقدت معها، بحيث تقوم بالبناء للمواطنين الذين يحصلون على قروض، أو منح أراضٍ بالكلفة والأسعار نفسهما، وأرى أنه من المهم أن تنجز الوزارة بناء أكبر قدر ممكن من المنازل للمواطنين في هذه المرحلة، فالسيولة متوفرة، والهمة موجودة، والحماسة لدى المسؤولين كافة في الدولة لإنجاز عمل وطني كبير، وهي مشكلة الإسكان، وألا تكتفي ببناء وحدات سكنية محدودة، فالسعودية بحاجة إلى 300 ألف وحدة سكنية لمواجهة الأزمة، فلابد على الأقل أن تنتهي الوزارة من بناء 100 ألف وحدة سكنية في العام حتى تستطيع أن تنجز بقية الوحدات خلال السنوات الخمس المقبلة، أما إن بقيت تبني مجموعة قليلة ومحدودة فلن تحل الإشكال، بل ستتضاعف المشكلة أمام شح الأراضي، وربما قد لا تجد سيولة متوفرة كما هي الفرصة الآن. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] @jbanoon