في مادة بعنوان «العدمية الثقافية إذ تستوي تبريراً أو هروباً إلى الأمام» للزميل عبدالله الحلاق، نُشرت بتاريخ 25 كانون الثاني (يناير) 2012، تناول كتاباتي، وبالأخص مادة «الدين وثورات الربيع العربي» (13 كانون الثاني) في صفحة رأي وأفكار. ولا شك في أن النقد كفعل ثقافي يعني إحياءً للأفكار بعد موتها بفعل الكتابة، لكن ما حدث بعيد كل البعد من النقد، إذ كان أقرب إلى التهجم والشخصنة، مما أفقده موضوعيته التي تقتضي أن يكون وازناً في معالجته، فيقول ما له وما عليه استناداً للخلفية التي يتحرك على أساسها، فلا تكون النظرة في الثقافة سلبية بالمطلق أو إيجابية بالمطلق، لأن هذا يدخلنا بالثنائية المانوية في الحكم على الأشياء والأفكار، حيث يؤسس هذا الفرز لمنطق إقصاء الآخر، الشيء الذي لا يريده السيد عبدالله الذي يدعوني للتمرن على الديموقراطية! لقد حمل عنوان المادة «العدمية الثقافية...» والذي جاء كمانشيت نافر وفج، ليجردني فيه من الثقافة، لأصبح أقل من جاهل أو صفر، فقد حكم عليَّ بالعدَم. إذاً لماذا يكلف نفسه هذا العناء! وبما أننا لسنا أمام مادة أدبية، فلا يجوز التذرع بأنها من قبيل المبالغة. ففي ما يخص تخوفي من الإسلاميين والذي يؤكد أنه مشروع، يتهمني ب «سطحية نظرته وعدم دعوته إلى إصلاح ديني عميق». يقوّلني ما لا أقول، داعياً القراء للعودة إلى المادة المنتقدة، حيث يحضر الدين في المادة كعامل ثانوي لا رئيسي، وأنا بدوري أحيله إلى مادتيّ بعنوان «الإسلاميون بين عنف الثقافة والديموقراطية السياسية» و«أسئلة في المسكوت عنه» المنشورتين مؤخراً في موقع الأوان، ومادة «الإقصاء في الخطاب الإخواني» والتي رددت بها على المرشد العام السابق للاخوان في مصر مهدي عاكف، حين قال: «طز في مصر العلمانية». لقد كتبت بداية الثورة المصرية من على هذا المنبر «الإخوان والفرصة الثمينة» في وقت كان الجميع يقلل من دور الإخوان، وأنا هنا لست ضدهم لأنهم مسلمون، ولكنني ضد خطابهم الثقافي قبل السياسي. والكل تابع موقف الإخوان حول عزمهم على تطبيق الشريعة، وذلك في ردهم على السلفيين الذين يريدون تطبيقها على مراحل. هنا يحضرني مثل شعبي يقول: «اللي بيجرب المجَرَب بيكون عقله مخرب». أما قوله «أحكام مسبقة، تنافر في الأفكار، فلا يخرج المرء بفكرة واضحة من المقال»، فهذه مشكلة تتعلق بالمتلقي ولا أظنها من النص. وإلا ما كان له أن يجد طريقه للنشر في موقع لم يُعرف عنه تقديمه لنصوص هابطة بهذا المستوى! وفي ما يخص حديثي عن فكرة تقديم الغرب لواجهة ليبرالية وأقصد المجلس الوطني المعارض، فأنا لست وحيداً في ذلك وأحيله إلى الدكتور هيثم مناع الذي تفاجأ بانضمام البروفسور برهان غليون إلى مجلس ذي أغلبية إخوانية، وبما أننا بصدد الحديث عن السيد غليون، فأود تذكيره بدراسة لي بعنوان «برهان غليون بين علمانية مفترضة وديموقراطية غائبة»، عندما اعتبرها دراسة رائعة، وأنه راسل غليون باسمي، وقد أجابه بتوضيح بعض ما جاء في الدراسة. أعود لفكرة تغليف المعارضة الإسلامية بواجهة ليبرالية تسهل على الغرب تمريرها، معتبراً ذلك «خوفاً لا يحل بتبسيط كالذي قرأناه في مقالة الكاتب». فماذا يقول عن تسويق الولاياتالمتحدة لشخصية أحمد الجلبي، ليكون كارزاي آخر بديلاً عن صدام حسين؟ ألم تكن الأحزاب الدينية والإثنية البديل؟ ألم يصدع الإعلام الغربي وعلى رأسه الأميركي رؤوسنا، حين قدم أمراء الحرب الجهاديين في أفغانستان، على أنهم طلاب حرية وديموقراطية في خروجهم على حكم نجيب الله؟ وها هي أميركا ترتب لانسحابها، بتفاوضها مع «طالبان» شقيقة «القاعدة»؟ وصولاً إلى إعلان رئيس المجلس الانتقالي للثورة الليبية عزمه تطبيق الشريعة الإسلامية، وانتهاءً بحديث النهضة التونسية عن خلافة سادسة! بعد كل هذا يتهمني بالتوقعات السحرية والأحكام المطلقة، فهل ذنبي إن كان ينطبق عليه مَثل النعامة التي تدفن رأسها في الرمال؟ أقول كلامي هذا رداً على مادة خرجت عن سياق أدبيات السجال، بقوله: «هناك مثقفون ليبراليون ويساريون وعلمانيون محترمون اقترنت تنظيراتهم بالعمل الميداني في الشارع بعكس غيرهم، بدلاً من البكاء والمراوحة في المكان خوفاً من إسلام سياسي». الكلام لا يحتمل التأويل، فأنا من المثقفين غير المحترمين، نكتفي بالبكاء والمراوحة خوفاً من الإسلام السياسي. ولن أعلق على موضوع كوني محترماً، وإن كنت أتمنى عليه ألا يصل إلى هذا المستوى، احتراماً للمنبر الذي يكتب فيه. أما مسألة البكاء فلا أدري من أين أتى بها. وبخصوص المراوحة والخوف فهذا شيء لا يستوي مع من يكتب ضد الأنظمة المستبدة وضد إسلام سياسي إلغائي كفّرَني في أكثر من مكان وهو يعلم ذلك. ويختم الأستاذ الحلاق مقالته بعبارة «تاريخنا ليس شيفرتنا الوراثية... وما من طبع قارّ وغير قابل للتطور لدى البشر على مر الأزمان»: عبارة يصدرها كحقيقة مطلقة لا تحتمل النسبية، في إشارة إلى حتمية تغير القوى الإسلامية، بينما يجزم بشكل قطعي بعدم إمكانية تغير النظم السياسية الحاكمة! تناقض أوقع نفسه به من خلال خاتمة المقال. كلمة أخيرة تتعلق بمسألة الديموقراطية ومحاولة تمرير فكرة أنني أطالب الشعب أن يتعلمها أولاً قبل أن يطالب بها. ففي هذا افتراء، لأنني كنت أتوجه بكلامي هذا إلى النخب السياسية وليس إلى الناس البسيطين، وأنا أحدهم، معدم ثقافياً، فكيف لي أن أكون نخبوياً! * كاتب سوري