الأسبوع الماضي تسمر السعوديون أمام شاشات التلفزيون الحكومي، ليشاهدوا التصاميم النهائية لأكبر مشروع إسكاني تنفذه السعودية لصالح المواطنين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، بعد سنوات طويلة من الإسكان العشوائي المتوزع بين هيئة الإسكان سابقاً وقبلها وزارة الإسكان، وبين وزارة الشؤون البلدية والقروية المتمثلة في منح الأراضي، التي ثبت عدم جدواها على مر السنين، نظراً إلى أنها اكتشفت في الأخير أن هذه الأراضي التي وزعت للمواطنين، هي أصلاً لأشخاص سابقين لديهم صكوك وما يثبت ملكيتهم، فضاع أصحاب المنح ما بين المحاكم والبلدية لتعويضهم، وضاعت معها فرص الاستفادة من القروض التي كان يقدمها الصندوق العقاري. كنت فرحاً لأن الملك عبد الله بن عبد العزيز كان يناقش كل صغيرة وكبيرة في التصاميم المقدمة، وكل السعوديين كانوا أيضاً يشاهدون حينما طلب الملك مقترحات أو ملاحظات على التصميم حينما التفت لوزرائه ومرافقيه في القصر، وأبدى استغرابه من صغر المساحة للوحدات السكنية، لم أجد أحداً من الواقفين يعلق أو يبدي ملاحظات، وهذه عادة المسؤولين والوزراء، يلزمون الصمت ولا يقولون شيئاً ولا يعبرون عن وجهة نظرهم، لم يتحدث سوى الوزير عبد العزيز الخويطر، الذي أبدى إعجابه بالتصاميم، ومن ثم وزير المالية إبراهيم العساف الذي على رأي الوزير الخويطر. إلا أن الملك لم يتمالك نفسه من أن يبرئ ذمته حين قال: انها مساحات صغيرة. وطمأن الناس أكثر حين قال لهم انه سيتابع شخصياً أولاً بأول حتى يرى هذا المشروع النور. دعوني أسألكم: لماذا أراد الملك أن يتابع هذا المشروع شخصياً بنفسه؟ لماذا لم يعتمد تصاميم مشروع الربط الحديدي، أو حتى الجسور والأنفاق وبناء الطرقات؟ هناك أكثر من سبب، مشاريع الإسكان الخاصة بالمواطنين أو حتى تقديم منح الأراضي، كانت لسنوات تسير من دون تخطيط، وأنفقت الدولة مبالغ باهظة، لكن دون أن تراها على ارض الواقع كمشاريع إسكانية تنموية، وبرزت لنا عدة جهات متنوعة تعمل في مشاريع الإسكان، وبهذا ضاعت الفكرة الرئيسية وهي توفير منزل لذوي الدخل المحدود. واليوم حينما يعرض التلفزيون السعودي مشاهد أو لقطات لاعتماد الملك لهذه التصاميم، ندرك مدى أهميته لدى السعوديين وولههم وانتظارهم لأن ترى هذه التصاميم النور، خاصة وأن مشروع الإسكان الحالي الذي انتهت وزارة الإسكان من تصاميمه يعد الأكبر على الإطلاق منذ عقود طويلة، حيث سيتم تنفيذ 500 ألف وحدة سكنية لذوي الدخل المحدود. ونحن نعلم أن البلاد في حاجة إلى 5 ملايين وحدة سكنية بشكل عاجل لسد الاحتياجات الضرورية مع تنامي النمو السكاني في البلاد، وارتفاع تكلفة المعيشة، وارتفاع إيجارات المساكن وقلة توفرها مع منافسة الإدارات الحكومية المستأجرة لهذه المباني. انتظرت في اليوم التالي حتى الأيام الأخرى التي تلت توقيع واعتماد التصاميم، أن يخرج علينا وزير الإسكان شويش الضويحي، ليتحدث لنا عن التفاصيل، فتشت في كل الصحف السعودية على رغم أنني