فُضت أخيراً الاشتباكات الدامية بين قوات الشرطة والمتظاهرين في شارع محمد محمود المطلّ على ميدان التحرير والمؤدي إلى وزارة الداخلية بعد خمسة أيام من الكرِّ والفرِّ. الهدنة بين المتظاهرين والشرطة يصعب كسرها هذه المرة، إذ تضمنها أحجار صخرية ضخمة قسمت بها قوات الجيش الشارع بين الطرفين. وعلى مدار الأيام الماضية فشلت محاولات عدة لوقف الاشتباكات بين الطرفين بسبب استفزازات متبادلة، إذ سعى شيوخ في الأزهر إلى الفصل بين الطرفين عبر تشكيل حاجز بشري لكن ما إن تدخل الهدنة حيز التنفيذ حتى تعود الاشتباكات بعد دقائق أشد عنفاً ليتبادل الطرفان اتهام الآخر بخرق الاتفاق والبدء في الاعتداء على الطرف الثاني. وتعلقت أنظار السياسيين بشارع محمد محمود أملاً في وقف نزيف الدم فيه وإعطاء فرصة للحل السياسي للأزمة المتفجرة منذ أيام والتي فاقمتها هذه الاشتباكات. وبدا استمرار الاشتباكات مستغرباً، خصوصاً بعد وعد نائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الفريق سامي عنان سياسيين التقاهم بوقفها فوراً. وأمضى المصريون الليلة قبل الماضية يتابعون مشاهد الاشتباكات والعنف المتبادل بين الطرفين ليستيقظوا صباح أمس والهدوء عمَّ الشارع. وقال الشيخ الأزهري عبدالعزيز رجب الذي توسط في تثبيت الهدنة بين الطرفين ل «الحياة»، إن وفداً من الشيوخ التقى نائب قائد المنطقة المركزية اللواء سعيد عباس وطلب منه أن تشرف قوات الجيش على الهدنة، وأن تتدخل بآلياتها للفصل بين الطرفين. وحمَّل الشيخ عبدالعزيز رجب الشرطة وبعض المتظاهرين المسؤولية عن نقض الهدنة السابقة، مشيراً إلى أن بعض المتظاهرين الراغبين في استمرار المواجهات دأبوا على إلقاء حجارة واستفزاز قوات الشرطة بعد الاتفاق على وقف الاشتباكات، لكن الشرطة من جانبها ترد على هذه الأمور، التي أرى أنه يمكن تجاوزها، بسيل من القنابل المسيلة للدموع ما يسبب تجدد الاشتباكات. وقامت قوات الشرطة ليلاً بمطاردة المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع حتى تقدموا إلى مدخل الشارع من ناحية ميدان التحرير لتتقدم آليات ضخمة من الجيش وتتمركز في وسط الشارع في مواجهة مكتبة الجامعة الأميركية وتبدأ في سد الطريق بإنشاء سور بأحجار صخرية ضخمة بعد أن دمر المتظاهرون الحاجز الذي سبق أن أنشأه الجيش من الأسلاك الشائكة وحطموا حوامله. غير أن عملية إنشاء السور لم تكن سهلة في ظل تمركز آلاف المتظاهرين أمامه منهم مئات يرفضون الفصل بين الجانبين وحرص قوات الجيش على عدم الاحتكاك بهم وترك الأمر لشيوخ الأزهر الذين سعوا إلى إقناع المتظاهرين بالعودة إلى الميدان «حقناً للدماء»، لكن بعضهم لم يقنع بحديث الشيوخ واعتلى الطبقة الأولى من السور في محاولة لمنع الجيش من تعليته. واتسم تعامل ضباط الجيش مع الغاضبين بضبط النفس إلى درجة كبيرة ودخل قادة منهم في حوارات جانبية مع الشباب لإقناعهم بعدم اعتلاء السور وترك الفرصة لاستكماله وخاطب ضباط في الجيش وشيوخ المتظاهرين عبر ميكروفون لحضهم على العودة إلى الميدان. وانقسم المتظاهرون إلى جانب يساند شيوخ الأزهر ظل يردد: «حقنا في الميدان» و «الشعب يريد حقن الدماء»، وآخر يرفض العودة إلى الميدان: «مش هنمشي هو يمشي». وكاد الأمر يتطور إلى اشتباكات بين المتظاهرين بعد محاولة بعضهم الاشتباك مع الشيوخ الذين ظلوا يصطحبون المئات إلى الميدان خارج الشارع ويعودون مرة أخرى لاصطحاب آخرين حتى انفض الجمع من أمام السور إلا من بضع عشرات. واعتلى جنود من الجيش السور الذي ارتفع إلى نحو ثلاثة أمتار بعرض نحو أربعة أمتار، لمنع المتظاهرين من تسلقه. وتمركزت خلف السور آليات ثقيلة للجيش وعشرات القادة ومئات الجنود واختفت الشرطة تماماً من المشهد وتمركزت أمام أسوار وزارة الداخلية. وحرص شباب ميدان التحرير على تشكيل لجان شعبية لمنع المتظاهرين من الوصول إلى شارع محمد محمود من الشوارع الجانبية، فيما عززت القوات المسلحة من السياج المقام في مختلف الشوارع المؤدية إلى الوزارة من خلال وضع كتل خرسانية أمام الأسلاك الشائكة التي كانت نصبتها قبل أيام.