تسعى السلطة الفلسطينية للحد من الاضطرابات الاجتماعية في الضفة الغربية التي دخلت أمس اسبوعها الثاني من خلال دراسة تدابير لاحتواء ارتفاع اسعار السلع الاساسية والمطالبة بتعديل «اتفاقية باريس» الاقتصادية مع اسرائيل، فيما انتقدت تل أبيب الطلب الفلسطيني باعادة التفاوض على الاتفاقية ووصفت الطلب بأنه «عام وغير محدد» معتبرة انه «غير جدي». وتوقفت حركة النقل العام في مختلف مدن الضفة الغربية الاثنين مع بدء الاسبوع الثاني من الاحتجاجات ضد غلاء المعيشة والبطالة وارتفاع اسعار الوقود، بعد ان دعت نقابات النقل الى اضراب عام. وأحرق المضربون اطارات سيارات واغلقت المداخل المؤدية الى مراكز المدن. ولم تعمل اي من الحافلات العامة او سيارات الاجرة او الحافلات الصغيرة داخل المدن الفلسطينية او بينها. واضطر آلاف الفلسطينيين الى الذهاب الى اعمالهم ومدارسهم سيراً. وفي مدينة الخليل، جنوب الضفة، وضعت احجار كبيرة لاغلاق الشوارع الرئيسية بينما اصطفت شاحنات في مدينة بيت لحم لاغلاق الشوارع المؤدية الى وسط المدينة. وقام نحو الفي متظاهر بتحطيم سيارات البلدية والقوا الحجارة على الشرطة الفلسطينية التي حاولت تفريقهم. وعند حاجز قلنديا بين مدينتي رام اللهوالقدس، نظم سائقو الحافلات وسيارات الاجرة دوريات بحثاً عن اي مخالفين للاضراب. وقال احد السائقين: «على الناس ان تقدر ما نفعله، وعليهم ان يدعمونا لانه ليس عدلا ان يدفعوا سبعة شواكل (1,8 دولار) للوصول الى المعبر من رام الله». ويقدر السائقون ان يرتفع السعر الحالي لمثل هذه الخدمة من 3,5 شواكل (0,8 دولار) مع الزيادة القادمة لاسعار الوقود. واكد المتحدث باسم الاجهزة الامنية الفلسطينية عدنان الضميري «لسنا معنيين بأي حال من الاحوال بالتصادم مع المواطنين، لاننا لا نريد تعقيد الامور وفي الوقت نفسه نسعى الى تحقق السلم الاهلي في البلد». وخرج آلاف الفلسطينيين الاسبوع الماضي الى شوارع الضفة الغربية للاحتجاج على غلاء المعيشة وارتفاع اسعار الوقود والبطالة وطالب العديد منهم رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض بالاستقالة. وعقد فياض الاحد اجتماعا استمر اربع ساعات مع قادة النقابات والقطاع الخاص وممثلي المجتمع المدني لمحاولة ايجاد طرق لتخفيض الاسعار وتنظيم دفع الرواتب. وكان وزير الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ قال الاحد ان السلطة الفلسطينية «تقدمت بطلب رسمي للحكومة الاسرائيلية عبر وزارة الدفاع الاسرائيلية (...) باعادة فتح اتفاقية باريس الاقتصادية التي اصبحت لا تتلاءم اطلاقا مع تطورات الاوضاع الاقتصادية». ووصف مسؤول اسرائيلي كبير طلب عدم الكشف عن اسمه الطلب الفلسطيني ب»غير الجدي» مشيراً الى طبيعته العامة والى انه قدم عبر قنوات لا صلة لديها بالموضوع، واعتبره محاولة لتوجيه الغضب الفلسطيني من ارتفاع تكاليف المعيشة تجاه اسرائيل. وقال المسؤول الاسرائيلي: «لو كانوا يريدون اعادة فتح بروتوكول باريس، وهي اتفاقية دولية، لكانوا قدموا طلباً الى وزارة الخارجية او وزارة المال، او ببساطة الى مكتب رئيس الوزراء». واكد ان وزارة الدفاع «ليس لديها بالتأكيد اي سلطة للتفاوض في هذه المسألة»، مشيراً الى ان اي قضية مماثلة تجب مناقشتها بين رئيسي الحكومتين الفلسطينية والاسرائيلية. ووقع «بروتوكول العلاقات الاقتصادية بين حكومة دولة اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية» في 29 نيسان (ابريل) 1994 في العاصمة الفرنسية باريس. ووفقاً للمسؤول