تلقت مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوقية في روسيا ضربة قوية بعد إعلان موسكو قرارها اغلاق ممثلية الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في العاصمة الروسية. وحذر حقوقيون روس من أن هذا التطور يدخل ضمن مساع ل «إعادة بناء جدار فولاذي سوفياتي»، وأعتبروا القرار «شهادة وفاة» لآلاف البرامج الإنسانية والبيئية الهادفة لمواجهة مشكلات كبرى، فيما اعتبرت أوساط أميركية القرار الروسية «صفعة» لإدارة الرئيس باراك أوباما ونقطة النهاية لعملية «إعادة تشغيل» العلاقات بين البلدين. وأثار الإعلان عن انهاء نشاط الوكالة في روسيا عاصفة من الجدل في أوساط المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني التي باتت غالبيتها الساحقة مهددة بوقف نشاطها بشكل نهائي أو جزئي. وكانت الوكالة الأميركية تقدم منحاً مالية ومساعدات لآلاف البرامج الإنسانية والقانونية والبيئية على مدى العقدين الماضيين، وبينها برامج حكومية روسية. وقالت الناطقة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند أمس، إن واشنطن اتخذت القرار بالانسحاب من روسيا بعدما تلقت مذكرة من الخارجية الروسية الأسبوع الماضي تضمنت القرار الروسي بإغلاق مكتب الوكالة في موسكو ووقف كل أشكال نشاطها في البلاد. واعتبرت نولاند القرار الروسي «سيادياً»، لكنها أعربت عن الخيبة بسبب الاضطرار إلى «وقف آلاف البرامج التي تعاونت فيها الوكالة مع الحكومة الروسية لمواجهة أمراض خطرة مثل الإيدز والسل، ولمساعدة اليتامى وذوي الاحتياجات الخاصة ومكافحة تجارة الأعضاء البشرية وحماية البيئة ومئات البرامج الأخرى التي قدمت خدمات جليلة للمواطنين الروس منذ العام 1992 وحتى الآن». وأعربت الناطقة عن الأمل في أن «تأخذ الحكومة الروسية على عاتقها مسؤولية مواصلة عمل هذه البرامج». لكنها تعهدت في الوقت ذاته، بمواصلة دعم مؤسسات المجتمع المدني عبر «آليات سيتم البحث عنها». نشاطات سرية لكن موسكو ربطت القرار ب «نشاط مغاير للأهداف المعلنة للوكالة». وقال الناطق باسم الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش إن الوكالة الأميركية «كانت تحاول التأثير في العمليات السياسية الجارية في روسيا». وأوضح لوكاشيفيتش: «لم يكن نشاط الوكالة في روسيا يتطابق في أحيان كثيرة مع أهدافها المعلنة، أي المساهمة في تطوير التعاون الثنائي في المجال الإنساني». وأكد أن عملها في الأقاليم الروسية، «بالدرجة الأولى في شمال القوقاز، أثار تساؤلات كبيرة، ونحن حذرنا نظراءنا الأميركيين مراراً». وفور الإعلان عن التطور، سارعت منظمات المجتمع المدني إلى قرع ناقوس الخطر، واعتبرت القرار الروسي هادفاً ل «تصفية نشاطها»، وتحدث ناشطون عن عشرات من المؤسسات الحقوقية والمدنية التي باتت معرضة لتجميد نشاطها نهائياً أو جزئياً بعد حرمانها من المنح المالية التي كانت تقدمها الوكالة، وبينها مؤسسات بارزة لعبت أدواراً مهمة خلال العقدين الماضيين مثل «مجموعة هلسنكي الحقوقية» ومنظمة «ميموريال» اللتين وجهتا نشاطهما للكشف عن انتهاكات حقوق الانسان خصوصاً خلال الحرب التي دامت عشر سنوات في منطقة القوقاز. كما أعلنت مؤسسة «غولوس» لمراقبة الانتخابات عن اتجاهها الى تجميد نشاطها، وقالت مديرة المؤسسة ليليا شيبانوفا إن «برامج مراقبة انتخابات المجالس المحلية المقررة الشهر المقبل، تعرضت لضربة قاتلة ولن نتمكن من مواصلة عملنا اذا لم نجد مصادر تمويل أخرى وهي مهمة مستحيلة في هذه المهلة القصيرة». وكانت «غولوس» بين أبرز المؤسسات التي كشفت وقوع انتهاكات كبرى في انتخابات مجلس الدوما (النواب) نهاية العام الماضي. «عملاء الاجانب» وربطت مديرة «مجموعة هلسنكي» لودميلا اليكسييفا القرار بصدور قانون تقييد نشاط المنظمات المدنية الذي أطلقت عليه تسمية «عملاء الأجانب» واعتبرت أن ضحية القرار ليست الوكالة الأميركية «بل الشعب الروسي الذي خسر خدمات الاستشارات القانونية وعشرات من الخدمات التربوية والتثقيفية التي قدمناها مجاناً للمواطن الروسي خلال عقدين». وكان القانون الذي أقره مجلس الدوما قبل شهور وضع قيوداً صارمة على نشاط منظمات المجتمع المدني وألزمها بتسجيل نشاطها ومصادر تمويلها في مكتب خاص يشرف على نشاط «عملاء الأجانب». وأثارت تسمية القانون عند اقراره حفيظة مؤسسات المجتمع المدني، قبل أن يأتي القرار الأخير ل «يقضي على نشاطها تماماً»، كما قال رئيس منظمة «من أجل حقوق الانسان» ليف لوناموروف الذي شدد على أن الناشطين الروس «يرفضون أن يسجلوا أنفسهم تحت هذه التسمية» واعتبر التطور الأخير «مؤشراً سلبياً جداً لتطورات منتظرة». واعتبر لوناموروف أن «روسيا اتخذت قرارها بالإنعزال وسوف تخرج كل الصناديق الدولية وتكمم أفواه المؤسسات الحقوقية والانسانية والبيئية». وزاد أن «التطورات الجارية وبينها تبني القوانين الصارمة والحديث عن تشديد القيود على الانترنت وتوجيه ضربة قاضية لمؤسسات المجتمع المدني، كل هذا يدل إلى أن روسيا تتجه لإعادة نسخ تجربة الاتحاد السوفياتي وبناء جدار فولاذي جديد». وأيد مدير «معهد دراسات أميركا وكندا» الكسندر كريمينوك هذه المخاوف عندما أعلن أن القرار الروسي يعني «القطيعة مع الإدارة الأميركية» وحذر من تصعيد مقبل. وسارعت أوساط أميركية إلى انتقاد قرار موسكو واعتبر السناتور جون ماكين التطور «إهانة للولايات المتحدة، وضربة قوية لإدارة أوباما» ويضع نهاية لعملية «إعادة تشغيل العلاقات» التي فاخرت ادارة أوباما بتحقيقها.