توقفت الأوساط السياسية أمام خطاب الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله ليل الأربعاء الماضي لمناسبة ذكرى الانتصار على العدوان الإسرائيلي في حرب تموز (يوليو) 2006، واللهجة «العالية والمتشددة» التي تناول فيها مقتل القادة الأمنيين من الصف الأول في سورية فضلاً عن الوضع اللبناني الداخلي. واتفقت مصادر حليفة ل «حزب الله» وأخرى من قوى «14 آذار» وثالثة حيادية، على القول إنه يفترض تفهم لهجة نصرالله التي بدت «مستشرسة» في الدفاع عن نظام الرئيس بشار الأسد، لأنه لا يريد أن يعطي انطباعاً بالضعف إثر الضربة القوية التي تلقاها حليفه الرئيس. ويرى مصدر سياسي حليف للحزب أن لا خيار أمامه سوى التشدد في دعم النظام السوري في هذه الظروف، لئلا يعطي انطباعاً بأن هناك خلخلة في وضع النظام، فيما الحزب وإيران يلعبان ورقة دعمه حتى النهاية ولا يستطيعان الإيحاء بلحظة ضعف مهما كانت الأسباب، خصوصاً أن المحاولة الروسية التوصل الى تسوية لم تنجح، وأخذت التطورات الميدانية تسبق الجهود السياسية. الوضع الميداني يسبق التسوية ويتابع المصدر: «الدول والقوى المؤيدة للنظام تستند في موقفها الى أن الوضع الميداني ما زال في صالحه، بينما جاء تفجير مبنى جهاز الأمن القومي ودخول الجيش السوري الحر الى دمشق ليشككا بهذا الانطباع، وفي الوقت نفسه تمكن الجيش السوري النظامي من صد هجمات المعارضين، ما يدل على أن النظام لم يفرط أو ينهار. والأمور تحتاج الى متابعة الأوضاع على الأرض من الآن فصاعداً في ظل استبعاد التسوية السياسية». ويرى مصدر محايد أن موقف السيد نصرالله المتصلب في دعم النظام أدى الى تراجع الانطباع بأن قيادة «حزب الله» تقوم بمراجعة الموقف من التطورات في سورية على ضوء التطورات الميدانية، في ظل المعطيات عن أن قيادته تخوض نقاشاً داخلياً حول ما يجب أن تقوم به في حال أدت التطورات الى تغيير في النظام السوري لا يستطيع الحزب أو غيره من الحلفاء الحؤول دونه، خصوصاً أن بعض قيادة الحزب أخذ يتلمس في اتصالاته البعيدة من الأضواء مع جهات لبنانية وغير لبنانية، إمكانَ الانسجام مع التطورات في الداخل السوري التي لا تبدو أنها في مصلحة النظام، حتى لو أن خصومه غير قادرين على الحسم الآن. وفي رأي المصدر المحايد أن موقف نصرالله أدى الى «التراجع عن مراجعة» موقفه من النظام. وفي رأي المصدر نفسه، أن الضربة التي وجهت الى نظام الأسد جعلت السيد نصرالله يتعاطى في خطابه على أنه مسؤول عن «ساحتي لبنان وسورية» معاً، في وضعه التطور الحاصل في بلاد الشام، في سياق إقليمي صرف، متجاهلاً دينامية الصراع السوري الداخلي. وفي التوجهات التي حددها للوضع اللبناني كساحة تخضع لتأثيرات التطورات الميدانية السورية، اهتم بطمأنة «جمهور المقاومة» قائلاً: «لا يقلقنّ أحد، فلترتاحوا ولتهدأوا وكونوا مطمئنين»، في سياق حديثه عن السياق الإقليمي للأحداث الذي يستهدف سورية وسلاح «حزب الله» وإمكان شن إسرائيل حرباً عليه... ثم أكد متانة التحالف مع العماد ميشال عون مهما كان الخلاف، وشدد على بقاء الحكومة قائلاً: «نحن نوافق على تحمل كل التبعات، وأن