كتبت عن خطاب باراك أوباما في القاهرة في الرابع من الشهر الماضي، وعن رد بنيامين نتانياهو عليه في جامعة بار ايلان في 14 من الشهر نفسه، وعدت الى الموضوع في مقالات ذات علاقة بعد ذلك، غير انني أكتب من جديد اليوم، وأنا مدين لأفكار وملاحظات تستحق التدوين في مقالات لداعية السلام الإسرائيلي يوري أفنيري والبروفسور سري مقدسي، أستاذ الإنكليزية والأدب المقارن في جامعة كاليفورنيا، والمعلق الأميركي وليام فاف. أفنيري كتب تحت العنوان «عندما يقول بيبي نعم، ماذا يقصد؟» والدكتور مقدسي كان عنوان مقاله «اللغة التي تبرئ اسرائيل». وفاف تحت العنوان «سوء نية اسرائيل في موقفها التفاوضي»، ومع ان هذا المقال الأخير سبق خطاب رئيس وزراء اسرائيل بشهر، فقد عدت اليه لأن المقال توقع ما سيقول نتانياهو وبدا كأنه يعلق على خطابه التالي. راجعت نص الخطاب مستعيناً بما سبق، وقرأت نصه بالانكليزية كما وزعته جريدة «ها آرتز»، وهكذا فالتالي يعكس جهد أربعة كتّاب لا واحد فقط. أول كلمة في خطاب نتانياهو السلام الذي هو رغبة الإسرائيليين، وهذا كذب، فنتانياهو يريد أن يستسلم له الفلسطينيون والعرب والمسلمون، والجملة الثانية في الفقرة نفسها بدأت بكلمة «أنبياؤنا» الذين زعم نتانياهو انهم كانوا دائماً يريدون السلام، وهذا كذب أيضاً، فالتاريخ الذي سجلته التوراة يقول انهم ارتكبوا مجازر وابادة جنس وقتلوا الرجال والنساء والأطفال حتى الرضع، والغنم والحمير. ويكمل نتانياهو كذباً في الفقرة الثانية ويقول انه شكل حكومة وحدة وطنية مع ان الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات، وهو كاديما، خارج الحكومة، ويبقى الخطيب في حيز الكذب في الفقرة الثالثة وهو يقول ان ايران خطر على اسرائيل والشرق الأوسط، بل على الإنسانية. والخطر هو من دولة نازية جديدة تملك الأسلحة النووية لا من دولة قد تملكها في المستقبل. أستطيع أن أسجل الكذب في كل فقرة تالية إلا أنني أتجاوز ذلك الى الأهم ونقطة أثارها افنيري تستوجب إعادة قراءة كلمات نتانياهو فهو في شرح أفنيري لم يقل فقط «دولة يهودية» كما نقلت عنه الصحف خطأ، وانما قال دولة - أمة للشعب اليهودي (nation - state of the Jewish people). ووجدت انه لم يقل أبداً الشعب الفلسطيني وانما تحدث عن السلطة الفلسطينية والفلسطينيين والجالية أو المجموعة الفلسطينية (Community)، والجيران الفلسطينيين. إذا اعتبرنا ما سبق شرطاً أول للتفاوض من دون شروط فإنني أكمل بشروط أخرى تتجاوز الأربعة أو الخمسة التي سجلتها في أول تعليق لي على الخطاب، وهكذا: ثانياً، رفض الانسحاب لأن اسرائيل انسحبت في السابق من دون أن يؤدي ذلك الى سلام. ثالثاً، ان تفرض السلطة حكمها في غزة، أي حرباً أهلية مع حماس. رابعاً، أن تكون الدولة الفلسطينية مجردة من السلاح، مقابل اسرائيل نووية، وأن تسيطر اسرائيل على حدودها وفضائها، أي لا دولة. خامساً، القدس تبقى عاصمة موحدة لإسرائيل، ما ينسف أي مفاوضات قبل أن تبدأ. سادساً، وجود حدود بين اسرائيل وفلسطين يمكن الدفاع عنها، والمعنى الوحيد هو البقاء في المستوطنات داخل 22 في المئة من أرض فلسطين. سابعاً، حل مشكلة اللاجئين خارج أراضي اسرائيل، وهذا مستحيل آخر ينسف المفاوضات من أساسها. ثامناً، عدم تجميد الاستيطان، فكل كلامه يعني الاستمرار في الاستيطان، ان بإكمال مشاريع موافق عليها، أو بالنمو الطبيعي. وقد أزيد هنا شرطاً تاسعاً من وحي رأي للمعلق الأميركي فاف، فحديث نتانياهو عن التفاوض من دون شروط مسبقة يعني الغاء شروط الرباعية وخريطة الطريق واتفاقات أوسلو، والبدء من نقطة الصفر. وضاق المجال، والدكتور مقدسي يلاحظ أن نتانياهو قال تكراراً إن هناك شعباً يهودياً يقيم في بلده وجماعات فلسطينية داخل هذا الوطن اليهودي، وهي كذبة أخرى حتى لو عاد نتانياهو 3500 سنة الى الوراء فتاريخهم يقول انهم وجدوا في البلاد فلسطينيين، وارتكبوا ضدهم جرائم حرب كما يفعلون اليوم. الدكتور مقدسي لاحظ ان القاموس الأميركي في التعامل مع الوضع يضم مفردات من نوع معتدل ومتطرف بالنسبة الى الفلسطينيين (moderate/ extremist) وحمائم وصقور بالنسبة الى الاسرائيليين (doves/ hawks)، أما ما ترتكب اسرائيل فهو «مستوطنات» أو «ضواحي»، مع انه «مستعمرات» كما سماها الفلسطينيون في الأصل (أي Colonies، وليس neighborhoods أو settlements). نتانياهو يذكرني بالأعور الدجال فهذا زمانه.