غابة من الكاميرات والميكروفونات تصادفك وأنت تسير في أروقة المهرجانات السينمائية العربية، ومنها مثلاً، مهرجان ابو ظبي السينمائي الذي انتهى أخيراً، فأنّى اتجهت ستجد تصويراً ودردشة مع المشاركين في المهرجان. وهذه الغابة من العدسات تتكثف كل مساء عند السجادة الحمراء، وهي كاميرات تتبع، حتماً لفضائيات عربية وأجنبية. والسؤال البديهي هنا: اين تذهب كل هذه المواد المسجلة؟ وما نوعية أو طبيعة التغطية التي ينتظرها مشاهدو الشاشة الصغيرة؟ الملاحظ ان تغطية مثل هذه المناسبات تكاد تكون متشابهة على غالبية الشاشات، فهي تتسم بطابع خبري بحت، يبدأ بالحديث عن الافلام المشاركة، والندوات وورشات العمل المرافقة للمهرجان، ناهيك عن أحاديث مرتجلة ومقتضبة ينتزعها مراسلو الفضائيات من الضيوف، ولا سيما النجوم، بمحض الصدفة. وإذا أراد المرء ان يعقد مقارنة بين تغطية فضائية وأخرى، فلن يفلح في العثور إلا على فروقات طفيفة. لا أحد من مسؤولي الفضائيات ومراسليها يستطيع تبرير مثل هذا التقصير، ذلك ان المهرجانات توفر للإعلام عموماً تسهيلات كبيرة، بيد ان النتائج تأتي متواضعة على مستوى التغطية التلفزيونية، في حين ان غالبية الصحافة المقروءة، تقدم تغطية تتفوق كثيراً على التلفزة، فهنا سنجد مواد تحليلية وحوارات ونقاشات وملاحظات تحمل همّ السينما، أما على الشاشة الصغيرة فلا نكاد نرى سوى حوار عابر وسطحيّ غالباً، مع هذا النجم أو ذاك، ومشاهد «سياحية» غير معبّرة منقولة من أروقة المهرجان، وكأن مراسلي تلك الفضائيات يسعون للقيام بواجب مفروض عليهم من دون اي اجتهاد او ابتكار. لا شك في ان المهرجانات تمثل فرصة ثمينة للفضائيات للوقوف على هموم السينما وشجونها، ونشر الثقافة السينمائية عبر إجراء حوارات مع المختصين بالفن السابع من مخرجين ومنتجين وكتاب سيناريو ونقاد، وطرح أسئلة حول واقع هذا الفن وآفاقه، وعقد جلسات حوار مشتركة، خصوصاً ان مثل هذا الأمر لا يتعارض مع تقديم تقارير ذات طابع إخباري. وعلينا ان ننتبه الى حقيقة تلك المصالحة القائمة، حالياً بين الشاشتين الصغيرة والكبيرة، فالتلفزيونات باتت تشترك في تمويل أفلام سينمائية، وهذه الأخيرة تعرض بكثافة على الشاشة الصغيرة، وعلى رغم ذلك ما زالت الشاشة الصغيرة تعاني ارتباكاً في احتضان شقيقتها الكبيرة. وكي لا نغرق في التفاصيل، فإن المرجح ان هذا التقصير نابع من أداء الفريق المنتدب من جانب هذه الفضائية أو تلك، فغالباً ما يتكون الفريق من مصور تقني لا يفقه كثيراً بالسينما، ومذيعة حسناء منهمكة في ترتيب زينتها فقط. وطالما بقي الحال على هذا النحو، فإن الكثير من السينمائيين الكبار سيحظون بفرصة احتساء قهوتهم بهدوء من دون ان يكترث لهم أحد، فيما سيقاتل الحراس الشخصيون للنجم ريتشارد غير وأمثاله كي يمهدوا له طريقاً وسط غابة الكاميرات والمايكروفونات...