بات المستثمرون السويسريون يتريّثون إلى حدّ الانتقائية في توظيف أموالهم وممتلكاتهم، بعدما تغيّر عصر الاستثمارات وأصبحت خاضعة لقوانين تعجز حتى أكبر الدول الغربية، عن السيطرة عليها. ويُعتبر مديرو صناديق التقاعد الأكثر حذراً في الاستثمار في صناديق التحوط، لأن خسائرهم في صناديق كهذه تجاوزت 40 مليون فرنك سويسري، ما يعني أن البدائل المتاحة لهم، كما صناديق التحوط وأسهم الشركات الخاصة، لا مجال لأخذها في الاعتبار على المديين القريب والمتوسط. ويجمع المحللون على توسّع الثغرات غير المرئية، الفاصلة بين المستثمرين من جهة، وصناديق التحوط والمصارف الكبرى المشرفة على تسويق برامج هذه الصناديق من جهة أخرى. لذا باتت هذه البرامج مشوهة وملطخة بسمعة تجعلها تقترب يوماً بعد آخر من درجة المنتجات المالية غير المحظية بثقة مؤسسات التصنيف الائتماني. وفي سويسرا حالياً نحو عشرة صناديق تقاعد تدير عشرة بلايين فرنك سويسري. ويُعتبر صندوق التقاعد «بوبليكا» الرسمي، الأكبر بينها إذ يدير 10 في المئة، أي بليون فرنك من هذه الثروة. واستثمرت صناديق التقاعد السويسرية نحو 5 في المئة من أموالها، أي نحو 500 مليون فرنك في صناديق التحوط. وبدلاً من جني الأرباح، تكبدت خسائر حتى الآن تقدر ب 20 مليون فرنك. وفي حال لم تنجح صناديق التقاعد من كبح جماحها الرامي إلى جني الأرباح السريعة في الأسواق المالية من طريق صناديق التحوط، لا يستبعد الخبراء إفلاس البعض منها في السنوات الثلاث المقبلة. وعلى رغم التكاليف المرتفعة، يتجه المستثمرون إلى استبدال مغامراتهم في صناديق التحوط، بالاستثمار في مجموعة من الأسهم وسندات الخزينة الأوروبية التي لا تضمن لهم أرباحاً مرتفعة، بل تشكل برّ أمان موقتاً. في السابق، ومع أن تكاليف الاستثمار في صناديق التحوط، كانت تعادل نحو 1.5 في المئة من المبلغ المتفق على استثماره داخلها، إلا أن الأرباح كانت ممتازة وتتراوح بين 15 و 30 في المئة. في حين اختلفت الأوضاع اليوم، وبات مديرو صناديق التحوط يطاردون المستثمرين لإقناعهم ببرامج يطرح عليها مشغلو الأسواق المالية أكثر من علامة استفهام. على الصعيد الأوروبي، لا تزال صناديق التحوط تلقى إقبالاً جيداً خصوصاً من المستثمرين في دول منطقة اليورو المتعثرة مالياً، ما يتناقض مع ميول المستثمرين السويسريين الراغبين في الهرب من أخطار الأسواق المالية العالية. ولا شك في أن انزلاق صناديق التحوط نحو مشاكل غامضة، بما أنها جزء من دوامة المضاربات المالية العالمية، سبّب قلقاً متعاظماً لدى المستثمرين من الصعب تبديده بسهولة.