مع اندلاع الثورة المصرية، احتل خبر التحرش الجنسي بمراسلة أميركية عناوين النشرات في القنوات الغربية فطغى ذلك الحدث على سواه في ميدان التحرير، إلى درجة أن أحد زملاء الصحافية (أميركي أيضاً) الذي دعاها إلى عدم المبالغة بالأمر لكون المصريات يتعرضن يومياً لهذا السلوك، اضطر إلى تقديم اعتذار علني متلفز ونزعت عنه ألقابه وبعض صلاحياته المهنية! وفي وقت تثور الشعوب العربية طلباً للحرية والانعتاق من أنظمة استبدادية، يتبين أن حرية الجسد الأنثوي غير مشمولة بتلك المطالب، لا بل تتعرض لمزيد من المضايقات والاعتداءات. وإذا كانت مصر تشهد أقصى حالات التحرش الجماعي المعلن عنه، يبقى أن بلداناً كثيرة تعاني من هذه الظاهرة لكن جدار الصمت لا يزال مطبقاً على ضحاياها. فحتى تقديم بلاغ أو شكوى للشرطة لا يفيد في كثير من الحالات، إما لغياب القوانين ذات العلاقة في شكل كلي، أو لأن القوانين المرعية الإجراء لا تأخذ في الاعتبار التحرش ما لم يتحول اغتصاباً فعلياً. أما مراكز الشرطة، فحدث ولا حرج... هي وحدها مناسبة إضافية لإشعار الضحية بأنها المسؤول الأول عما لحق بها من ضرر معنوي وجسدي. واللافت أن التحرش، ولشدة شيوعه، بات ينظر إليه كقيمة إيجابية للمتحرش بها بصفتها «مرغوبة». فيتندر البعض بالقول إن الفتاة قد تصاب باكتئاب إذا لم يتحرش بها أحد! حتى إن إحدى الأغاني اللبنانية الرائجة تتحدث عن شابة تعاتب حبيبها لأنه لا يعاكسها عندما تمر أمامه، فيما أغنية أخرى تشجع الأم على تربية ابنها ليصبح «أزعر»! تلك قيم بدأت تتسلل إلى العقلية الشابة وتتمكن منها، تكرسها ثقافة تفوق الرجل على المرأة، في بيئة من الكبت الجنسي والقمع السياسي والمغالاة الدينية. تبقى بارقة الأمل في مجتمع مدني ناشط، حتى في أكثر البلدان محافظة، كسر حاجز العيب وبدأ يتحرك فعلياً للتوعية بقضية التحرش سواء في الشارع أم في المدرسة أم في مكان العمل، ويضغط لسن قوانين تحمي الضحية وتردع المعتدي.