في زمن عربي يمكن القول إنه يفتقر الى أدنى أبجديات الحوار، سيبدو من المثير أن تختار قناة تلفزيونية اسم «الحوار»! ليس من البساطة في شيء السؤال عمّا إذا كان «الحوار»، وسيلةً أم غايةً وهدفاً أم هو مجرد اسم علم، يمكن قناة تلفزيونية أن تتخذه؟ ربما يكون «الحوار» مجرد وسيلة مراوغة لإيصال الأفكار ذاتها التي من الممكن إيصالها عبر خطبة وعظ، أو من خلال إنشاء مباشر، أو في ثنايا تقرير موجّه. هذا يجري عندما يكون المتحاورون من لون واحد، وعلى الضفة ذاتها، في الرؤية والموقف. ليس ثمة جدل، ولا اشتباك فكرياً، ولا مقارعة الحجّة بالحجّة. أما أن يكون «الحوار» هدفاً، فإن ذلك يمكن أن يتمّ من خلال إرساء ثقافته، وتأصيل ممارسته، وتعميم آلياته، بين المتشابهين، كما بين المختلفين، بغضِّ النظر عن النهايات التي يؤول إليها. المهم، أن يغدو «الحوار» أسلوب تفكير، وآلية تعامل، مع النظير والمختلف، على السواء. المتابعة المتأمّلة في قناة «الحوار» وبرامجها وأدائها، تشير إلى أنها تروم ما هو أبعد من أن يكون «الحوار»، مجرد اسم علم، وتسعى جاهدة لأن يكون صفةً للقناة وبرامجها وأسلوبها في التعامل مع قضايا السياسة والثقافة والاقتصاد والمجتمع. ثمة ميل واضح في القناة لأن تكون برامجها قائمة على منهج «الحوار». من برنامج «أضواء على الأحداث» الذي يقدّم جولة على عدد من المواضيع السياسية الراهنة، وفق محاور متنقلة بين بلد وآخر، إلى برنامج «رواق المعرفة»، الذي غالباً ما يتخذ الجانب الثقافي الفكري المعرفي، في المسائل، وصولاً إلى برنامج «الرأي الحر»، الذي يناقش قضية معينة، ما بين مداخلات مختصين بالأمر، واستقبال مكالمات المشاهدين الذين يتحوّلون إلى محللين ومنظرين، وليس انتهاءً ببرنامج «مراجعات»، الذي يقوم على استذكار تجارب في السياسة والفكر والاقتصاد... تبني القناة فلكها الذي تدور في رحابه. آفة برامج الحوارات، على الصعيد البصري، هي التقشّف في إنتاجها، إذ تنتهي إلى ان تصوّر في الأستوديو. عادةً، يجلس المتحاوران، أو المتحاورون، وتتسيّد اللقطات المتوسطة، بالانتقال من المذيع إلى هذا المتحدث، أو ذاك. لا جديد، ولا مُثير، ولا مُبهج، في هذا الأسلوب التقليدي. ما الحل؟ لعل البديهي القول بضرورة ابتداع الأساليب الجاذبة بصرياً، من دون أن تصل إلى حدّ تشتيت الانتباه عن أهمية ما يُقال، ونباهة هذه الفكرة، أو تلك. إذا لم يكن ممكناً الخروج من الأستوديو، فعلى الأقلّ ينبغي الاعتناء بالتصوير في استوديوات واسعة، مؤثثة بصرياً، مثل الاستعانة بشاشات كبيرة، أو تشكيلات من الإضاءة، الطاردة للملل، والمقاومة لكسل العين، ولخمول المخيلة. قناة «الحوار»، تعيدنا بصرياً إلى تأكيد ضرورة فكّ الارتباط بين برامج الحوارات، واللقطات المتوسطة الضيقة، ومشكلة الجلوس الثقيل... وتثير سؤال البحث عن بدائل، من أجل أن يكون «الحوار» مفيداً وممتعاً.