أن يكون الإعلام امتداداً مسؤولاً للواقع، شيء، وأن يكون انعكاساً انتقائياً وموجهاً، شيءٌ آخر، إذ بين هذا وذاك حديث آخر، وذلك لما للإعلام من أهمية في إعادة تشكيل الواقع، بعد أن تجاوز مرحلة نقل الحدث. تقليدياً كان الدور المنوط به، إيصال «الحقيقة» للمتلقي من خلال تزويده المعلومة «الصحيحة»، أمر يبدو مثالياً أكثر منه واقعياً، وذلك لجملة تحديات، أهمها: قدرته على أن يكون إعلاماً مستقلاً وشفافاً، وهو ما يبدو متعذراً حتى الآن. ثانياً- أن يقف بمهنية على مسافة واحدة من كل الأنساق الفكرية والسياسية. وهذا ما لم يحدث أيضاً، فالإعلام الرسمي ممسوك من الأنظمة المهيمنة على الدولة، أما الإعلام الخاص فهو محكوم بمصادر تمويله، وبالتالي فهو إعلام وظيفي، لخدمة مموليه، سواء كانوا أفراداً أو منظمات أو دولاً. من هنا تصبح الحقيقة والمعلومة وسيلة وليست غاية. ثالثاً: انعدام الرؤية النقدية والعقلانية لدى المتلقي، حيث يلعب دور المنفعل بدل الفاعل، وذلك على خلفية استسلامه لمشاعره ورغباته، فيتعامل مع القنوات الإعلامية والشخصيات السياسية والثقافية من منطق الحب والكره، وأمام هذا الخواء المعرفي، يقوم الإعلام بملء هذا الفراغ، وهنا تحدث أكبر عملية لتزييف الوعي الجماهيري. على هذا الأساس يصبح الإعلام ممسوكاً، فالحرية التي يتحرك بها محكومة بمصالح القائمين عليه، وهذا ما حدث مع الإعلام الغربي على سبيل المثال، إبان دعم المجاهدين الأفغان ضد حكم نجيب الله، وتقديمهم كثوار للحرية والديموقراطية!. من ثم اعتبارهم إرهابيين بعد أحداث 11 أيلول، والشيء نفسه حدث في الحرب على العراق. بعد الاغتيال الرمزي لأسامة بن لادن، تم تسويق الإسلاميين الجدد ممثلين بالإخوان المسلمين، كبديل أساسي عن الأنظمة التي نفد دورها، في مشروع الربيع العربي، وأيضاً عن إسلام القاعدة، وهذا ما عملت عليه الجزيرة القطرية، إذ جاءت في لحظة موات الإعلام الرسمي، حيث كان إعلام أنظمة لا إعلام شعوب. دخلت الجزيرة كمدحلة في الشارع العربي، لتعبد الطريق أمام ديموقراطية الإخوان بتنظير فقهي من القرضاوي وآخرين، والمؤسف في الأمر أن كثيراً من النخب العربية صدقت هذه الديموقراطية، وغاب عن ذهنها أن هذا الرجل قد طالب بتطبيق حد الردة على العلمانيين، كونهم يطالبون بفصل الديني عن السياسي، معتبراً أن الإسلام ليس كالمسيحية. ولأن الضرورات تبيح المحظورات، ارتضى الإخوان تكتيكياً بتغيير خطابهم السياسي، فقبلوا بفكرة دولة المواطنة مرحلياً، لينشئوا من رحم الجماعة أحزاباً سياسية تقبل باللعبة الديموقراطية، نقول تكتيكياً لأن انتماءهم الفعلي للتنظيم العالمي العابر للدولة، يهدف إلى تطبيق الشريعة في كل مكان يصلون إليه، وهذا ما لا يستوي مع فكرة دولة المواطنة والديموقراطية السياسية. الإخوان في سورية ليسوا استثناءً، فإضافة للدعم الغربي لهم، روجت النخب الفكرية والسياسية كالدكتور برهان غليون والأستاذ ميشيل كيلو لميثاقهم السياسي، حيث أثنى الأخير على الميثاق، قبل أن يساوره الشك، غداة عزمهم تشكيل حزب سياسي للمرحلة الانتقالية، ورؤيتهم للديموقراطية من منظور إسلامي!