مع بداية أيلول (سبتمبر) تبدأ طلبات الأولاد للمدرسة من دون استعداد للتنازل عن أي منها، فملابس السنة الماضية لا تصلح لهذا العام والويل للعائلة التي تعصى أمر أبنائها لأن الرد الجاهز في كل عام هو «سأترك المدرسة إذا لم أحصل على ما أريد». عبارة التهديد تلك، باتت وسيلة الضغط الوحيدة التي يملكها الأولاد لإجبار عائلاتهم على الامتثال لطلباتهم، ولأن الأهل يدركون خطورة الأمر فليس أمامهم إلاّ الخضوع للتسوية المطروحة. أسواق بغداد وباقي المدن العراقية تضج بملابس المدرسة من مختلف الألوان، لكن الأبيض والأزرق والرصاصي تطغى لأنها الأكثر اعتماداً في المدارس التي تعتمد الزي الموحد. قرطاسية المدرسة ودفاترها وأقلامها التي توّزَع مجاناً لا تصلح لجميع أفراد العائلة الملزمة بتوفير ما تجود به السوق المحلية من موديلات للدفاتر والأقلام والألوان. أمّا حقيبة المدرسة فحكاية طويلة تبدأ من الموديل ولا تنتهي عند النوع، ومن أبرزها حقائب «سبونج بوب» و «السنافر» وباقي الشخصيات الكارتونية الشهيرة للصغار، وحقيبة «مراد علم دار» وباقي رفاقه في المسلسلات التركية للكبار... فالموضة «تحكم الشارع». وتقدِّم المدارس لائحة بطلباتها للأهالي التي تبدأ بالأقساط، التي ارتفعت بنسبة تتراوح بين 40 و60 في المئة كل عام، وتنتهي بتغيير بعض القوانين المتعلقة بطريقة دفع الأقساط والزي الموحد، الذي تتغير ألوانه من عام لآخر فتضطر العائلات لشراء ملابس جديدة لأطفالها. تحركات فردية تجهد لإقناع المدارس بإبقاء الأقساط من دون زيادة للطلاب القدامى وشمول الجدد منهم بالزيادات فقط، وعلى رغم أن بعض الجامعات العراقية قرر بالفعل العمل بهذا المقترح، لا تزال المدارس غير مقتنعة بالفكرة وأجور الدراسة للصغار في ارتفاع سنوي من دون توقف. أولياء الأمور من ذوي الجيوب المنتفخة باتوا هم الآخرون عرضة لاستغلال المدارس التي تطالبهم بالتبرعات في شكل سنوي. أما اختيار المدرسة فغالباً ما يتم على أساس التجربة، والحكم عليها من خلال العام الدراسي الأول للطفل فيها؛ ويتمسك الكثيرون بالمدرسة التي ترفع من مستوى أبنائهم العلمي على رغم ارتفاع أقساطها، والمدارس التي لا تقدِّم الكثير للطلاب تفقد طلابها بعد عام أو عامين. سمعة المدرسة وشهرة مدرسيها، الدافع الأول للأهالي إلى تسجيل أبنائهم فيها، وليس قيمة القسط الدراسي، فالمدارس التي تطلب أقساطاً مرتفعة تستبعد من اللائحة لمجرد أن تنال منها أقاويل أو شهادات من جربوها. سمعة المدرسين أيضاً تلعب دوراً في القضية فإذا ما كان مدرس الفيزياء والكيمياء أو العلوم ممن يقومون بوضع أسئلة البكالوريا فالمقاعد الدراسية في تلك المدرسة يتم حجزها منذ بداية العطلة الصيفية، بخاصة في ظلّ تراجع مستوى المدارس الحكومية.