«يمكنك أن تصادر الهاتف الخليوي الخاص بالسائق، لكنك لن تستطيع أبداً أن تبعده عن التصرّفات الخطرة». تمثّل هذه الكلمات الخلاصة التي توصّلت إليها دراسةٌ أميركية جديدة عن العلاقة بين الخليوي وحوادث الطرقات. وأظهرت الدراسة أن السائقين الذين يستخدمون الخليوي أثناء القيادة ربما كانوا غير آمنين أصلاً، بمعنى أنهم معرضون لحوادث الاصطدام سواء استخدموا الخليوي أم لم يستخدموه! عبر هذه النتائج يمكن أن نفهم سبب عدم وجود تأثير كبير لقرارات منع استعمال الخليوي أثناء قيادة المركبات الآلية، على معدلات الحوادث. أداة في بحر المؤشّرات شملت الدراسة 108 أشخاص قُسّموا إلى ثلاث مجموعات عمرية هي العشرينات والأربعينات والستينات. ونظر الباحثون إلى الروابط بين أجوبة كل شخص على مجموعة من الأسئلة من جهة، وبياناتٍ جُمِعَت من مجسّات مثبّتة في السيارات خلال اختبارٍ في القيادة مدته أربعون دقيقة، أُجري على طريق سريعة في شمال مدينة بوسطن. في الاختبار، قاد السائقون سيارات من نوع «فولفو» مزوّدة بجهاز تتبع لحركة عين السائق، وجهاز لمراقبة قلبه وبشرته، إضافة إلى كاميرات فيديو ثُبتت قبالة النوافذ الأمامية والخلفية، وأجهزة تحسّس داخل السيارة وغيرها من المعدات التي يحتاجها البحث. مُنِع استعمال الخليوي خلال هذا الاختبار. وقبل أن يبدأ السائقون بالقيادة، أجابوا عن أسئلة عن عدد المرّات التي يستخدمون فيها الخليوي أثناء قيادتهم السيارة، ومشاعرهم حيال السرعة وتجاوزهم مِن قِبَل سيارات أخرى. كما سئلوا عن عدد المرّات التي جرى فيها تنبيههم (أو إدانتهم) خلال العام الماضي، على خلفية السرعة الزائدة أو عدم التقيّد بإشارات السير أو ارتكاب مخالفات اخرى. قسّم فريق البحث المُشاركين إلى فريقين هما: «المستخدمون المتكررون»، وهم أولئك الذين يستعملون الخليوي أثناء القيادة مرات عدّة في الأسبوع، و«المستخدمون النادرون» وهم الذين لا يتحدثون عبر الخليوي سوى مرات قليلة. وبالمقارنة مع الأشخاص الذين نادراً ما تحدثوا عبر الخليوي أثناء القيادة، لوحظ أن «المستخدمين المتكررين» قادوا السيارة على نحوٍ أسرع، وبدّلوا الممرات التي يسلكونها تكراراً، وأمضوا وقتاً أطول على خط اليسار توخّياً لمزيد من السرعة، ولجأوا إلى مناورات يصعب كبح الفرامل خلالها، وكذلك أفرطوا في السرعة، بحسب نتائج التجهيزات المُثبّتة في المركبات التي قادوها. سلوك وتكنولوجيا وأوضح المسؤول عن البحث برايان ريمر، وهو اختصاصي في دراسة العوامل البشرية من «معهد ماساتشوستس للتقنية» في جامعة كامبردج، أن هذه الاختلافات ليس صادمة، «بل هي تُعتبر دلائل دقيقة تنم عن المزيد من القيادة العدوانية». وبحسب رأيه، هناك دراسات أخرى ربطت بين هذه التصرّفات والزيادة في معدل حوادث الطُرُق. وأعرب عن اعتقاده بأنه «من الواضح علمياً أن استعمال الخليوي بحد ذاته يقلّل من القدرة على التحكّم بحاجات القيادة. وربما تمثّلت المشكلة الرئيسية في سلوك الأفراد الذين يريدون امتلاك هذه التكنولوجيا». وقدّمت هذه النتائج التي وُضِعَت على الموقع الإلكتروني لمجلة «تحليل الحوادث والوقاية منها» («أكسيدنت أناليسيس أند برِفانشِن» Accident Analysis & Prevention) خلال الشهر الماضي، احد التفسيرات المعقولة لسبب انخفاض عدد الإصابات والوفيات الناتجة عن حوادث السيارات إلى أدنى مستوياتها تاريخياً، على رغم زيادة استخدام الخليوي بشكلٍ دراماتيكي. وتستطيع هذه النتائج أن تشرح «لغزاً» آخر: «أدى قانون منع استخدام الخليوي أثناء القيادة إلى تخفيض استخدام الخليوي بين السائقين، لكن المحيّر في الأمر هو أن ذلك لم يفضِ إلى انخفاضٍ مماثل في نسبة الحوادث»، بحسب قول راس رايدر، وهو أحد الناطقين باسم «معهد تأمين السلامة على الطرقات السريعة» Insurance Institute for Highway Safety في مدينة «آرلينغتون» بولاية فرجينيا. ولم يشارك رايدر في الدراسة الجديدة. في المقابل، أشار هذا المعهد إلى نتائج دراستين أخريين أظهرتا أيضاً أن قرارات منع إمساك الخليوي باليد أو كتابة الرسائل النصية، لم تؤدِ إلى انخفاض معدلات حوادث الطُرُق، استناداً إلى أرقام شركات التأمين في الولاياتالمتحدة. وأعرب معدّو الدراسة عن اقتناعهم بأن النتائج التي توصلوا إليها ربما تساهم في شرح سبب عدم وجود تأثير كبير لقوانين منع استخدام الخليوي على معدلات حوادث الطُرُق. وفي هذا الصدد، بيّن ريمر أن ليس ثمة شك في أن الحديث على الخليوي يزيد من خطر التعرّض لحوادث على الطُرُق. وأضاف: «من الجيد أن نتمكن من إبعاد الخليوي عن أيدي السائقين، لكن هؤلاء ربما كانوا ممن سيتعرضون للحوادث على أي حال».