، بأن العداوة للنظام من قبل المعارضة مشروعة، لكن علينا ألا نغفل أعيننا عن بقية المشهد، فالمراقب العام رياض الشقفة، يقول إن ليس لديه علم بأن لواء إسكندرون أرض سورية، ترى لو كانت إيران هي من تحتله، فهل سيكون لديه علم؟. والإخواني الدغيم على شاشة المستقلة، ليست لديه مشكلة إذا ألحقت اللاذقية باللواء، المهم أن يخلص من النظام!. أحد شيوخ الثورة على شاشة الشباب المصرية، يطالب بالثناء على جهود المجاهدين القادمين إلى سورية بدل إنكار وجودهم، دون أن يدرك أنه بذلك يفتح الباب أمام مناصري النظام بالدخول والقتال إلى جانبه!. لقد رُفع شعار الرسول قائدنا إلى الأبد، مقابل الأسد إلى الأبد، فعن أي ثورة وديموقراطية بتنا نتحدث!. يحاول البعض تسويق فكرة أن النظام هو من أوجد القاعدة، وهذا تبسيط للحقيقة، حيث يعلم الجميع أن معظم الدول استغلت فكرة القاعدة. وما تتحدث به وسائل الإعلام الغربية، عن دخول المئات من العناصر الجهادية لم يعد خافياً على أحد، ثم يكفي أن نجيل النظر في مسميات فصائل الجيش الحر، لندرك أنه جيش إسلامي، فهل من تعليق لعلمانيي المعارضة؟. لو كان المجلس الوطني مستقلاً بقراره السياسي ومتحرراً من سيطرة الإسلاميين، لتصدى لهذه الظاهرة الخطيرة، وأغلق الباب في وجه المزايدة السياسية التي يقوم بها النظام، لكن الأمر في حقيقته لا يعدو إلا صراعاً على السلطة، تحت مسمى الخلاص من الديكتاتورية، مقابل مؤامرة تنفذها معارضة عميلة، وبين المسميين، نفقد الديموقراطية والدولة، فيما الفقراء يخوضون حرب الأغنياء!. يدخل برهان غليون متخفياً، يأخذ صوراً تلفزيونية ويغادر، فأين هذه الرموز من غاندي ومانديلا وغيفارا، وغيرهم ممن كانوا يتقدمون الصفوف؟. لو أردنا تبسيط الأشياء، لقلنا إن موازين القوى هي ما يحسم المعارك، ولو أن قيادات المعارضة همها الشعب وليس الدول الداعمة لها، لاستغلت تعاطف العالم مع حراكها السلمي، ولأحرجت وألزمت الأسد بخريطة إصلاح حقيقية، تبدأ بانتخابات برلمانية تحت إشراف دولي، تفضي إلى دستور جديد، كمقدمة لانتخابات رئاسية يقول فيها الشعب كلمته، تحاشياً للحرب الأهلية. أما القول إن أيام الأسد باتت معدودة أو أن المؤامرة انتهت، فهذا هو الدجل السياسي بعينه. يخطئ النظام حين يعتقد أن وجود القاعدة سوف يغير من موقف الولاياتالمتحدة، فهي تتبع سياسة القط والفأر، إذا أرادت أن تحتل بلداً ترسل التكفيريين عبر قياداتهم لتخريبه، ومن ثم تتدخل بحجة إنقاذه، وهذا ما فعلته في أفغانستان والعراق، والآن يُحضّر لمالي وسورية والحبل على الجرار!. * كاتب سوري.