تبقى هذه الحكومة من أجل أن يبقى لبنان مستقراً». ورأى مصدر في قوى «14 آذار» أن السيد نصرالله تصرف على أنه وكيل عن النظام في سورية، خصوصاً أنه الوحيد خارجها الذي نعى القادة الأمنيين الذين سقطوا في انفجار مبنى الأمن القومي، واعتبرهم رفاق سلاح وشهداء، وربط لبنان بالاستراتيجية الإيرانية-السورية، على أن الحزب هو الضلع الثالث في هذه المنظومة، في سياق توصيفه لما يجري في سورية بأنه في سياق المشروع الأميركي-الإسرائيلي الذي يواجه «محوراً يمتد من إيران الى سورية وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين»، مشيراً الى أن المطلوب تدمير هذا المحور وأنه حين فشل سحق المقاومة في لبنان، «باتت الحلقة الثانية إسقاط النظام السوري». كشف السر نعي للنظام؟ يضيف المصدر: «تعاطى السيد نصرالله على أن سقوط القادة الأمنيين السوريين خسارة ذاتية له ولحزبه. وبقدر ما يوحي كشفه لسر تلقيه صواريخ من صناعة عسكرية سورية في مواجهة إسرائيل، بأنه ينعى النظام ضمناً، لأنه يكشف أمراً إستراتيجياً متعلقاً به، فإنه يضع نفسه ولبنان معه في دائرة الخطر، عندما يترك مجالاً للاعتقاد بأن من يعطيه صواريخ متوسطة المدى أو بعيدة المدى، يمكن أن يسلمه أسلحة كيماوية من النوع الذي لا تكف الدول الكبرى عن الحديث عن امتلاك الجانب السوري لها، والتي لا تتوقف إسرائيل عن التهديد بأنها ستضرب الحزب إذا انتقل إليه هذا النوع من الأسلحة. وهذا يعزز المخاوف من التهديدات الإسرائيلية المتواصلة للبنان». أما بالنسبة الى الشق الداخلي من خطاب السيد نصرالله، وتأكيده على بقاء الحكومة وبالتالي تشديده على معالجة خلافات الأكثرية التي تتشكل منها «بالحوار والنقاش والتفاهم وعدم السماح لبعض الأزمات والمشاكل بأن نذهب فيها بعيداً»... فيعتبر المصدر في قوى 14 آذار أن الأمين العام ل «حزب الله» يعلن بموازاة تمسكه بالنظام السوري والدفاع عنه، تمسكَه ببقاء «منظومة» التحالف الحالي التي تتشكل منه الحكومة الحالية، معلناً أنها لن تسقط مهما كانت المشاكل والخلافات». ويقول المصدر نفسه إن «حزب الله» قرر، وفق كلام نصرالله، التضحية على رغم الأضرار الناجمة عما سماه «التوترات السياسية والمعيشية والمطلبية والنقابية» التي تواجهها الحكومة والأكثرية، ودعا جمهور المقاومة الى «الانضباط الشديد» والصبر، من أجل الاحتفاظ بهذه الحكومة والائتلاف الذي تمثله، على رغم مساوئها وثغراتها، مستبعداً بذلك أن يؤدي إقفال طرق وتظاهرات الى إسقاطها، لأنها غطاء لن يتوافر بديل عنه لسياسته، ضمن المحور الذي تحدث عنه». وهذا يترك انطباعاً بأن رئيس الحكومة اللبنانية يشبه رئيس الحكومة السورية من ناحية وزنه ودوره في المعادلة حيث ان قرار بقائه او رحيله ليس في يده. ويقول مصدر آخر في قوى «14 آذار» إن الحزب قرر التعاطي مع التطورات في سورية مستبعداً التغيير فيها، وبالتالي في سياسته في لبنان نتيجة هذا التغيير، نتيجة الإصرار المفترض منه ومن القيادة الإيرانية على القيام بكل ما من شأنه تأمين الصمود لنظام الأسد، وهذا يعني أن طهران تقوم بخطوات عملانية وعملية لضمان هذا الصمود.