كم كانت زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر مهمة وجامعة في لبنان. وكم كانت كلمة السيد حسن نصرالله التي تبعتها نقيضها بالاثارة والتعبئة الشعبوية من اجل فيلم لا يستحق مثل هذا الاعلان. فزيارة البابا عكست قدرة اللبنانيين على التوحد والتواجد، بطوائفهم المتعددة من مسيحيين ومسلمين، للاستماع الى رسائل الحبر الاعظم التي وجهها ليس فقط الى لبنان بل الى المنطقة بأثرها. فكم كان مهماً ان نرى رجال الدين الاسلامي من السنة والشيعة والدروز مع اساقفة المسيحيين يصافحون البابا ويستقبلونه بالحفاوة والاحترام بعيداً من التشجنات التي عادت الى الواجهة فور مغادرة البابا لبنان. فكانت رسالة البابا رسالة محبة وتشجيع على الحياة المشتركة المسالمة وصيغة التعايش الثمينة للبنان ودول المنطقة البعيدة عن التوترات والحروب. كما كانت رسالة تضامن مؤثرة خص بها الشباب السوري قائلاً لهم انه يقدر شجاعتهم وهو حزين لآلامهم، وانه سيستقبل المعارضة السورية في روما نهاية الاسبوع. جاء البابا ليعطي هذه الرسالة لشعوب الشرق الاوسط. ولبنان الرسمي والشعبي نجح في استقباله وتقديره للزيارة. وكم كان لافتاً ان نسمع ترتيل شبان مسلمين في احد مراسيم استقبال البابا. ان نجاح هذ الزيارة اعاد للاذهان اهمية حوار الاديان، المسار الذي اطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يوليه اهتماماً كبيراً. لكن لسوء حظ لبنان ما ان غادر البابا، رأينا الأمين العام ل «حزب الله» يخرج الى الهواء الطلق لتعبئة جمهوره ضد الولاياتالمتحدة وفيلم احمق لا يستحق مثل هذا الانتشار، ويثير مخاوف المؤمنين بالتعايش من الفتنة. فكانت عبارة عن ضعف للسيد وسياسته الحليفة للنظامين السوري والايراني المستبدين بشعبيهما. فالسيد اعطى بخطابه حبة اثارة لجمهوره لانه مدرك ان تحالفه مع نظام قاتل محكوم بالسقوط سيضعفه داخلياً. لذا اراد اظهار قدرته على تعبئة جماهيره وشن حملة على الولاياتالمتحدة وهو الموضوع الاسهل. هذا الاسبوع، تمر ذكرى مجزرة صبرا شاتيلا الاليمة التي ارتكبها لبنانيون والدولة العبرية منذ ثلاثين سنة. كم يا ترى من مجازر مثل صبرا شاتيلا يرتكبها اليوم النظام السوري. ان لدى لجنة التحقيق الدولية في الجرائم في سورية لائحة سرية باسماء مرتكبي المجازر في سورية من مسؤولي النظام يسكت عنهم حليفه اللبناني «حزب الله» الذي يقدم له كل الدعم والمساعدة لقتل شعبه. فهل هذه مقاومة؟ وما هذه المقاومة التي تدعي ان سلاحها في لبنان هو للدفاع ضد العدو الصهيوني، وحليفها الايراني يعترف بوجود «الحرس الثوري» في البلد وفي سورية. اي دفاع عن البلد الذي يسمح ل «الحرس الايراني» ان يتواجد على اراضيه للمساهمة في مجازر ترتكب يومياً ازاء شعب شقيق. واي مقاومة هذه التي تحرك مشاعر ومخاوف باقي الشعب اللبناني الذي لا ينتمي الى جمهور «حزب الله»؟ ان عدداً من سياسيي لبنان الذين اتوا بالرضا السوري مثل الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي ادركا ان النظام السوري هو على طريق الزوال، ما شجعهم على تبني مواقف تعكس استقلاليتهم وابتعادهم عن هيمنة سورية - ايرانية ضعفت. فكثيراً ما نسمع تعجب ملفت من لبنانيين يدهشون لمواقف الرئيس سليمان التي كادت تكون طبيعية وعادية لولا ماض قريب كان فيه لوم السوري والايراني من مسؤولين لبنانيين خطاً احمر لم يجتازه اي مسؤول كبير في لبنان. ان هذا التغيير ذكر السيد نصرالله بضرورة اظهار وجوده وقوته على الارض رغم ضعف حلفائه الاقليميين وعزلهم الدولي. الا ان مثل هذه الاثارة تسيء الى مستقبل «حزب الله» في ظل التعايش اللبناني وتهدد المجتمع اللبناني بمكوناته.