سدت قوات من الجيش المصري الطريق إلى السفارة الأميركية من ناحية ميدان التحرير بسور خرساني لوقف الاشتباكات في محيط السفارة بين قوات الشرطة والمتظاهرين، لكن التراشق بين الطرفين انتقل إلى شوارع جانبية ومحاور أخرى، فيما تراجعت جماعة «الإخوان المسلمين» في اللحظات الأخيرة عن حشدها لمليونيات في المحافظات احتجاجاً على الفيلم المسيء واكتفت بمشاركة رمزية في الاحتجاجات أمس سواء في ميدان التحرير أو أمام المساجد الكبرى في المحافظات. وقال الناطق باسم الجماعة محمود غزلان ل «الحياة» أن «الإخوان» لا تعتزم المشاركة في أية فعاليات احتجاجية أخرى نظراً إلى الأحداث التي تشهدها البلاد. وكانت الاشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين ازدادت حدتها مساء أول من أمس حتى أن شهود عيان ومصادر طبية تحدثت عن إصابات بطلقات خرطوش في صفوف الجانبين. وخيّم الغاز المسيل للدموع الذي أمطرت به قوات الشرطة المتظاهرين على سماء منطقة غاردن سيتي حيث مقر السفارة الأميركية. وزاد عدد المصابين على 300 شخص في هذه الاشتباكات التي كانت سمتها الكر والفر وحولت المنطقة من مسجد عمر مكرم حتى بداية سور السفارة الأميركية إلى ما يشبه منطقة الحرب. وحطم المتظاهرون بالحجارة واجهات بنوك ومؤسسات في المنطقة. ومع زيادة حدة الاشتباكات، استبقت قوات الشرطة الدعوة إلى تنظيم مليونية في ميدان التحرير باقتحام الميدان تحت غطاء من وابل من القنابل المسيلة للدموع ومطاردة المتظاهرين في شوارع منطقة وسط البلد لإمهال قوات الجيش فرصة لبناء سور خرساني كبير لسد الطريق إلى السفارة الأميركية من ناحية ميدان التحرير. وفضت قوات الشرطة الخيام التي كان معتصمون نصبوها في الميدان وألقت القبض على عشرات منهم. وأحكمت قوات الشرطة سيطرتها على الميدان لنحو ساعتين قبل صلاة الجمعة حتى انتهت قوات الجيش من نصب الجدار الخرساني ثم تراجعت خلفه عبر شوارع جانبية قبل أن تسدها بمتاريس حديد وأسلاك شائكة. واعتلى صبية هذا السور وظلوا يرشقون قوات الشرطة التي تمركزت خلفه بالحجارة وزجاجات المياه، ما ردت عليه الشرطة بإطلاق وابل من القنابل المسيلة للدموع. وتحركت مسيرات من ميدان التحرير في محاولة للوصول إلى السفارة عبر شوارع جانبية متفرعة من شارع القصر العيني ولكن قوات الشرطة المتمركزة خلف المتاريس تصدت لهم. وتراصت عشرات من سيارات الأمن المركزي والجيش بطول سور السفارة الأميركية بين الجدار الخرساني من ناحية ميدان التحرير والمتاريس الحديد من ناحية السفارة الأميركية لتعزل محيط السفارة تماماً عن منطقة وسط البلد وغاردن سيتي. ومنعت حتى مرور المشاة بالقرب من السفارة. وفي ميدان التحرير لوحظ انتشار الرايات الجهادية السوداء وعليها عبارة التوحيد. وانتشر باعة هذه الأعلام في كل أطراف الميدان، كما رُفعت على عربات الباعة الجائلين والدراجات البخارية التي تجلي المتظاهرين من منطقة الاشتباكات. وظلت ترفرف في أيدي مئات المتظاهرين، كما رفع بعضهم أعلام ليبيا في الميدان. ومقابل حدة الاشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين عند مداخل