موجود خارج البلاد، بحثت في مواقع البحث الشهيرة، عن تفاصيل المشروع، تسمرت أمام شاشة التلفزيون السعودية بقنواته كافة، بما فيها الثقافية، لم أجد سوى مؤتمر صحفي صغير أعاد لنا ما قاله في قصر الملك. كنت أريد أن أعرف أولاً متى يستلم المواطنون مفتاح منزلهم، هي عمائر سكنية مثلما سبق وأن نفذت وزارة الإسكان قبل أن تغلق أبوابها مشروعات الإسكان في جدة، وبقيت مهجورة لعدم قبول المواطنين الإقبال عليها، والآن هي من أقبح المناظر الموجودة في جدة من حيث الإهمال وتشقق جدرانها، وتحولت إلى مبنى مهمل، فهل سنرى عمائر سكنية مشابهة لتلك؟ إذا كان نعم فأعتقد أن المشروع لن يحقق نجاحاً أو إقبالاً، أما إذا كانت فلل الإسكان مثلما سبق أيضا تنفيذها في مكةالمكرمة ووزعت بطريقة عشوائية فتسبب خلافات بين الناس والمقترضين. كنت أود أن تكون هذه التصاميم موحدة في كل مناطق المملكة ولا تكون ذات ميزات وفوارق بين مدينة أو أخرى، بأن تقام في بعض المدن عمائر وفي مناطق أخرى فلل، كنت أود معرفة مساحة هذه الوحدات السكنية وهل يمكن أن تستوعب عائلة من 10 أفراد، أو أنها غرف صغيرة ومساحات ضيقة؟ لماذا لم يبين لنا الوزير الوقت المتوقع لإنهاء المشروع؟ خاصة وأن البلاد في حاجة سريعة إلى بناء 5 ملايين وحدة سكنية. وما مصير المراحل الأخرى؟ وعلى أي أساس تم توزيع الحصص بين المناطق؟ وطريقة التمويل والجهة المشرفة؟ كل هذه الأسئلة وغيرها كان المواطنون متلهفون ومتشوقون لسماعها، ولا ينتهي الأمر باحتفالية التوقيع وتصوير المناسبة وعرضها. الناس يتوقعون الكثير من هذه الوزارة التي ليست جديدة، بل هي إدارة تراكمت عليها الاعباء ولم تتمكن من التخلص منها بمهارة فوجدت نفسها في وحل تحاول أن تجد لنفسها مخرج منه. مشروع بناء 500 ألف وحدة سكنية للمواطنين هو مشروع كبير وجبار، الا ان ما يقلق الناس أن يتعثر هذا المشروع مثل كل المشروعات التنموية التي اعتمدت في السابق ولم تر النور. قبل شهرين قال عضو مجلس الشورى محمد القويحص في تصريحه لصحيفة «الحياة»، «أن تقارير وصلت إلى المجلس خلال الفترة الماضية كشفت تعثر 2000 مشروع بقيمة 17 مليار ريال، وتم نقل 17 مليار ريال إلى أبواب أخرى في الموازنة، وأن هناك 18 مليار ريال معتمدة ولم تتم الاستفادة منها». بصراحة مثل هذا المشروع من الصعب أن تتولى وزارة الإسكان متابعته ومراقبته، كما أنها جهة لديها التزامات وأعمال ومشروعات أخرى تحتاج أن تتفرغ لها. أتمنى أن تتم إعادة تشكيل هيئة الإسكان، كسلطة عليا تتكون من شخصيات اعتبارية وجهات أهلية وحكومية مهمتها المتابعة والإشراف على المشروع والتأكد من جودته وخط سير التنفيذ وأيضاً سرعة تنفيذ بقية المشروعات الإسكانية. أما إذا بقي الحال هكذا فصدقوني: سيتعثر المشروع في بداياته، إما لعدم وجود أراضٍ في بعض المدن أو عدم اعتماد المبالغ الخاصة بالمشروع، أو لهروب المقاولين وتسليم المشروع من الباطن لأكثر من مقاول. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]