حمّل الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي روسيا والصين مسؤولية عرقلة التوصل الى حل للأزمة السورية، مشيراً الى أنهما مستمرتين في حماية النظام السوري، وقال ان تحريك الجمود السياسي يتطلب تغييراً في موقف الحكومة السورية أو مجلس الأمن، مجدداً قلقه من توسع الأزمة السورية لتطاول الدول المجاورة. وقال العربي في لقاء مع «الحياة» في نيويورك، إن تاريخ سورية «ناصع في التفاهم بين الطوائف»، مشيراً إلى أنها «قبل نظام (الرئيس الراحل) حافظ الأسد كانت تعيش في سلام بكل طوائفها. وشكري القوتلي كان كردياً». وحول التحرك الفلسطيني للحصول على عضوية الأممالمتحدة، دعا العربي الى البدء بسياسة الخطوة خطوة للحصول على اعتراف الأممالمتحدةبفلسطين دولة غير عضو، تمهيداً للمرحلة التالية، وهي الحصول على العضوية الكاملة، على غرار تجارب دول عديدة بينها كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية وألمانيا. وهنا نص الحوار: الكل يبدو في حال شلل أو عدم قدرة أو عدم استعداد لصياغة نهج أو موقف جدي تجاه الأزمة السورية، فمن هو المُقصِّر والمعرقل؟ - المُقصِّر هو ميثاق الأممالمتحدة. أتفق تماماً مع توصيفك، هناك حال شلل تام وعدم قدرة على تغيير المعادلة القائمة حالياً. لكن المُقصِّر في نظري هو ميثاق الأممالمتحدة، لأنه وضع كل السلطات في يد مجلس الأمن، على أساس أن المجلس سيرفع كل ما يُسبب تهديداً للسلم والأمن الدوليين. والمفهوم قد تطور منذ عام 1945 حتى الآن، فهناك الآن حالات ومخالفات جسيمة لحقوق الإنسان وأصبحت ترقى إلى مستوى تهديد السلم والأمن الدوليين. والحال في سورية تكشف ذلك، حيث الدماء تُراق والأبرياء يموتون، ودولة لها قيمة تاريخية وقومية تُدمَّر، وحاكم ونظام يقتل الشعب ويطلق قذائف من طائرات ومدفعية ودبابات ولا أحد يفعل شيئاً. جامعة الدول العربية بدأت (جهودها) منذ 13 تموز (يوليو) 2011، وذهبتُ بعد أسبوع من تسلمي العمل إلى سورية وذكرتُ للرئيس، أو للقيادة السورية ما يلي: (1) ضرورة وقف إطلاق النار (2) ضرورة إطلاق سراح المعتقلين (3) لا بد من إصلاحات، في ذلك الوقت، سياسية حقيقية. ولم يحدث شيء. ذهبت بعد ذلك بتفويض من مجلس الوزراء (العرب) في 10 أيلول (سبتمبر)، ولم يحدث شيء، ثم كلف مجلس الوزراء رئيس اللجنة المعنية وكلفني بالذهاب مرة ثالثة في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) ولم يحدث شيء. بعد ذلك بدأت الجامعة العربية تستخدم ما في جعبتها من آليات محدودة، حتى العقوبات، وليست عندنا عقوبات، بل مقاطعة. كل ما في جعبة جامعة الدول العربية استخدمته. شهر بعد شهر، ثم أعلنت الحكومة السورية أنها وافقت على طلبنا وقف إطلاق النار، وأرسلنا المراقبين العرب ولم يستطيعوا أن يقوموا بشيء. عدد المراقبين كان صغيراً، وبعض الدول قررت أنها لا ترغب في الاستمرار، فاضطررنا الى سحبهم. وفي النهاية، في كانون الثاني (يناير) الماضي اتُّخذ قرار بعرض الموضوع على مجلس الأمن، بوصفه الأداة السحرية والعصا السحرية التي ستقضي بما هو مطلوب وتؤدي إلى وقف إطلاق النار وتحقيق تطلعات الشعب السوري. مرت ثمانية شهور ولم يحدث شيء. فمن المُقصِّر؟ ميثاق الأممالمتحدة الذي يسمح لدولة أو لدولتين أن تعرقل كل ما يطالب به المجتمع الدولي. من هما هاتان الدولتان؟ - طبعا روسيا والصين. ماذا تريد روسيا منكم أنتم كعرب؟ - روسيا لها مصالح مختلفة، سواء في سورية أو مع الولاياتالمتحدة، وبينهم أحاديث. وأنا لا أتحدث باسم روسيا ولا الصين. أنا أتحدث على واقع قائم، هم الآن لا يرغبون في تغيير موقفهم ومستمرون في فرض حماية للنظام السوري. كيف يمكن جهود الممثل الخاص المشترك الأخضر الإبراهيمي أو غيره أن تؤدي إلى نتيجة طالما أن الموقفين الروسي والصيني لم يتغيرا؟ - أقولها بطريقة أخرى، من جهة ثمة موقف متعنت من الحكومة، ومن جهة أخرى فشلُ مجلس الأمن في الاضطلاع بمسؤوليته، وتحريك الموقف يحتاج تغييراً في أحد الاثنين. وماذا عما طرحه أمير قطر عن تدخل عربي؟ - أمير قطر تكلم عن قوات عربية، وتحدثت معه بعد ذلك ومع رئيس وزراء قطر، حيث تحدثا عن قوات حفظ سلام. أمير قطر لم يكن يقصد حرباً ضد سورية بل حماية المدنيين. الدول العربية تفكر في إيفاد قوة حفظ سلام. هل تفكرون في هذا الآن؟ - أطالب منذ أول نيسان (أبريل) بتطبيق المادة 41 من الفصل السابع (من ميثاق الأممالمتحدة) التي هي عقوبات اقتصادية وقطع الاتصالات السلكية واللاسلكية والمواصلات. إذن ما هي الإجراءات الاستطرادية للطرح القطري الآن بعدما طُرح من منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ - دعم هذا الموقف. هل ستتحركون أنتم كجامعة دول عربية؟ هل ستتحرك قطر داخل الجامعة في هذا الاتجاه؟ - اسألي قطر، لا تسأليني. وأنتم هل ستتحركون؟ - لا. أنا قلت موقفي منذ البداية والدول عليها أن تتحرك. أطالب المجتمع الدولي بالإقدام على هذه الخطوات. نتكلم الآن عن قوة حفظ سلام عربية، وهو ما تحدث عنه أمير قطر؟ - إرسال قوة عربية يقتضي أن تقبل به الحكومة السورية. إذن هل كان ذلك طرحاً من دون إسناد؟ - لا بالعكس، كان طرحاً في موقفه. ونتوقع أن تحدث تغييرات في المستقبل. هو (أمير قطر) يتكلم عن طرح، وهي نظرة مستقبلية للأمير، وأنا لا أتحدث باسمه، فأنا لا أرد على أسئلة عن هذا الموضوع بتاتاً. هل تشعر أن هناك أي مجال لتباين بين الموقفين الروسي والصيني؟ أم هو تحالف استراتيجي لن يؤثر فيه أي تطور؟ - الأمران معاً... هذا تحالف استراتيجي، وبين روسيا والصين اتفاقات لحماية أحدهما الآخر. لكن هناك اختلاف في الموقف طبعاً، فلروسيا مصالح استراتيجية في سورية، ولا أعتقد أن للصين مثل هذه المصالح. أنتم تؤدون دوراً مهماً في العمل على توحيد المعارضة السورية، وكنت استضفت اجتماعاً ولكن يبدو أن هناك لوماً متزايداً لأطياف المعارضة على الشرذمة والانقسام. ماذا تفعلون الآن للمّ شمل المعارضة السورية، إذا كان ذلك الأمر وارداً؟ - أولاً، هذا الموضوع يتوقف على المعارضة السورية، ولا شك أن بينها -كما ذكرتِ- شرذمة وتفككاً وحزازيات مُغالًى فيها، وجامعة الدول العربية كُلفت من مجلس الوزراء (العربي) بالاتصال بالمعارضة. نتصل بجميع أطياف المعارضة منذ سنة، وأصبحت أعرفهم شخصاً شخصاً. واستغرقنا من أيلول الماضي إلى 2 تموز من هذا العام حتى جمعنا ما يزيد عن 230 شخصاًَ وأمكن الاتفاق على وثيقتين في غاية الأهمية لا أدري لماذا لا ينظر إليهما أحد: إحداهما عن رؤية مستقبلية لسورية، والأخرى سُميت «العهد»، وهي تتكون من المبادئ الأساسية للنظام الرشيد الذي نرجو أن يتحقق ويحقق طموحات الشعب السوري. كيف ننتقل من ذلك؟ ما نسعى إليه هو أن تكون هناك جبهة ومظلة عامة لكل المعارضة تكون على استعداد في يوم من الأيام لتمثيل المرحلة الانتقالية التي قررت «مجموعة العمل» في جنيف أن تبدأ. وبالنسبة للأمل الذي يُعبّر عنه، على الأقل في مصر، عن مبادرة الرئيس محمد مرسي، ولربما لمّ الشمل بين إيران والمملكة العربية السعودية داخل إطار الرباعية؟ يبدو أن تلك الآمال انحسرت؟ - الفكرة نفسها، التي أطلقها الرئيس مرسي في مكةالمكرمة، وأنا كنت حاضراً، فكرة سليمة. ولا بد من الاعتراف بأن إيران جزء كبير من المشكلة وبالتالي دورها مطلوب في الحل. هذا يتوقف على إيران، أنا لم أشارك في هذه المحادثات ولا أدري ما يحدث. هل ترى أن ثمة من يقول أيضاً إن هناك سكوتاً على انتهاك إيران قرارات مجلس الأمن، بمدها النظام في دمشق بالسلاح؟ أليس هناك حاجة لموقف عربي يضع النقاط على الحروف ويطلب تحرك مجلس الأمن لتكف إيران عن دعمها النظام السوري؟ - هذا كلام لن أرد عليه، لأنه ليس عملياً، فالطلب من مجلس الأمن إصدار قرار ضد إيران حول مد السلاح كلام غير عملي إطلاقاً، لو كنا نستطيع الوصول إلى مجلس الأمن للحصول على شيء منه، لكنا أخذنا منه حلاًّ للمشكلة لمرة واحدة. أتخشى على الدول المجاورة: لبنان، الأردن، العراق؟ - طبعاً، وكررت هذا منذ أكثر من ستة شهور، المسألة الآن ليست سورية فقط، المنطقة كلها مهددة وعلى فوهة بركان، والانفجار يمكن أن يمس الجميع، ليس فقط اللاجئين بأعداد ضخمة جداً، لكن أيضا في التأثير على هذه الدول بمختلف الوسائل، طبعا نخشى على العالم العربي ونخشى على الشرق الأوسط بأكمله. وفي ما يتعلق بما يمكن أن يطلق عليه الوساطة، أو محاولة الحصول على الأهداف المرجوة، حاول كوفي أنان كل ما يستطيع، وفي النهاية وجد أن الأبواب موصدة كلها، واستقال. وجرت اتصالات مستمرة لفترة، ربما عشرة أيام، بين بان كي مون، سكرتير عام الأممالمتحدة، وبيني للبحث عن بديل، وفي نهاية المطاف وجدنا أن خير من يمكن أن يقوم بهذه المهمة المستحيلة هو السيد الأخضر الإبراهيمي، لما له من خبرة طويلة جداً في كل هذه المسائل، واكتسب الكثير من التفهم للمشاكل الصعبة خلال عمله في جنوب أفريقيا وهايتي وأفغانستان وغيرها، وهو كان -أكثر من ذلك- مبعوث الجامعة العربية الذي أشرف على إنهاء الحرب الأهلية في لبنان في اتفاق الطائف، وهذا الاتفاق تم مع النظام السوري، فلديه خبرة بالنظام السوري، وأنا أعتقد أنه خير من يمكن أن يقوم بعمل، ولكنه يحتاج إلى دعم كامل من المجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص من مجلس الأمن. تحدثت عن خوف من تسرب اللااستقرار إلى الدول المجاورة، هل تعتقد أن هناك أيضاً خوفاً من تفاقم ما يسمى بالتطرف الإسلامي؟ - هذا موضوع آخر تماماً. داخل سورية وخارجها؟ - سورية فيها طائفية أساساً، فيها طوائف مختلفة، لكن عندما يسألني أحد أقول إنه قبل نظام (الرئيس الراحل) حافظ الأسد كانت سورية بكل هذه الطوائف تعيش في سلام. أنا شخصياً كنت في بداية حياتي عضواً في الجمهورية العربية المتحدة، سورية ومصر، وكنت ملحقاً بسفارة مصر في روما أثناء الجمهورية العربية المتحدة، وكان رؤسائي سوريين، ولم أكن أدري هل هذا سني أم شيعي أو درزي أو أي شيء. شكري القوتلي كان كرديا. سورية لديها تاريخ ناصع من التفاهم بين الطوائف كلها. الخوف من حرب، أو حروب مذهبية وطائفية، مذهبية بشكل خاص، سنية-شيعية، في المنطقة ككل، أترى أن هناك إفراطاً في مثل هذه التوقعات؟ - للأسف الشديد، هناك مؤشرات غير مريحة، وكل ما أقوله في هذا الموضوع هو أنه لا يليق بالعرب الذين لديهم حضارة طويلة أن يتحدثوا عن هذه الطوائف مثلما كانت تفعل أوروبا وتتقاتل في القرون الوسطى. أنت اجتمعت مع الأميركيين، هل وجدت أن كل شيء عندهم مؤجل إلى ما بعد كانون الثاني (يناير) ما بعد تسلُّم الرئيس الجديد المنتخب مهامه؟ وهل تخشى أن هذه الإطالة ستؤدي إلى تعاضد المقاتلين المتطرفين الذين يشار إليهم أحياناً بأنهم من القاعدة وأمثالها؟ - تحدثت مع الأميركيين هنا، وزيرة الخارجية والسفراء الأميركيين والروس والبريطانيين والفرنسيين وسواهم، لكن في ما يتعلق بالولاياتالمتحدة، طبعاً نحن نعلم كعرب، أن كل أربع سنوات، وهذا تعلمناه في ما يتعلق بقضية فلسطين، تتوقف العجلة عن الدوران، وعلينا أن ننتظر انتهاء الانتخابات الأميركية. ولذلك طرح الرئيس الفلسطيني فكرة الدولة غير العضو، ويبدو أن كل شيء مؤجل إلى ما بعد الانتخابات الأميركية. زخم الرسالة الفلسطينية من منصة الأممالمتحدة هذه السنة لم يكن كما كان عليه السنة الماضية، التي كانت دورة محمود عباس. ما هي إفرازات التوجه إلى الجمعية العامة في الموضوع الفلسطيني ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ هل ستكونون أكثر حدة في مواقفكم أم واقعيين؟ - أنا واثق تماماً بأن الدورة الماضية كان يمكن إطلاق عليها اسم دورة فلسطين، لأن الطلب الذي تقدم به محمود عباس هو الذي كان يجب أن يحدث منذ ستين عاماً. للأسف الشديد، هذا الطلب لم يلق قبولاً حتى الآن بتوصية من مجلس الأمن، لكي تقرر الجمعية العامة عضوية الأممالمتحدة، ولكن لا تستطيع الجمعية أن تقوم بذلك إلا إذا أصدر مجلس الأمن توصية، والتوصية لم تصدر في العام الماضي، ولم يكن هناك انتخابات. لكن كان هناك رأي آخر لعدد كبير من الدول، وأنا لا أخفي أنني كنت أميل إلى هذا، بأن نأخذ الموضوع خطوة خطوة، وأن نبدأ بدولة غير عضو. ثبت لمن يقرأ تاريخ الأممالمتحدة أن كل الدول التي كانت هناك مشاكل سياسية حولها، ولننسَ الفاتيكان وسويسرا التي كانت دولة غير عضو حتى عام 2001، هذا ما تم بالنسبة لألمانيا التي كانت دولة مراقبة، وكوريا الشمالية والجنوبية وألمانيا الشرقية والغربية. الدرس هو أن الدول التي حولها مشاكل سياسية تبدأ بأنها دول غير أعضاء، ولا يعيب شيئاً أن تبدأ فلسطين بهذا، المهم هو أن نحشد التأييد اللازم والمطلوب لتحقيق هذا الأمل، وتصبح فلسطين دولة غير عضو. ستسألينني أهمية هذا فأقول: أياً كان الوضع، في يوم من الأيام لا بد أن تجلس دولة فلسطين مع دولة إسرائيل الى طاولة. وهناك ستقول فلسطين إن هذه الأراضي هي محتلة، لأن فلسطين أصبحت دولة. إسرائيل تقول الآن إن هذه الأراضي متنازع عليها. هذا كاف لإبداء الرأي حول أهمية أن تكون فلسطين دولة معترفاً بها من الأممالمتحدة بأنها دولة غير عضو. تكون أيضا قادرة على التوجه بهذه الصفة إلى المحكمة الجنائية الدولية للاحتجاج على الاحتلال الإسرائيلي؟ - هذا موضوع آخر، لا بد من الرد على هذا، هذا موضوع ثانوي. لا يمكن أخذ إسرائيل الى المحكمة الجنائية الدولية، لأن المحكمة الجنائية هي للأفراد، فلا قيمة لها في هذا الموضوع السياسي، هناك سوء فهم في كل مكان. تحدث بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الجمعية العامة عن الخطر الإيراني النووي، ووضع خطوط حمراً. أتخشى أن يكون هناك عزم إسرائيلي على توجيه ضربة عسكرية ضد إيران؟ - لدي عدم ثقة مطلقة بكل ما تقوم به إسرائيل وبالذات تحت رئاسة نتانياهو، فليفعلوا ما يفعلون. أنا لا أدري عنهم شيئاً.