من هو المعوق حقاً؟ هل هو ذلك الرجل الذي يتغلب على عجزه الجسدي والذهني ويحقق الإنجاز، أم ذلك الذي أنعم الله عليه بالصحة والعافية، ومع ذلك يرضى بالهزائم ويراوح في مكانه بلا حراك، وبلا عمل، وبلا انتصار؟ ومن هو البطل يا ترى هل هو صاحب الإعاقة مع إرادة حديدية، أم صاحب الجسد المتكامل بلا روح ولا هدف؟ ومن الذي يستحق التقدير، المعوق بإرادته، أم المعوق بإرادة الله سبحانه وتعالى؟ تداعت في ذهني هذه الأسئلة وأنا أتابع الافتتاح المبهر للألعاب «البارالمبية» التي أُقيمت في لندن، وهي الألعاب المخصصة لذوي «الاحتياجات الخاصة»، وقد استطاعت هذه الحفلة أن تحقق نسبة مشاهدة غير مسبوقة وصلت إلى 11 مليون مشاهد في بريطانيا وحدها، وهو ما يدل على اهتمام البريطانيين والعالم بهذه الفئة التي نسى في أحيان كثيرة فهمها وتقديرها، ولم يقتصر الاهتمام على حفلة الافتتاح التي حضرتها الملكة إليزابيث بل امتدت لتشمل مشاهدة ومتابعة بقية أيام المنافسات، والعجيب أن أولمبياد لندن للمعوقين تفوق في الحضور الجماهيري على أولمبياد لندن للأسوياء، وأثبتت أنها لا تقل شأناً عن أولمبياد لندن 2012. إضافة الى رمزية حضور ملكة بريطانيا وتمكنها من بعث رسالة مهمة، مفادها عدم التفريق بين الفئتين المعوقين والأسوياء من الرياضيين، حضر الافتتاح العالم البريطاني ستيفن هوكنغ، الذي يعتبر من أفضل علماء الفيزياء في العالم على رغم اصابته بشلل كلي! وربما أن أمثال العالم «هوكنغ» هم أفضل من يجيبون بأفعالهم على إحدى أسئلتي السابقة، من هو المعوق حقاً؟ وتمكن الصينيون في «البارالمبية» من التفوق على الأميركيين الذين حققوا المركز الأول في أولمبياد لندن، إذ استطاعت الصين انتزاع المركز الأول (95 ميدالية ذهبية)، تلتها روسيا وبريطانيا ليتركوا المركز السادس لأميركا (31 ميدالية ذهبية)، واحتلت أولى دول «الربيع العربي» تونس المركز الأول عربياً، تلتها الجزائر ثم مصر والمغرب، وأخيراً الإمارات بذهبية واحدة والسعودية بفضية، وحققت البطلات العربيات إنجازات مميزة، إذ حطمت اللاعبة المصرية فاطمة عمر الرقم العالمي في رفع الاثقال، وأحرزت ميدالية ذهبية لمصر، وهو انجاز غير مسبوق، ما يثبت أن المعوق قادر على تحقيق المستحيلات إذا مُنح الفرصة الحقيقية والدعم. وقد أحرز المعوقون العرب 21 ميدالية ذهبية «بارالمبية»، على رغم قلة الدعم المادي والاعلامي، بينما لم يتمكن الأسوياء العرب من خطف أكثر من ميداليتين ذهبيتين أولمبيتين فقط، على رغم الدعم المادي والاهتمام الكبير. ولن أنسى مشهد اللاعب السعودي المسمى مجازاً «معوق» البطل هاني النخلي وهو يحتفل متأثراً بفوزه بالميدالية الفضية في رمي القرص أمام أكثر من 70 ألف متفرج ليثبت لي إجابة سؤالي، من هو المعوق؟ وكم أسعدني تفاعل بلايين المشاهدين بقوة مع الإنجازات الفذة للمعوقين لأن انتصار «المعوق» على المجتمع وتحدي اعاقته وقهرها يدل على بطولة أكبر من انتصار الرياضي العادي الذي تتوافر له كل الفرص الطبيعية للتفوق الرياضي! وللأسف أن البعض كان يظن أن أولمبياد المعوقين هو مجرد ترضية لهذه الفئة لكنها في الحقيقة مجرد جزء صغير من اتفاق منظمة «الأممالمتحدة»، التي منحت المعوقين الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، واعتبرت التهميش المتعمد لهذه الفئة جريمة ضد الإنسانية لأنه يعني تعطيلاً لقدرات إنسانية تهوى تحدي الإعاقة وقهر المستحيلات، شكراً لهاني «النخلي» وزملائه الذين علمونا من هو المعوق ومن الذي نستحق أن ننشد له... «فوق النخل... فوق». [email protected] @hishamkaaki