إذا كان قانون زرع الأعضاء استغرق ما يزيد على 14 عاماً بين مداولات ورفض وايجاب، فكم يستغرق قانون «زرع الأخلاق»؟ سؤال تفرضه الأجواء الحالية التي تشغل عدداً من الجمعيات المصرية الحقوقية، التي شحذت الهمّة استعداداً لبدء عقد جلسات الدورة الجديدة في مجلس الشعب (البرلمان) المصري على أمل أن يُبصر «قانون التحرش» النور. وعلى رغم أن القانون المقترح يقتصر على الأخلاق الخاصة باحترام حقوق الإناث في ما يختص بالعنف الجنسي، إلا أن مثل هذه النوعية من الجذور تساعد في العمل على تطوير بعض من الممارسات التي تندرج في إطار «الأخلاق المفتقدة». 16 منظمة مصرية غير حكومية بالإضافة إلى عدد من المحامين النشطاء، تكاتفوا منذ عامين من أجل تغيير المواقف والسلوكيات السلبية التي يموج بها المجتمع تجاه ضحايا العنف الجنسي، وخصوصاً النساء، وذلك تحت مظلة أصبحت تعرف ب «قوة عمل مناهضة العنف الجنسي». وقبل أيام من انقضاء العام 2010، قدمت قوة العمل نتاج العامين في صورة «مشروع تعديل قانون العقوبات في ما يختص بالعنف الجنسي». مشروع أثار – وما زال – الكثير من الجدل، بين مؤيّد ومعارض في صفوف المصريين، وهذا متوقع في أي قضية تتعلق بالنساء، وتصل إلى حد الاحتدام لو اقترنت بهن عبارة «الجنس». فهي إما تندرج تحت بند «الحرام» أو «المكروه» أو «الشائك» أو حتى «غير المهم». ومن وجهة نظر تاريخية، فإن الجرائم الجنسية في عرف القانون الجنائي المصري تعود إلى عام 1937، وهو النص الذي يخلو من تعريف واضح، ومن ثم من عقوبة ل «التحرش الجنسي». وتشير قوة العمل إلى جهود سابقة لتجريم التحرش الجنسي، وهي الجهود التي بذلتها منظمات حكومية وغير حكومية ونواب من الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم بهدف إضافة مادة تجرم التحرش الجنسي، إلا أن غالبية تلك الجهود ركزت على التعريف فقط، إذ إن النصوص القانونية التي تجرم أفعالاً مثل «الفعل الفاضح» و «التعرض لأنثى» وغيرها تحوي مصطلحات مطاطة وقاصرة وغير مفهومة حتى بالنسبة الى بعض القانونيين. مواقف كثيرة تتعرض لها نساء وفتيات تحوي أفعال تحرش في الشارع، لكنها تمضي مرور الكرام على الجميع باستثناء الضحية. فالتحدث عن التحرش «عيب»، وإن تحدت الضحية ال «عيب» فإنها تُواجَه باستهجان المجتمع من هذه ال «تفاهات»، أو يتم تحذيرها من مغبة الدخول في دوامة المحاضر والقضايا التي... «لن تسفر عن الكثير». فضلاً عن أن القانون لا ينص على عقاب حقيقي للمتحرش. وإذا كانت الدراسة التي أجراها «المركز المصري لحقوق المرأة» قبل عامين تحت عنوان «غيوم في سماء مصر» وأسفرت عن نسب مئوية وصفها البعض ب «المبالغ فيها»، فهي مقدمة للضغط على الدوائر البرلمانية لتبنّي التعديلات الجديدة التي تهدف الى معاقبة مرتكبي جرائم العنف الجنسي. ووفق نتائج الدراسة، تتعرض 83 في المئة من النساء المصريات للتحرش في الشارع، ويتراوح بين النظرة الفاحصة والتعدي باللفظ. وعلى عكس المتوقع، فإن الاقتراحات المقدمة من قوة العمل لتوفير الحماية لنساء مصر من التحرش الجنسي «لا تهدف إلى تشديد العقوبة». وتقول رئيسة مؤسسة المرأة الجديدة السيدة نولة درويش إن «تشديد العقوبات لا يؤدي إلى الردع، بل يكون العكس أحياناً هو الصحيح». وتوضح: «الأبحاث الجنائية لم تثبت وجود علاقة بين تشديد العقوبة على أي جريمة وبين انخفاض معدلات حدوثها، لكن هناك علاقة وثيقة بين حتمية العقوبة وانخفاض المعدلات، وهذا ينطبق في شكل خاص على جرائم العنف الجنسي التي يدرك الجناة فيها أنهم على الأرجح لن يتعرضوا للعقوبة من الأصل، سواء لأن المُتحرش بها لن تبلغ، أم لأن تعامل النص القانوني مع جريمة تتضمن نطاقاً واسعاً من العقوبات يؤدي إلى تردد ضباط الشرطة ووكلاء النيابة والقضاة في إلقاء القبض على المتهم أو اتهامه أو إدانته إذا ارتأوا أن العقوبة لا تتناسب والفعل». وتقول منسقة مشروع تعديل القانون السيدة ماجدة بطرس إن «مشروع تعديل قانون العقوبات يضمن المساواة بين الرجال والنساء في كل المواد الخاصة بالاعتداءات الجنسية، مع إيلاء اهتمام خاص للأطفال وذوي الحاجات الخاصة». وتؤكد أنه يتضمن مفاهيم واضحة ومحددة للجرائم التي تشتمل على أي شكل من أشكال العنف الجنسي، إذ يتم جمعها في باب واحد من أبواب قانون العقوبات، مع استخدام مصطلحات أخرى مثل «الاغتصاب» و «الاعتداء الجنسي» و «التحرش» بدلاً من المصطلحات المستخدمة حالياً والتي تفتقر إلى الدّقة. القطار الهادف إلى مناقشة هذه التعديلات في مجلس الشعب (البرلمان) بدأ يتحرك بالفعل، وبخاصة في ظل وجود نائبات «الكوتا» اللواتي تنعقد عليهن الآمال لبذل جهود الضغط لسرعة المناقشة والتمرير. وكانت الأمينة العامة للمجلس القومي للمرأة الدكتور فرخندة حسن ألمحت قبل أيام إلى دور النواب الرجال المعرقل والمعطل لخروج مثل هذا القانون في دورات برلمانية سابقة. وإذا كان قطار قانون تجريم التحرش تحرك بالفعل، فإن باص التحرش وصل في موعد بالغ الأهمية، وتحديداً الباص الرقم «678»، وهو عنوان الفيلم المصري المعروض حالياً في دور العرض المصرية والذي يتناول للمرة الأولى في تاريخ السينما ملف التحرش بالفتيات والنساء وبخاصة المحجبات. و «678» هو رقم الباص الذي تجري أحداث الفيلم من تحرش بالنساء في داخله وقلما يتحدث عنها أحد. وهكذا لم يتبق سوى وصول قطار القانون ومن بعده قاطرة التطبيق الفعلي له والمصحوبة برفع الوصمة عمن تجاهر بتعرضها للتحرش على أمل أن يكون ذلك الهدية الأولى للمرأة المصرية في عام 2011، وليس بعد عقد ونصف عقد كما حدث مع غيره من القوانين.