فإن الفلسطينيين «ليسوا معنيين بالفعل باعادة فتح الاتفاق ولكنهم يبحثون فقط عن تحويل اللوم عن مشاكلهم الاقتصادية الى اسرائيل». واضاف: «قدموا الطلب فقط ليتمكنوا من القول للناس بانهم قدموه: انظروا، لقد فعلنا شيئا ما والآن الاسرائيليون يقومون بمنعه. فان ارتفعت تكلفة المعيشة فهذا خطأ الاسرائيليين». ورأى المسؤول ان الفلسطينيين غير مهتمين باعادة فتح الاتفاقية لان ذلك سيتطلب مفاوضات «وفي هذه المرحلة هم لا يريدون ان يظهروا بانهم يتفاوضون مع اسرائيل، لان المفاوضات تعد تطبيعاً ومكافأة لاسرائيل التي لم تجمد البناء الاستيطاني ولم تفرج عن جميع الاسرى» كما يطالبون. وجاء طلب السلطة الفلسطينية باعادة البحث في «اتفاقية باريس» نتيجة الضائقة المالية والاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات في الشوارع على ارتفاع الاسعار. وتنص الاتفاقية على قيام اسرائيل بجمع ضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية كما تنص على ان لا يكون سعر الوقود في مناطق الحكم الذاتي اقل من 15 في المئة من السعر الرسمي في اسرائيل. ونتيجة لهذا البند، وبعد ارتفاع الاسعار في اسرائيل قفز سعر لتر البنزين في الضفة الغربية بمقدار الثلث في غضون الشهرين. وقال الدكتور محمد اشتية عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» ل «الحياة» ان «هناك ثلاثة اسباب لموجة الاحتجاجات الراهنة هي: فشل عملية السلام وفشل المصالحة والازمة الاقتصادية». ولفت الى ان المخرج منها هو ان تسارع الحكومة الى خفض اسعار الوقود والغاز ومخاطبة الدول المانحة لتعويض العجز الحاصل في موازنتها. وذكرت حركة «فتح» التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بيان الاثنين بأن الازمة الحقيقية هي «قرار اسرائيل بزيادة سعر الوقود». واضاف البيان ان «ارتفاعا مماثلا قد يتحمله الاقتصاد الاسرائيلي المزدهر الذي يعيش على حد ادنى للراتب الشهري وقدره 4,300 شيكل (850 يورو) ولكن ليس للفلسطينيين الذين يعيشون على حد ادنى قدره 1,600 شيكل (315 يورو)». ومن جهته قال فوزي برهوم المتحدث باسم حركة «حماس» التي تسيطر على قطاع غزة بأن ما يحدث في الضفة الغربية «رد فعل طبيعي لسلوك السلطة ونتيجة للفشل السياسي والاقتصادي هناك وحالة القمع الامني وكبت الحريات التي تمارس في الضفة الغربية». وتقول وكالات الاممالمتحدة وخبراء اقتصاديون فلسطينيون إن اسرائيل تتبع أسلوبا انتقائيا في تطبيق الملاحق الاقتصادية لاتفاقات أوسلو الموقتة للسلام التي وضع أطرها العامة بروتوكول باريس لعام 1994 بما يخدم مصالحها في الغالب. وتفاقمت الازمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، التي تعتمد على الدعم الخارجي، بسبب انخفاض المساعدات من الغرب ودول الخليج. ويحدد بروتوكول باريس لعام 1994 مشروعا اقتصاديا لوحدة جمركية بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية، ويربط ضريبة القيمة المضافة بمعدلاتها في إسرائيل البالغة حالياً 17 في المئة وهو ما يمنع فعليا أي تخفيضات كبيرة في الأسعار في الضفة الغربية. وفي ضربة أخرى للاقتصاد الفلسطيني لم يتم تنفيذ بنود اخرى تتيح للفلسطينيين ابرام اتفاقات تجارة حرة مع دول اخرى وتسمح بدخول الاسواق الاسرائيلية. وتقوم اسرائيل بموجب الاتفاقية بجمع ضرائب لصالح السلطة الفلسطينية تشكل ثلثي موازنتها. وتستخدم الحكومة الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتانياهو هذا البند للضغط على السلطة الفلسطينية.