الثورة الصناعية قادت المجتمع الغربي للتنمية بسرعة ومنح المجتمع التطور والفاعلية... علاقتنا مع التقنية والتعليم الفني يشوبها ألف شائب، خطط طموحة بلا واقعية.. كليات ومعاهد بلا مخرجات صالحة لسوق العمل.. هناك خلل بين الفلسفة والنظرية والتطبيق.. الدكتور هلال العسكر من المتخصصين في التقنية والتعليم الفني دخل إليها من بوابة الفنون ومنح مشواره ألواناً من الفنون.. ضيفنا له فكره وفلسفته ويملك رؤية جعلته في موضع الاتهام وحرمته بعض الفرص.. قدّم رؤية خليجية للتعليم الفني باحثاً، ومن يومها ومؤسسة التعليم الفني تراه في الجانب الآخر وتحاول إبعاده عن المشهد بطرق مباشرة وغير مباشرة! يحمل همّ التدريب وتتلمس في حديثه كثيراً من الألم للواقع الذي تعيشه مؤسسات التدريب عندنا لدرجة اتهامها بغسل أموال تدريبي.. ويرى بارقة أمل في الربيع العربي بانسلاخ كليات التقنية عن مؤسسة التعليم الفني والتحاقها بالتعليم العالي وحينها يعود كل شيء لرشده.. الدكتور هلال يرى أن الثورة الصناعية عندنا مبتدأها تغيير الفلسفة التي تنتهجها مؤسسة التعليم الفني التي لا طائل منها وملامسة أرض الواقع ومنح كل مدينة في المملكة نافذة مشرعة على التقنية بكل أشكالها.. صراحته مادة صحافية جميلة.. والجلوس إليه يمنح الأجوبة كثيراً من الأسئلة.. فإلى نص الحوار. البدايات لجيلكم... هل منحتكم صلابة لم تتح لأجيال بعدكم؟ - نعم البدايات لجيلنا منحتنا كل الصلابة، لأننا تربينا في بيئة طبيعية على يد آباء رباهم الأجداد على الثقة في النفس، والاعتماد على الذات، والتربية الأسرية المجتمعية التي لم تمسها قط يد خادمة أجنبية، وعلى احترام القيم السامية والعادات النبيلة والأخلاق الفاضلة التي لم يعكر صفوها لا قنوات تلفزيونية ولا جوالات ولا مطاعم سريعة ولا إنترنت ولا صخب مدن ولا دخان مصانع ولا أي من مظاهر الحياة التي يعيشها جيل اليوم الذي يختلف تماماً عن جيل الأمس. يشعر الجيل الحاضر بأنكم سرقتم كل الفرص ولم تفكروا في منحهم ما يستحقون... إلى أي مدى يذهب هذا الشعور في اتجاهه الصحيح؟ - أعتقد بأن الفرص تتغير من جيل إلى جيل، وما نلناه من فرص يختلف عما هو متاح اليوم من فرص للجيل الحاضر، وبالتالي لا يمكن لجيل سرقة فرص جيل آخر، ومن ناحية أخرى نحن نرى أن الفرص المتاحة لجيل اليوم أكثر وأفضل من الفرص التي كانت متاحة لجيلنا، والفرق يكمن في القدرة على انتهاز مثل هذه الفرص. وأعتقد بأن جيلنا همه الكبير هو منح الجيل الحاضر كل ما يستحقون، لأنهم هم قادة المستقبل وهم من سيكون ربان سفينة نحن أول ركابها، وعليه لا يمكن أن يكون مثل هذا الشعور صحيحاً. الطلاب والأجيال عندما كنتَ طالباً جامعياً... هل كانت التوجهات والاهتمامات وطريقة التفكير تختلف عنها الآن بين الطلاب؟! - نعم حينما كنت طالباً جامعياً كانت توجهاتي واهتماماتي وطريقة تفكيري مختلفة تماماً عن طلاب اليوم، كنت أفكر بصوت وحس وطني، وكنت وأنا في غربتي بالولايات المتحدة الأميركية أحمل همّ أسرتي وسمعة بلادي، وأفكر بطريقة عقلانية وواقعية تحقق طموحاتي وما يجب علي تجاه أمتي ووطني ومجتمعي، وكنت أفكر بعقلية السفير الذي يحمل همّ دين ووطن. ولم تكن مشكلاتي الشخصية تشغلني كثيراً عن قضايا مجتمعي ومشكلاته، كما أن الأهداف التي كنا نسعى لتحقيقها كانت واضحة على رغم غياب توجيه الأسرة، لمحدودية