الشوارع المؤدية إلى السفارة الأميركية، استقبل المتظاهرون في ميدان التحرير ضباط الشرطة الملتحين الذين دخلوا الميدان في صحبة عدد من السلفيين بالتهليل والترحاب. وقاد الضباط الملتحون مسيرة من ميدان التحرير إلى قصر عابدين ورددوا هتافات بينها: «إسلامية إسلامية... لا شرقية ولا غربية». وشهد الميدان مشادات كلامية بين سلفيين والصبية الذين خاضوا الاشتباكات ضد قوات الشرطة. وسعى سلفيون إلى إقناع الصبية الغاضبين بعدم جدوى مهاجمة قوات الشرطة ولكن من دون جدوى، إذ أصروا على الاشتباك مع قوات الشرطة خلف المتاريس الحديد في الشوارع الجانبية المؤدية إلى مقر السفارة. وألقى جمال صابر الذي كان عضواً في حملة المرشح الرئاسي السابق السلفي حازم صلاح أبو اسماعيل خطبة الجمعة في ميدان التحرير، وتحدث مطولاً عن حرب يعد لها الغرب على الإسلام، طالباً من المتظاهرين «الاستعداد للقاء جيوش الغرب». وبعيداً من ميدان التحرير، نظمت جماعة «الإخوان» و «الجماعة الإسلامية» وقوى سلفية وقفات احتجاجية أمام المساجد الكبرى استنكاراً للفيلم المسيء. ورفع المتظاهرون في هذه الوقفات لافتات ترفض العنف للرد على هذه الإساءة. وكتب على بعضها: «احفظ حديث لنبيك كل يوم لنصرته» و «فداك أبي وأمي يا رسول الله» و «كلنا فداك يا رسول الله» و «لا لإهانة النبي والإسلام». ورغم وجود قوات الشرطة قرب عدد من هذه الوقفات إلا أنه لم تحدث أي احتكاكات بين الطرفين. وبعد ساعات من انتهاء صلاة الجمعة انصرف المشاركون في هذه الوقفات التي لوحظ أن جماعة «الإخوان» لم تحشد لها بكل طاقتها نظراً إلى الانخفاض النسبي في أعداد المشاركين فيها مقارنة بأحداث سابقة. وكان الأمين العام لجماعة «الإخوان» محمود حسين قال في بيان إن «الجماعة حينما قررت الدعوة إلى الوقفات (أمس) أمام المساجد، كان الهدف منها هو إشراك جموع جماهير الشعب فيها، وإعلان غضبتنا، وعدم قصر الأمر على ميدان التحرير فقط، ونظراً إلى تطور الأحداث في اليومين الماضيين، قررت الجماعة المشاركة في ميدان التحرير رمزياً فقط حتى لا يستثمر المكان في التعدي على الممتلكات أو سقوط جرحى أو قتلى كما حدث في مرات عدة سابقة». وأهاب بالقوى المشاركة في التظاهرات «أن يكون التعبير عن الاحتجاج حضارياً وسلمياً». ونفى حسين ل «الحياة» ما تردد عن سحب الجماعة دعوتها إلى تنظيم وقفات أمام المساجد. وقال إن الجماعة شاركت في الكثير منها. لكن الناطق باسم الجماعة محمود غزلان قال ل «الحياة» إن جماعته «كما تقدر الغضب لا تقر الإسراف فيه». ورداً على سؤال عن ضعف الحشد أمام المساجد وما إذا كانت الجماعة تعمدت ذلك لعدم إثارة توتر في العلاقات مع الولاياتالمتحدة، قال غزلان: «على العكس حشدنا أمام المساجد تظاهرات كبيرة، لكنها متفرقة وموزعة على كل أنحاء الجمهورية، لذلك تبدو قليلة العدد، لأن المليونيات الحاشدة تجميع لهذه الوقفات المتفرقة، أما بخصوص العلاقة مع أميركا، فلا دخل لنا بها... نتصرف كجماعة ولا علاقة لنا بأميركا، لكن هل المطلوب معاداة أميركا أو الدخول في حرب معها، هذا أمر غير وارد وليس من الحكمة في شيء».