قررت قرية نائية في منطقة بوليا الإيطالية أن تُدرج الفلسفة في حياتها اليومية من خلال الاستشارات الفردية ومن خلال حديقة مخصصة لهذه الشعبة من العلوم الإنسانية التي تعتبر أم المعارف البشرية. وتعود هذه الفكرة إلى رئيسة بلدية هذه القرية التي يعود تاريخها إلى القرون الوسطى، والواقعة قرب ليتشي جنوب شرقي البلاد، والبالغ عدد سكانها 5800 نسمة، إذ أن رئيسة البلدية هذه هي نفسها أستاذة الفلسفة. والهدف من هذه الفكرة، إتاحة الفرصة للسكان للابتعاد قليلاً عن مشاغل الحياة اليومية، ومحاولة الإجابة عن أسئلتهم الوجودية. وتقول إدا فيوري إحدى النساء المتحمسات للفكرة: «هذه التجربة ثورية، إنها تثير الشك وتترك الإنسان في حيرة وتَفكّر». ويدرك القيّمون على هذه الفكرة الصعوبات التي يواجهها الناس في التعامل مع الفلسفة. ولتسهيل هذا الأمر، طبعت البلدية لوحات عليها أسئلة وجودية حول الخلق والخوف والسعادة، بهدف إثارة فضول الناس ودفعهم إلى النظر في الفلسفة. تنظم غرازييلا، وهي حائزة دكتوراه في الفلسفة، جلسات استشارية، وهي تتقاضى 15 يورو عن الحصة الواحدة، وأصبح جدول مواعيدها مكتظاً منذ انطلاق هذه الفكرة في التاسع والعشرين من حزيران (يونيو). وتؤكد أن «الناس الذين يأتون لاستشارتي لديهم أسئلة تختلف باختلاف ديناميكية علاقاتهم، فقد تكون عاطفية كما في حالة الأهل والأولاد، أو صداقات كما هي الحال في مجموعات الشباب، أو غرامية كما هي حال الذين تربطهم علاقات حب». وتنظم البلدية أيضاً نقاشات ومختبرات فلسفية في المدارس والمنشآت العامة. كما أنها تساهم في إضفاء جوّ الفلسفة على القرية، لا سيما في شوارع الوسط التاريخي، حيث وضع كرسي يردّد نصوصاً فلسفية كلما جلس عليه أحد، على مقربة من حديقة غارقة في ظلمة شاعرية تبعث الفكر على الانطلاق. وتقول كونتشيتا لوكاريلا التي تزور القرية: «أعتقد أن الناس إذا مشوا في الشوارع القديمة للقرية وهم يفكرون في ما يسمعون، سيكون ذلك نشيداً حقيقياً للحياة». أثار هذا المشروع حماسة صاحب الملهى في القرية أنجيلو أنكورا (49 سنة) الذي يعتبر أنه لم يخلق ليعيش بل ليعمل كثيراً». ويقول هذا الرجل الذي علق في خانته عبارة «التفكير شيء ظريف جداً»، «بفضل هذه الفكرة، اصبحنا أكثر تفاؤلاً نتعامل مع الحياة بفلسفة!». لكن إثارة الفلسفة في عقول سكان القرية كافة، لم تقابل بترحيب من علماء النفس الذين يتحدثون عن أخطار الخوض في اللاوعي لدى الناس. وتعتبر رئيسة البلدية أن هذه الانتقادات لا أساس لها من الصحة، إذ أن «المنهجية المتّبعة تقف حصراً عند مستوى الوعي، ولا تتدخل بالماضي والبحث فيه، بل تقتصر على الحاضر». وتفيد ماريانا بورلاندو المتخصصة في علم النفس والتي كانت تتجول في شوارع القرية بأن «علم النفس مدين للفلسفة التي هي أمّ كل المعارف الإنسانية... يجب أن ننجح في الحوار معاً». وبمعزل عن التشكيكات والانتقادات، فإن خمس سكان القرية تلقوا استشارات فلسفية. وهي ظاهرة لا تكفّ عن إثارة اهتمام القرى الأخرى... وعلى هذا، فإن فلسفة الشارع قد تصبح يوماً ما مدرسة قائمة بذاتها.