على رغم وجودها في القاموس العربي، إلا أنها ذهنياً أقرب للمحكية منها إلى الفصحى، ومعانيها كثيرة، لكن معناها عند الغالبية هي البوح بغرض التنفيس، وقول ما يعتمل في نفسك من الهموم إلى من يستحق هذا الشرف، فمشاركتك أسرارك وأفكارك التي غالباً ما تكون حزينة، ليست ضعفاً كما يتوهم البعض، إنها قوة وجود من تجزم بأحقيته ببوحك في حياتك، أياً كان موقعه منك، وتشريفه بالحصول على هذه القوة. وهي بالمناسبة اسم أول زاوية صحافية رسمية لي، حين فتح الزملاء الدكتور عبدالله الطويرقي، محمد عابس، وشريكهما الفكري محمد أبوعمير نافذة لي في صحيفة «المسائية» التي كانت تصدر عن مؤسسة الجزيرة، فضفضت حينها عن كثير من همومنا العامة. هي حالة من القول، تقول ليس للوصول إلى حل، ولا لتغتاب أحداً، وبالتأكيد هي ليست نميمة، إنها فقط قول ما بداخلك، لمن يستطيع أولاً أن يستمع، ثم هو يستطيع باستماعه وتفهمه أن يحتضنك، ليس القيام بالفعل الفيزيائي، بل بإعطائك هذا الشعور، بمنح كلماتك المتألمة الحزينة وهجاً يعكسه مرة أخرى إلى داخلك فيعيد إليك توازنك، وبعضاً من قوتك. تقول العرب ليس كل ما يعرف يقال، وقال بعض آخر ليس كل ما يقال قد حضر وقته، وأقول وربما معي آخرون، وليس كل ما حضر وقته يحضر الإنسان الذي يستحق أن يستمع إليه، يستحق أن يكون الطرف الآخر في معادلة إنسانية طبيعية هي من سمات العلاقات القوية الجميلة. في الصغر، يمكنك أن تفضفض لطفل يلعب معك في الحديقة أو مدينة الألعاب (بالنسبة لجيلي لطفل تلعب معه في الشارع)، تكبر قليلاً فتصغر القائمة، يصبح زميلك المقرب في الصف، أو صديقك في الحي، أو من تتواءم معه من إخوتك وأقاربك، وكلما كبرت صغرت هذه القائمة، حتى يصبح لديك واحد أو اثنان إن كنت محظوظاً، أو لا أحد، تبعاً لمستوى عمق ما تود الحديث عنه، ومدى تعريته لك أمام آخر، حتى لو كان مهماً جداً لك ولروحك، وفي حياتك، وكأن حالها حال الصداقات، التي يصعب تكوينها كلما تقدمت في العمر، لأن المعايير تنضج، أو هكذا أفترض. تذكر أنه ربما يكون من حولك نبلاء حقيقيين، يحبونك، ويحاولون الابتعاد عما قد يعكر صفوك فلا يبوحون لك، على رغم يقينهم باستحقاقك، هنا عليك أنت أن تبادل هذا الجمال ببعض منه، تحثهم، تحاصرهم لو اضطررت حتى تحظى بحالة بوح على رغم حزنها وآلامها، إلا أنها تجدد إحساسك بإنسانيتك. وأخيراً، فعلى رغم تعدد وسائل البوح كما يعتقد البعض، إلا أنه عندما يكون لقاء روحين مؤتلفتين، يمكن حينها فقط أن تسميه فضفضة. [email protected] @mohamdalyami