من المتقرر أن الشريعة راعتْ العرف في بعض الأحكام، فأقرتْ بعض الأعراف، وأضفتْ عليه الشرعية: إما بتقريره أو السكوت عنه، وإما بالإحالة عليه في بعض الأحكام والأقضية؛ كتقدير النفقة، والأجرة، ومقادير الكفارات. وثمة أعراف وعادات يجب ضرورةً فصلُ الأحكام الشرعية عن أعلاقها، وهي تلك أُلبستْ لَبوس الشرع، فأضفيت عليها القداسة الشرعية، والشرع منها براء، منها عادات آخذة في التشديد والتضييق يحسبونها من الدين، وفي مقابلها عادات متوجهة وجهة التساهل والتحرر يحاول بعض الناس تسويغها واستحلالها وإضفاء الشرعية عليها استناداً إلى ما جرت عليه عادة إقليم أو قبيلة. ومن التناقض العجيب أن ينكر هؤلاء العادات المتشددة التي أُلبست لبوس الشرع زوراً وجهلاً، ثم هم أنفسهم في عاداتٍ أخرى يحاولون تسويغها وإثبات شرعيتها بحجة أن عادة الناس قد جرت عليها، فهي إذاً دِين يُحتجّ به!! فمثلاً: في جانب التشديد والتضييق تتابعت أعراف بعض الناس على استعابة أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة. وفي جانب التساهل والتحرر تتابعت بعض الأعراف والتقاليد على أن المرأة لا تحتجب من ابن عمها وابن خالها ونحوهما استناداً إلى عاداتٍ وتقاليد ورثوها عن آبائهم، وأصبحت كالمقرَّر شرعاً، وإنما هي كحال: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون). ومن هنا تأتي ضرورة التمييز بين ما هو شرعيٌ فعلاً وبين ما هو ضربٌ من العادات والتقاليد. وإذاً فلا يسع الدعاة وطلبة العلم، أن يسكتوا عن الإنكار على من يحرِّمون على أنفسهم بعض المباحات، إما جهلاً، وإما لسوء فهم للنصوص، بحجة أن هذا الحِفاظ والتوقي إن لم ينفعهم فهو لا يضرهم، ومن ثَم فلا ضير في نظرهم أن يتركوا بلا تصحيح، وربما قالوا: وما على الناس من ضير حين حرموا أنفسهم من بعض السعة التي تفضل بها عليهم الشرع!! وهذا بلا شك خلل في التفكير، ودَخَل في المنهج، فينبغي أن نُري الناس أن في الإسلام سعةً، وأن دائرة المباح هي أوسعُ دوائر الأحكام، وأن يشعروا أن في هذا الحلال الذي اتسعت دائرته هذا الاتساع غُنيةً عن تقحّم الحرام. يجب أن نتذكر أن الإسلام الذي نسعى لتطبيقه في الواقع ليس مقتصراً على المحرم والواجب، بل هو إضافة إلى ذلك التوسعة على الناس بإباحة ما أباحه الشرع، فإذا توقى الناس فعل شيء يظنونه حراماً فلنحرص على أن نبين لهم إباحته حرصَنا على تبيين الحرام لهم وتحذيرهم منه. * أكاديمي في «الشريعة». [email protected] @ samialmajed