عدا «الرمزية» التي حملها فوز شاعرة بجائزة «شاعر عكاظ» للمرة الأولى، وتسلمها البردة من الأمير خالد الفيصل شخصياً أمام جمهور غفير، في بلد تواجه المرأة تحديات صعبة، لم يعوض نيل الشاعرة السودانية روضة الحاج تلك الجائزة حجبها العام الفائت، كما لم يشكل، وفق شعراء ومثقفين، إضافة نوعية للجائزة، التي كان يتوقع لها بعد فوز الشاعر اللبناني شوقي بزيع قبل عامين، أن تشهد تنافساً قوياً بين كبار الشعراء في العالم العربي. شاء مهرجان «سوق عكاظ» الذي انتهت دورته السادسة قبل أيام أن تذهب الجائزة (80 ألف دولار وبردة موشاة بالذهب) إلى امرأة، ربما سعياً إلى إعادة الاعتبار لخنساء الشعر، وتحية لنضال المرأة على كل الأصعدة، وربما لإحراز سبق فريد من نوعه بقصد الترويج لنفسه، أو لعل المنافسة خلت من ترشيح شعراء كبار لأنفسهم، فلم يتم الإعلان عن قائمة بالمرشحين، فكانت روضة الحاج الأجدر بالفوز، بيد أنه في كل الأحوال لا يبدو أن هناك ارتياحاً كاملاً بفوز هذه الشاعرة، التي يعتبرها شعراء سودانيون لا تمثل اللحظة الشعرية الراهنة في بلادهم، ويرون أنها شاعرة تعيش في كنف المؤسسة الرسمية، وتتنعم بامتيازاتها. الأمر لا يقتصر على الشاعرة الفائزة، إنما ينسحب أيضاً على البرنامج الثقافي ولائحة المدعوين العرب، التي خلت بدورها من أسماء بارزة بخاصة على مستوى الشعر. عليه، فالكلام عن طفرات يحققها المهرجان من سنة إلى أخرى، وعن رسوخه في المشهد الثقافي، لا يعدو ضرباً من الأمنيات التي لن تتحقق في سهولة، وتحتاج إلى عمل دؤوب ومثابرة من القائمين على البرنامج الثقافي تحديداً لتتحول واقعاً. وحتى لا نظلم المهرجان، فإن أمراً في غاية الأهمية تحقق له في هذه السنة، نعني الخيمة التي أنشأتها شركة ابن لادن في وقت قياسي، وكلفت أربعين مليون ريال سعودي (أكثر من عشرة مليون دولار)، وأهدتها الشركة إلى المثقفين. حضور هادىء من جهة أخرى، يحظى مهرجان سوق عكاظ بدعم سخي، وبمتابعة دقيقة من رئيس اللجنة الإشرافية العليا للمهرجان الشاعر الأمير خالد الفيصل، الذي يحرص على أن يأخذ هذا المهرجان موقعه كواحد من أهم التظاهرات الثقافية في الوطن العربي، غير أن هناك ما يجعل من تقدمه، سنة تلو سنة، بطيئاً. يرى الناقد سعد البازعي أن هناك جهداً يبذل لتطوير المهرجان، «هناك تطوير على مستوى البنية التحتية، ومنح مساحة كافية للفنون الشعبية، وإتاحة الفرصة للناس بالمشاركة والحضور في شكل خالٍ من توترات الجنادرية». وأشار إلى أن قربه من نائب رئيس اللجنة الإشرافية الدكتور سعد مارق، وزميله في مجلس الشورى، يجعله يدرك حجم الرغبة في تطوير المهرجان، «ولكن من الواضح أن ثمة صعوبات لا أعرف تفاصيلها»، مؤكداً، أي البازعي، حاجة المهرجان إلى تطوير، «سواء في التنظيم أم في عمل برامج الضيوف، فالبرنامج لم يتغير عن العام الماضي مثلاً». أما حول الشاعرة الفائزة فيقول البازعي، الذي كان أحد المشاركين في البرنامج الثقافي، إنها «تقدم قصيدة تقليدية تجيد بناءها ولغتها، لكنها باتت مستهلكة، ومع ذلك فمرأى الشاعرة تتوج أمام الناس ليس مألوفاً في بيئة متشددة، وهو من دون شك مشهد رائع». فيما عبر الشاعر مسفر الغامدي الذي يعد من أبرز الشعراء الشباب في السعودية، عن بعض التحفظات عن بعض آليات الاختيار في عدد من الجوائز، «ولا سيّما جائزة شاعر عكاظ التي ينبغي إعادة النظر في شروطها وآليات اختيارها ولجان تحكيمها، حتى تكون على مستوى الرمز التاريخي الذي تحمل اسمه، والمكان الذي تنتمي إليه». الشاعر والناقد السوداني محمد جميل أحمد أكّد أنه من المجازفة، «القول إن الشاعرة السودانية روضة الحاج هي تمثيل للحظة الشعرية في السودان، ليس فقط لأن روضة تعتبر شاعرة مميزة في الذائقة العامة، بل لأن رهان اللحظة الشعرية ذاته سيظل ملتبساً عند افتراض لحظة شعرية ما. ويقول: إنه إذا كانت روضة الحاج قد حظيت بتعويم صوت السلطة في مناخ لا يفرز أصواته الشعرية الحرة عبر منافذ الحرية، ولا يختبر ذائقة الناس بأصوات الشعراء والشاعرات السودانيات بمحض القياس الإبداعي، سيكون افتراض اللحظة الشعرية الراهنة على تجربة الشاعرة روضة الحاج ظلماً للشعرية السودانية وأصواتها المتعددة. ولو افترضنا لحظة