مستواهم التعليمي. أما طلاب اليوم وبحسب مشاهدتي لطلابي في كلية التقنية فهم على رغم وجود الوالدين المتعلمين وظروف الحياة العلمية والعملية الميسرة والتوجيه والإرشاد ووسائل التعليم والإعلام، لا أشعر أنهم يملكون الرؤية والصلابة والطموح والجدية نفسها التي كنا نملكها، إذ أرى أن غالبيتهم وللأسف مشغول باللهو بكل أنواعه وأشكاله، واتكاله على والديه وعلى مجتمعه وغير مبالٍ، وشبه ضائع ومحبط إحباط شديد، ونظرته للحياة تشاؤمية، ولديه نتيجة لذلك عزوف عن المشاركة الفاعلة في محيطه، كما أنه ليس صاحب مبادرة ولا حس وطني، ولا مسؤولية اجتماعية وغير مهتم. ووجوده في الكلية إما موقت لحين حصوله على وظيفة أو قبول في جامعة أو تسجيل في برنامج حافز أو حصوله على فرصة ابتعاث. وتفسيري لذلك، هو عدم إتاحة الفرصة لهم لمواصلة مشوارهم التعليمي في الجامعات، وعدم قبولهم في سوق العمل بسبب تدني تأهيلهم المهني، وعدم انتشار الأماكن الثقافية والاجتماعية التي تستثمر قدراتهم وطاقاتهم ووقتهم، ومنعهم عن ارتياد أماكن الترفيه العامة في الأسواق والمتنزهات بسبب العائلات، وتركهم للاستراحات والمقاهي وأصدقاء السوء والضياع. وطبعاً أنا هنا لا أعمم، لأن هناك أيضاً - وإن كانوا قلة - طلاباً مميزين وجادين، ولديهم طموح وقدرة على تحمل المسؤولية ولديهم إبداع وابتكار ومهارات تقنية وقيادية عالية. المتأمل في مشوارك الوظيفي يجد كثيراً من الضجيج يسكنه... من يتحمل السبب... أنت أم أقرانك في المشهد ذاته؟ - الضجيج أحياناً نعمة لا نقمة، لأننا من خلاله نكتشف الكثير مما لا نعرفه عن أنفسنا، والضجيج في مشواري الوظيفي لم يكن مزعجاً لأحد، وسببه أنا وأقراني والوظيفة وأيضاً ظروف المرحلة. لتكسر هيبة اللقاء بمديري إدارات التعليم مرة قلبت الكراسي لتكون بمواجهة الحديقة بدلاً من السبورة... هل تستخدم قلب ظهر المجن دوما لتباغت المخالف، وتحقق تقدم المفاجأة؟ - نعم إن لزم الأمر، ولكن ليس لمجرد كسر هيبة أو لتحقيق عنصر المباغتة أو المفاجأة، وإنما لإدارة الموقف بالشكل الذي يحقق أهداف الجميع، وبما يجعل الآخر يثق في قدراتي ويعرف ما أملك من مهارات التفكير. التعليم والتدريب تراوح بين عالم التدريب والتوظيف بتقنيات تعليمية... برأيك ما الذي تحتاج إليه سوق العمل بشكل أشد... وهل التدريب للشباب للتوظيف فقط؟ - المشكلة أن فهمنا للتعليم والتدريب لا يزال دون المطلوب، التعليم عام ويعلم عن الأشياء من أجل الحياة بما فيها العمل، أما التدريب فخاص ومرتبط بالوظيفة، لأنه يكسب مهارات عملية مطلوبة لإنجاز عمل ما.. كما أن هناك خلطاً بين التعليم التطبيقي والتدريب، فالتعليم التطبيقي ليس تدريباً، ولكنه تعليم يعتمد في طرقه ووسائله وأساليبه على الممارسة والتطبيق الذي يؤهل لسوق العمل بشكل عام وليس للوظيفة؛ أي أن التدريب لا يطلق إلا على من هو على رأس العمل ويمارس الوظيفة، وما قبل ذلك يسمى تعليم عام أو تعليم تطبيقي. ما تحتاج إليه سوق العمل هو دمج التعليم العام مع التعليم الفني والمهني، لتهيئة طلابنا لسوق العمل في حال التسرب، وتحتاج إلى تعليم تطبيقي لما بعد «الثانوية»، للتأهيل لسوق العمل، وتحتاج إلى تدريب على رأس العمل -بعد الالتحاق بالوظيفة- لسد حاجة سوق العمل من الكفايات الوطنية. ننشئ المعاهد والمراكز ونفتح آلاف المراكز والمؤسسات ونصرف عليها البلايين وننشئ معاهد وصناديق، ولكن لماذا لا تحقق هذه الأهداف المرجوة بشكل ملموس؟ - ببساطة، لأننا خلطنا بين دور وأهداف التعليم والتدريب وبين الفني والتقني والمهني وبين المركز والمعهد والكلية والجامعة، ولأننا بنينا على رؤية غير سليمة وأهداف غير واضحة وغير قابلة للتحقيق وخطط خيالية عشوائية لا تمس أرض الواقع، ولأننا أوكلنا هذا الأمر إلى غير أهله. والحاجة ماسة إلى إعادة النظر ووضع الأمور في نصابها الصحيح، وإلا سنستمر على هذه الحال، وسنخسر المزيد من الوقت والجهد والمال. كل جهة لها مركز تدريب ومدربون والأجهزة التدريبية تجلب من دول مختلفة وكأننا لسنا في دولة واحدة، فالصحة لها تدريب والتعليم له تدريب وهكذا... فلماذا لا يوجد هذا التدريب ويكون له يد واحدة؟ - هذا صحيح، والسبب معروف وهو غياب مجلس أعلى للتدريب ينظم وينسق ويوحد كل الجهود التدريبية، ولا سيما بعد إلغاء مجلس القوى العاملة الذي كان له دور كبير في هذا الخصوص، والحال في هذا الوضع تتجه إلى الأسوأ، والواجب إما إعادة دور مجلس القوى العاملة أو إنشاء مجلس أعلى للتدريب. التدريب الآن يدخل فيه من لا اختصاص له، وكل من أضاع مهنته قال أنا مدرب... كيف لنا أن نضع معايير المدرب مثل المعلم المتخصص؟ - التدريب - كما أسلفت - ليس له جهة مختصة ترعى شؤونه، وبالتالي سادته فوضى ألحقت الضرر ببرامج التنمية، والمدرب ركيزة مهمة يجب ألا تمارس دون ضوابط مثلها مثل الطب والهندسة والصيدلة وغيرها. وأعتقد بأن ترك التدريب على هذه الحال التي تضر ولا تسر؛ لا من حيث المدربين ولا الأجهزة والتجهيزات ولا من حيث البيئة والمناهج والطرائق والوسائل والأساليب ولا حتى من حيث الاحتياجات والأهداف لن يعود على أحد بالفائدة، بل إن ذلك يعد فساداً يجب علينا إصلاحه وعدم التغاضي عنه ومحاسبة من أفسدوه. ما تحتاج إليه سوق العمل من مهارات وواجبات غير محددة وغير معرفة التعريف المناسب الضبابية تلف كل خطط العرض والطلب... هل هذه الضبابية توفر ستاراً لمن يصرف من موازنة الدولة ويحتاج إلى غسل أموال تدريبي؟ - التدريب ضائع وبلا هوية، وبابه واسع، ومداخله ومخارجه عديدة، والمنتسبون إليه كثر، وقياس عوائده وأثره مهمل، ونتائجه سلبية، وخططه لولبية ومتداخلة، ولذلك بيئته فيها الضبابية التي توفر ألف ستار للهدر والتبذير وربما غسيل أموال تدريبي. لو ألغي معهد الإدارة العامة وألغيت المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني وألغيت كل مراكز التدريب وتحولت إلى شركة مساهمة وطنية كبرى فمن ذا يكون له الحق في إدارتها...وزارة المالية أو الإدارة والتخطيط؟ - اقترحت على وزير الخدمة المدنية أن تكون وزارته «وزارة لتنمية الموارد البشرية» ويتبع لها معهد الإدارة العامة للتدريب الإداري والمالي، والمؤسسة العامة للتدريب المهني الحرفي، طبعاً، أنا لست مع خصخصة المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في الوقت الحاضر، لأنها تحتاج إلى إعادة تنظيم ومواءمة وهيكلة، ولأن بعض برامجها الآن تخضع لمشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم العالي (آفاق)، ويمكن النظر في موضوع الخصخصة بعد ذلك. بعيداً عن آلية التدريب التقليدية... كيف ترى فعالية التدريب الجديد مثل التدريب الإلكتروني واكتساب الخبرة عن طريق الزيارات الناجحة والتدريب الموجه؟ - التدريب التقليدي انتهى زمنه، وأصبح من باب الهدر، والمطلوب التحول للتدريب الإلكتروني والتدريب على رأس العمل والتدريب الموجّه للوظيفة والتدريب عن بعد واستخدام الطرق والوسائل التي تكسب الخبرة والممارسة العملية التي تحاكي الواقع، والجامعة الإلكترونية وجامعات التقنية التي أعلن عنها أخاً يتوقع أن يكون لها في هذا المجال دور كبير ورائد، وتنقل التدريب من حالته التقليدية إلى الحالة المتطورة التي ينشدها الجميع. كي لا تتحول مراكز التدريب الخاصة إلى مراكز سلب أموال... ما أهمية إيجاد تصنيف لمراكز التدريب الأهلي في السعودية ؟ - تصنيف المراكز التدريبية الأهلية في المملكة ضرورة ملحّة تفرضها متطلبات المرحلة، وعلى هيئة الاعتماد الأكاديمي وغيرها من مؤسسات قياس وتقويم أداء مثل هذه المراكز سرعة البدء بالتصنيف حتى لا يختلط في التدريب الحابل بالنابل، ولا يكون لابن قاسم - رحمه الله - حراج في سوق التدريب، وحتى «لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون». المرأة والتدريب الوطن لا تقوم له قائمة بالرجل وحده... كيف تنظر إلى تفعيل دور المرأة في التدريب وإشراكها في وضع وتنفيذ سياسة التدريب؟ - دور المرأة في التدريب لا يختلف عن دور الرجل، فمجتمع المرأة يحتاج إلى كل ما يحتاج إليه مجتمع الرجل في ظل الخصوصية التي يعيشها أفراد مجتمعنا وتركيبة عمل مؤسساتنا المعزولة عن بعضها، ومن ثم نحن بحاجة إلى فنيات ومهنيات وتقنيات لسد حاجة العمل في المؤسسات النسوية، وأنا مع وجود العديد من المعاهد التقنية العليا للبنات والنية بفتح العشرات مستقبلاً. لا أرى سعودية واحدة تعمل أو تدرب فنياً أو مهنياً أو تقنياً ولو في مجال الصيانة الأولية المنزلية، وكل الموجود لدينا تزيين وخياطة وتطريز وأعمال إدارية مكتبية، كالتسويق والمحاسبة وغيرها من المهن التي كانت تنفذ منذ زمن طويل، حينما كانت هذه المراكز بإشراف إدارة تعليم البنات قبل ضمها للمؤسسة. نحن بحاجة إلى مراكز مهنية نسوية تخرج لنا فنيات كهرباء وسيارات وتكييف وإلكترونيات وميكانيكا وهندسة وبناء وتشييد وصيانة أجهزة منزلية وغيرها من المهن التي يحتاج إليها المجتمع. نحن – للأسف - نفاخر بالكَمِّ على حساب الكيف، والمرأة في التدريب يجب أن يكون لها دور أكثر فاعلية، كما يجب أن نمكن المدربات – وليس المعلمات- المؤهلات المتخصصات فنياً ومهنياً وتقنياً من إدارة العملية التدريبية مع منحهن المزيد من الثقة والصلاحيات، وأن نفرق بين التعليم والتدريب، ولا نخلط بينهما؛ فالمعلمة لا يمكنها إدارة التدريب. كما أن المدربة لا يمكنها إدارة التعليم، بمهنية واحترافية، لأن لكل منهما أهدافه وفلسفته وبيئته وطرقه ووسائله وأساليبه المختلفة، وكثير من أسباب فشلنا في تحقيق أهدافنا الفنية والمهنية والتقنية مرده عدم إيكال الأمر لأهله. العلم والصناعة... كيف تنصهر في بوتقة علم التدريب...أي مخرجات العلم تؤسس لصناعة الفرد المؤهل؟ - التدريب مع كونه فناً وعلماً فهو أيضاً صناعة، ومن ثم فإن التعليم الفني والتدريب المهني مهم وأساس لصناعة الفرد المؤهل، ولذلك نرى أن دمج التعليم العام مع التعليم الفني التجاري والزراعي والصناعي ضرورة للتحول إلى مجتمع المعرفة والمجتمع الإنتاجي الصناعي. التوسع في التعليم والتدريب الفني عندنا... ألا تشعر أنه خطط وردية فقط؟ - بل أجزم أنها كذلك، بدليل وجود العمالة الوافدة التي يصل عددها إلى أكثر من 8 ملايين عامل، وأعداد العاطلين الذي يصل عددهم إلى مليوني عاطل تقريباً، وتحويلات البلايين التي تخرج من البلد وغيرها من التبعات التي يدفع ثمنها المجتمع. وحتى لا يفهمني أحد خطأ أعيد وأكرر إن المشكلة تكمن في الرؤية القاصرة والمفاهيم الخاطئة والمغلوطة والأهداف العامة غير الضرورية التي تبنى عليها هذه الخطط مع ترك الضروري منها والملحّ. فلسفة التعليم التقني لماذا فلسفة التعليم التقني في بلادنا متأخرة عن مواكبة النمو حواليها؟ - اليمن فيه ثلاث جامعات للتقنية وبحسب علمي العمل قائم على افتتاح جامعة رابعة للتقنية، وهو بلد أقل منا قدرة مالية وتقنية، نعم في البحرين وعمان وقطر والكويت والأردن والمغرب وغيرها من الدول العربية والإسلامية وغيرها من دول العالم أكثر من جامعة للتقنية بل يصل في بعضها عشرات الجامعات التقنية، ونحن وللأسف ما زلنا نحول المراكز المهنية لمعاهد والمعاهد لكليات، ولا يوجد لدينا إلا جامعة للتقنية واحدة فقط، فبالله عليكم كيف لا نكون متأخرين عن مواكبة النمو حوالينا؟ بلدنا بحاجة إلى ثورة صناعية وتقنية تبدأ بفتح جامعات للتقنية في كل محافظات المملكة وتوجيه الشباب إلى التعليم التقني التطبيقي في هذه الجامعات. نحن بحاجة إلى نقل وتوطين للتقنية ولوظائفها وبحاجة إلى بحوث تطبيقية في مختلف مجالات التقنية وإلى دراسات عليا ومعامل ومختبرات تخرج العلماء الذين يضعون البلاد في مصافّ الأمم والشعوب المتقدمة تقنياً. الغريب في الأمر أن هناك من لا يؤمن بمثل هذه الآراء التقنية الطموحة ويسعى لعرقلة مثل هذه الطموحات، والأغرب أنه لا يزال وللأسف يجد من يستمع إلى آرائه التي وضعت وستضع الأمة في المؤخرة. كيف تقرأ الفلسفة التنظيمية للكليات التقنية... وهل تؤيد ربطها بوزارة التعليم العالي؟ - قراءتي للفلسفة التنظيمية للكليات التقنية قراءة سلبية لا تنمُّ عن رؤية متطورة لمستقبل التقنية ولا تنم عن فهم الاحتياجات الوطن المستقبلية وتنمُّ عن خلط فاضح بين التعليم والتدريب، وقد أوضحت رأيي في هذا بالتفصيل في إجابة على سؤال سابق، ولست فقط من المؤيدين لضمها للتعليم العالي، بل من المطالبين بذلك، لأن الكليات والمعاهد التقنية تعد وحدات تعليم تطبيقي بعد «الثانوية» وليست وحدات تدريب كما يزعم البعض ممن يجهلون فلسفة التعليم التقني التطبيقي ويخلطون بينها وبين التدريب المهني. وزارة العمل تشرف على التعليم الفني وعلى سوق العمل ولكنها عاجزة عن خلق وظائف لخريجكم... أين الخلل؟ - الخلل أننا نريد أن نعلم وأن ندرب وأن نوظف وأن نقوم بكل شيء، وهذا غير صحيح، والحل يكمن في دعم الوزارة واستجابة المؤسسة للتوجه في ربط الكليات والمعاهد التقنية بالتعليم العالي لتتفرغ المؤسسة فقط للتدريب المهني الحرفي حتى يؤتي التدريب ثماره ويلمس المجتمع نتائجه من دون تضييع الوقت والجهد والمال في التعليم التقني التطبيقي الذي يقع في جميع دول العالم بإشراف مؤسسات التعليم العالي. مخرجاتكم لم لا تجد قبولاً لدى القطاع الخاص؟ - لأن كليات ومعاهد التقنية كليات ومعاهد تعليم وليست كليات تدريب، ومخرجات التعليم لا تناسب سوق العمل من دون تدريب ملائم ومناسب لحاجة سوق العمل. الربيع التقني ما الربيع الذي ينتظره تعليمنا الفني والتقني؟ - الربيع رياحه بدأت تهب بربط سياسة التعليم التقني بمجلس التعليم العالي، وشرارته ستنطلق فور صدور قرار ضم الكليات والمعاهد التقنية للتعليم العالي وفتح جامعات تقنية في جميع المحافظات تفتح المسارات التعليمية العليا لطلابنا المحروم من التعلم التقني العالي، وتضعنا على المسار نفسه الذي تسير عليه بقية دول مجلس التعاون. هناك من يصف شبابنا بأنهم يفتقرون إلى الجدية والالتزام في كثير من مجريات الحياة... هل هذا تصنيف صحي؟ وإن كان كذلك... فلماذا بلغ شبابنا هذا المبلغ «المخزي»؟ - هذا تصنيف لا يمكن تعميمه على كل شبابنا، والشباب لم يوضع في محك ويفشل إلا في التوظيف وما ترتب عليه من انحرافات، لأسباب كثيرة منها سوء التأهيل، وتدني المرتبات، وعدم القدرة على منافسة الأجنبي الذي التزاماته محدودة مقارنة بالشاب السعودي. وتقاعس قطاع إدارة الأعمال عن التدريب، ومن ناحية أخرى الشباب أهمل ولم يعط حقه من الاهتمام الكافي الذي يُحدث تغيراً جذرياً في حياته اليومية فهو أُهمل ترفيهياً واجتماعياً وثقافياً وتربوياً واقتصادياً، وضاع في خضم الأولويات، ونحن نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا. وأنا متأكد أننا لو أعدنا الثقة في شبابنا وبنينا معاملاتنا على هذه الثقة لوجدناهم أفضل مما نتصور. لماذا تشهد مؤسسات حاضنة للشباب أدلجة معينة في الطرح والفكر؟ - تعدد المؤسسات الحاضنة للشباب وغياب الرؤية الوطنية الموحدة والأهداف المشتركة وسيطرة رؤى بعض الأفراد، وغياب الرقابة والأنظمة والقوانين الرادعة لأدلجة الفكر وراء كل ذلك. ويجب وضع سياسة موحدة لكل المؤسسات الحاضنة للشباب حتى لا يكون هناك مثل هذه الأدلجة في الطرح والفكر. على رغم الصعوبات التي يواجهها مجتمعنا إلا أننا ما زلنا في خصام شديد مع المبادرات الجماعية لتغيير الحال... من عليه أن يبدأ المسيرة؟ - أعتقد بأنه في ظل غياب العمل المؤسسي المنظم المبني على رؤية وطنية واضحة ومحددة ومعلنة ومحمية بسلطة وقوة وسياسة الدولة، لا يمكن لأي مبادرات فردية أو جماعية أن تحقق هدفها.. المسألة ليست مسألة مبادرات ولكنها مسألة نظام واحترام ومسألة ولاء وانتماء وإجماع وإخلاص وطني. لدينا عقول مفكرة، يرون الأمور بشكل سليم ويستخدمون العقل، ولكن النتائج ليست كما نتوخى... أهناك مشكلة في التطبيق أم أن الأهداف الخاصة دائماً تسابق الهدف العام؟ - صحيح، توجد هناك أهداف خاصة وهناك أعداء للنجاح وهناك مشكلة في التطبيق ونحن أيضاً لا نزال نفكر بعقلية المسؤول الواحد، وهي - في حد ذاتها - مشكلة، في حين أن الإدارة اليوم لم تعد تعترف بذلك، إذ تعتمد على التفكير والمسؤولية الجماعية. فالمفكر الذي يستخدم العقل ويرى الأمور بشكل سليم في مسألة ما، ليس بالضرورة قادر على كل شيء، ولذلك فهو يحتاج دائماً إلى مساعدة في التفكير ورؤية الأشياء من زوايا مختلفة. الرأي الواحد خطأ وإن كان صواباً، ومتى ما كانت إدارتنا مبنية على مؤهل وخبرة ومسؤولية جماعية وتتقبل النقد ووجهات النظر المختلفة – من دون محسوبية - ستكون النتائج بالتأكيد أفضل مما نتوخى. ما فلسفتك مع الكرسي، وما أطول مدة تراها للجلوس عليه؟ - فلسفتي مع الكرسي أنه مكان للجلوس الموقت، وأنه يدور بكل من يجلس عليه من دون تمييز، وأنه مهما علا فإن صاحبه الذي يعلوه يبتهل، وأنه مجرد فرصة إضافية لأداء المزيد من الواجب، وأفضل علاقة معه يجب ألا تزيد مدتها على أربعة أعوام.