عند مدخل ما يطلق عليه الأربيليون «سوق القيصرية» القديم، مقابل الباب الجنوبي لقلعتهم الأثرية الشهيرة، في منطقة تحتضن العديد من مهن الصناعات اليدوية، يزاول الشاب فريدون عزيز مهنته في صناعة «المهود»، من دون أن يتأثر بما تنتجه الصناعة العصرية من إبتكارات في هذا المجال. بدأ فريدون بممارسة مهنته في أحد المعامل الصغيرة عندما كان في سن المراهقة، وبعد اكتسابه الخبرة اللازمة قرر أن يصبح سيد نفسه في إدارة مهنته، فاشترى المحل الذي عمل فيه نحو 15 سنة. ويطلق الاربيليون على المهد اسم «لانك»، وفي السليمانية «بيجكه» أما في اللهجة البغدادية والجنوبية فهو «كاروك». ويبدو أنه ما زال يملك شعبية واسعة على رغم أن ما تحويه السوق العصرية من أسَّرة تتمتع بكل مقوّمات الراحة للأطفال. تبدأ عملية صناعة المهد في المعمل الصغير مقابل محل البيع حيث تعَُدّ أجزاء المهد، وهي عبارة عن نحو ثماني قطع يتشكل منها كالأقواس والأذرع والقاعدة، بالاعتماد على نوعين من الاخشاب أحدهما محلي والآخر مستورد، ثم يقوم فريدون بتجميعها وعرضها للبيع. وتراوح أسعار المهود بين 25 و 40 دولاراً، وقد تصل المبيعات إلى نحو 15 قطعة يومياً، فضلاً عن عمليات البيع بالجملة خصوصاً إلى محافظات السليمانية ودهوك وكركوك وغيرها من النواحي والأقضية العراقية. ويؤكد فريدون أن «سوق بيع المهود ما زال يحتفظ بقوته لأسباب عدة أهمها تمسّك كثيرين بالتقاليد القديمة، خصوصاً قاطني القرى البعيدة الذين لا يزالون بعيدين عن التطور الصناعي. كما أن هناك من يضطر إلى الاستعانة بها بعد أن يواجه معاناة في إيقاف طفله عن البكاء ويعتقد أن المهد يساعد في إراحة الطفل عبر هزّه ليغفو». ويملك فريدون مهداً صنعه بنفسه قبل نحو 15 عاماً استخدم فيه ثمانية أنواع من الأخشاب ويعتبره تحفة لا تقدّر بثمن، وقد استخدمه في تربية طفلَيه. ويتمتع المحل بموقع مميز، نظراً إلى تاريخه المرتبط بقلعة اربيل التي تعود إلى نحو ستة آلاف سنة قبل الميلاد، إضافة الى المهن البدائية اليدوية التي ما زالت تمارس فيها كصناعة الغربال اليدوية وأدوات البناء وغيرها. فريدون، أو «نجم صانعي المهود» كما يلقبه العاملون في السوق، بدا واثقاً من نفسه وهو يتحدث عن التمسك بمهنته ما دامت معدلات الطلب تسير بصورة جيدة وتدر عليه أرباحاً كافية.