شعرية ما، نستطيع أن نفكر - ضمن شعراء التفعيلة - بالشاعر محمد مدني مثلاً فضلاً عن مروحة من الشعراء هنا وهناك يكتبون في المنافي تجارب قوية في فضاء قصيدة النثر». في المهرجان أكّد الأمير خالد الفيصل أن خيمة عكاظ «وجه للحضارة ونافذة على المستقبل ومسرح للفكر والإبداع». وقال: «هذه سوق عكاظ الجديدة، سوق للإبداع الإنساني ولجميع أنواع النهضة والإبداع، وعليه لا بد من أن يكون هناك مشاركات من المؤسسات الاقتصادية والعلمية والتقنية»، مشيراً إلى أن الإنسان العصري، «لم يعد في حاجة إلى دمعة الماضي، بل إن الحاجة اليوم إلى ابتسامة المستقبل». في ما يخص الفاعليات التي ضمها البرنامج الثقافي، فقد فتحت ندوة «تجربة الكتاب» التي شارك فيها كل من سعد البازعي وعدنان الوزان والسوري محمد زياد كبة والمصري محمد عناني، نافذة على إشكالات ترجمة الأدب العالمي إلى العربية والتأثير، الذي ربما يلحق بالنص ويؤثر في بعض الصور البلاغية فيه. وحذّر المشاركون من الترجمة عبر الإنترنت، لما تتسبب فيه من أخطاء شنيعة تغير معنى النص بالكامل. المسرح السعودي وفي ندوة أخرى، ناقشت هموم المسرح السعودي، حمّل الكاتب السعودي محمد العثيم المشتغلين بالهم المسرحي من مسرحيين وجمعية ومؤسسات ثقافية مسؤولية تهميش المسرح، «كانت استراتجياتهم التخطيطية خالية من وصفة مطورة لصناعة الفنون في السعودية، بخاصة المسرح والدراما والسينما». وقال إن المثقف النخبوي أول من دق مسماراً في نعش المسرح السعودي، بسبب «انكفائه على شيء من القصيد والقصة، متجاهلاً أن المسرح في كل دول العالم هو رأس حرية الثقافة». وأوضح المسرحي المغربي عبدالكريم برشيد في الندوة نفسها، أن ما يُعانيه المسرح العربي حالياً هو «عدم الوقوف على نقطة ارتكاز محددة وصلبة، كما أنه لا نظرية فلسفية تشكل خلفيته، ولا أسئلة أيضاً وجودية كبرى، بل هو مسرح حكايات وأمثولات لا إطار فلسفياً لها، ولا يُثير أسئلة كبرى، وهذا ما جعله قريباً من قشور الواقع». ولفت إلى أن ما يميز المسرح: «أنه ليس مجرد فرجة بل هو احتفال للالتقاء بالآخرين وممارسة الغريزة الاجتماعية كأفراد وسط طقس وجداني نادر، وليس مجرد كائنات آلية، تتفرج على آلة أخرى». وتضمن البرنامج الثقافي ندوة حول «الإبداع النسوي وقناع الكتابة» شارك فيها النقاد بوشوشة بن جمعة (تونس) ولمياء باعشن وحسن النعمي ومعجب العدواني (السعودية)، وقالت لمياء باعشن، التي رفضت أن تقرأ ورقتها من القسم المخصص للنساء، وأصرت على الصعود إلى المنصة والجلوس إلى جانب المشاركين الرجال، إن الكتابة النسائية استمرت ما يزيد على 3 قرون، وأشارت إلى أن مصطلح «الكتابة النسائية» جاء «نتيجة حراك اجتماعي سياسي للمطالبة بحقوق المرأة». وأوضحت أن الكاتبة «تمسك بطرف الخيط المرتبط ببنات جنسها وقضاياهن، وتزداد جرأتها للكشف عن معاناتها، وهنا تكون الكتابة أداة تمرد، وقد تكون الكتابة تحريرياً وتحرياً». وتطرق بوشوشة بن جمعة إلى أن الأدب النسوي «لا يزال يثير من الأسئلة ما يجعله جدلية وإشكالية في مستوى الخصوصية، ومدى حضور هذا الأدب على الخريطة العربية». فيما تناول حسن النعمي مساهمة الرجل في دعم المرأة، مستشهداً بدعم الأديب الراحل غازي القصيبي الكاتبة الشابة رجاء الصانع. وشهد البرنامج الثقافي أمسيتين شعريتين، شارك فيهما أميرة الرويقي (تونس) وسميرة الخروصي (عمان)، والشاعران خالد الخنين وجاسم عسكر (السعودية) وروضة الحاج (السودان) وأياد حكمي (السعودية) وسليمان جوادي (الجزائر). وكان المهرجان استهل برنامجه الثقافي بندوة عنوانها: «شعر عنترة بن شداد»، شارك فيها فاتن عبداللطيف العامر (السعودية)، وأسماء أبوبكر (مصر)، وعبدالحميد سيف الحسامي (اليمن)، وركز هؤلاء على الحياة الاجتماعية لأحد أشهر شعراء العرب في فترة ما قبل الإسلام، الذي عاش خلال الفترة (525 - 601 م)، إضافة إلى جوانب الإبداع في شعره، وأهم الأساليب التي يتميز بها النص الشعري لديه. كما شاهد الحضور على مدار خمسة أيام مسرحية تستلهم محطات من حياة عنترة، ألفها الكاتب المسرحي فهد رده الحارثي وأخرجها أحمد الصمان، وتناولت طفولة عنترة وشبابه وكهولته، مبرزة التضاد الذي جمعه في شخصيته كقاتل شرس ومحب عاشق.