بين هاتف يرن وتسلّم بريد واستقبال زائر، يرسم إبراهيم صليبا لوحة زيتية صغيرة على طاولته عند مدخل مبنى نقابة الصيادلة في بيروت، فالرجل السبعيني ناطور للمبنى منذ أكثر من ثلاثين سنة، لكنه في الوقت عينه رسام موهوب. ويتسلم إبراهيم صليبا المكنى «أبو جهاد» البريد، ويجيب عن أسئلة الزوار حيناً، وينظم رَكن السيارات أمام مدخل المبنى، ثم يعود مسرعاً إلى لوحته قائلاً: «حرام أن أضيع وقتي». من السابعة صباحاً إلى الثالثة والنصف من بعد الظهر، يقوم أبو جهاد بعمله يومياً كناطور للمبنى الذي يقع في العاصمة اللبنانية. وعند المدخل، مكتب عليه جهازا هاتف، ورزمة ريشات للرسم من مختلف الأحجام ولوحة صغيرة إلى جانبها لوح من حديد عليه ألوان زيتية. وخلف الكرسي الذي يجلس عليه يعرض إبراهيم صليبا لوحة من مجموعته، يبدلها بين حين وآخر. في كل درج من أدراج مكتبه رسوم ملونة بأقلام خشب، وصور منسوخة لرسومه، إلى جانب عدة الناطور التقليدية، كمفتاح المصعد ومفاتيح الأبواب والمغلفات. خسر إبراهيم صليبا إحدى عينيه في الحرب الأهلية (1975 - 1990)، وفقد السمع في أذنه اليمنى، وبترت أصابع قدميه بعدما داس على لغم أرضي في أواخر عام 1989 أمام المبنى الذي يعمل فيه. وبعد خضوعه لسبع عمليات في قدميه، توقف عن الرسم على مدى عام، لكنه لم يستسلم. حمل «أبو جهاد» عدّته وعاد إلى المكان الذي يحب، إلى عمله في تسهيل أمور سكان المبنى، وإلى ابتكار مناظره الطبيعية الكلاسيكية. يقول عن الفترة التي تلت إصابته: «لم يتغير نمط اللوحة بعد إصابتي، ولم أتأثر بالعمليات التي خضعت لها. لقد تعذبت لكني استمررت لأني اتكل على الله». ويضيف: «لكني صرت أعطي أكثر وباتت لوحاتي تحمل أملاً أكبر إذ إن اللوحة تندمج بجو الفنان، وهي تعكس حزني وغضبي وفيها حب وإنسانية وطريق صحيح وعدم استسلام». يجعل الرسم أبو جهاد يشعر أنه أبدع، على ما يقول. ويضيف: «لا يهمني إذا كانت اللوحة جميلة أم لا، ما يهمني أنني أقدم منظراً لم يره أحد». على خلفية ضجة الطريق وأصوات المارة وأبواق السيارات ورائحة الشارع ، يرسم أبو جهاد عند مدخل المبنى، لوحات تعكس الطبيعة الهادئة: أشجار بلا أوراق، وشمس تغيب بألوان صافية. ويقول: «لا يزعجني صخب الطريق. حين أرسم أنفصل عن الخارج لأعيش في جو اللوحة التي بين يدي».