اختتم البطريرك الماروني بشارة الراعي أمس زيارته الشوف بلقاء موسع جمعه مع رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط في قصر المختارة، في حضور حشد سياسي وروحي. وشدد الطرفان على أهمية المصالحة وعودة المهجرين. واستهل جنبلاط اللقاء مرحباً بالراعي و«سعيه من اجل العيش المشترك واحترام التنوع والتعدد من عكار إلى الشوف». وقال: «ختمنا مع (البطريرك الماروني نصرالله) صفير مصالحة الجبل، ونتمنى أن نختم اليوم مع البطريرك الراعي جرح بريح ومسألة البناء الذي شيد على أرض الغير والذي يجب أن يزول»، مشيرًا إلى أن «بعض العائدين والموجودين وضعوا عراقيل أمام المصالحة ومصالحة البشر اهم من الحجر». وأضاف أن «في المتن هناك أيضاً مصالحة نتمنى أن يرعاها هي كفرسلوان، لكن بريح هي الأساس». ورد الراعي واصفاً اللقاء بال «تاريخي»، ومعرباً عن تقديره لجنبلاط و»للمصالحة التاريخية التي أجريتموها في الجبل مع البطريرك صفير، ولسعيكم الدؤوب لعودة المهجرين إلى بلداتهم واستعادة ممتلكاتهم، وبريح جرح في قلبنا وكذلك كفرسلوان. نرجو أن نصل إلى العودة الكاملة والمصالحة». وقال: «اعرب عن تقديري لرغبتكم الصادقة في توطيد العيش المشترك لمنطقة الشوف لا سيما بين المسيحيين والدروز»، مستعيداً «مبادرة كريمة تاريخية قام بها والدكم الشهيد الكبير كمال جنبلاط ورواها الأب يوسف خشان في كتابه، في مناسبة نقل تمثال العذراء في المناطق اللبنانية عام 1954، تقدم المرحوم والدكم من التمثال وفي يده عقد من اللؤلؤ كان لوالدته، وكتب في السجل الرسمي هذا العقد من عنق أمي البشرية إلى عنق إمنا العذراء. نود قراءة هذه المبادرة في ضوء واقعنا اللبناني الحاضر لنعتبر أن العقد اللؤلؤي حافز إلى عقد وطني اجتماعي جديد ينطلق من ميثاقنا الوطني والصيغة اللبنانية من شأنه أن يبدد رواسب الماضي ويضع الأسس لمستقبل اكبر تمسكاً وأعمق محبة». وأعلن الراعي أن زيارته هي «لإكمال مسيرة المصالحة بين كل أبناء هذه المنطقة وبخاصة بين الدروز والموارنة وجميع مكونات الجبل على اختلاف طوائفهم لأن المصالحة هي من صلب رسالتنا ورسالتكم وثقافتنا المسيحية»، معلناً التزامه «إكمال هذه المصالحة بروح الشركة والمحبة». وأشار إلى أن «العودة بعد مأساة التهجير لا تزال شديدة الحساسية والحذر، فيجب إمدادها بالدعم الذي تستحقه مادياً ومعنوياً. والجبل لا يحمل مسؤولية ذاته فحسب، بل مسؤولية وطنية شاملة بحكم كونه الحلقة الدائرية التي ترتبط بها المناطق اللبنانية في ما يختص بحركة التفاعل وصيغة العيش معاً وميزة التنوع في الوحدة». الواقع الاستقلالي للجبل وأكد أن «العيش المشترك والعلاقة التاريخية بين المسلمين والمسيحيين هما أساس المصالحة وضمانتها لارتباطهما بالأرض والحرية والاستقلال وبميثاق العيش معاً الذي يحفظ خصوصية كل طائفة وجماعة ويحميها من الذوبان في المساحات الكبرى ومن الهيمنة عليها وعدم تحجيمها ويعطيها دورها في قيام الكيان اللبناني والمشاركة في الحكم والإدارة والتعاون والتضامن الاجتماعي. وثمة أساس آخر للمصالحة في الجبل هو نموذج الواقع الاستقلالي في جبل لبنان الذي حافظ عليه الدروز والموارنة بحس وطني متضامنين ومتعاونين في صيانة استقلال الجبل وحرية أبنائه وحماية ارضه». وقال: «نود إكمال مسيرة المصالحة معاً، فيعلو الغفران على الإساءة والمصالحة على النزاع، ونسعى مع ذوي الإرادات الطيبة إلى بسط هذا المسعى على كامل الأراضي اللبنانية ومكونات مجتمعنا بحيث نلتقي جميعاً حول وحدة ائتلافية تعكس وجه لبنان المركب وتغذي هذا النوع فلا تحجّم أي جماعة ولا تذوب في ما هو أوسع ولا تنتقص خصوصيتها الذاتية. لكن تحقيق المصالحة يقتضي أن يشمل حق العودة للذين تهجروا وتأمين عيش كريم لهم في ربوعهم من ضمن خطة نهوض توفر فرص العمل ومقتضيات البقاء على أرض الآباء والأجداد وتستطيع كل جماعة تحقيق ذاتها». وزاد: «كمسيحيين نعمل من اجل الوحدة الداخلية في دولة مدنية ديموقراطية، تفصل تماماً بين الدين والدولة وتحفظ الإجلال لله وتحترم كل الأديان وتقاليدها ونعمل من اجل تعزيز الحرية وحقوق المواطنة وواجباتها والولاء المطلق للوطن، واحترام مؤسساته الدستورية والمساواة بين الجميع»، وأضاف: «نحرص أيضاً على الوصل بين لبنان والأسرتين العربية والدولية في كل ما يختص بقضايا السلام والعدالة والإنماء الشامل وتقارب الشعوب والأمم وعلى جعل لبنان واحة لقاء الحضارات والأديان وبالتالي إعلانه بلداً حيادياً لا ينخرط في أحلاف ومحاور عسكرية إقليمية أو دولية بل يتبنى كل القضايا المشتركة في عالمنا العربي والدولي لا سيما من خلال موقعه الجغرافي السياسي على الضفة الشرقية من المتوسط». وتابع: «نجل سعي إخواننا الموحدين الدروز إلى الحفاظ على الذات في وجه كل سيطرة وهيمنة وتذويب، من اجل تكوين قيمتهم المضافة وحفظ مركزهم ودورهم. ونتطلع إلى قانون جديد للانتخابات النيابية يضمن حق المواطنين مقيمين ومغتربين في اختيار ممثليهم ومحاسبتهم، فلا يفرض ممثلهم عليهم بقوة الهيمنة السياسية أو العددية ولا بقوة المال أو السلاح». ودعا إلى أن «نعيش في دوام التعاون والتضامن مسيحيين ومسلميين بالمساواة والاحترام المتبادلين وأن نكون دعاة سلام وحوار وتطور من اجل ربيع عربي حقيقي يلبي حاجات شعوب المنطقة وتطلعاتها». وكان الراعي زار بلدة الفوارة حيث دشن كنيسة، وأشار إلى أنه «لا يمكن للمسيحيين أن ينسوا هويتهم التي نالوها بالمعمودية، وأنهم أصحاب رسالة في لبنان وبلدان الشرق الأوسط»، مؤكداً أن «الإرشاد الرسولي حول مسيحيي الشرق الأوسط، «شركة وشهادة»، الذي سيوقعه قداسة البابا أثناء زيارته لبنان، سيكشف لنا هويتنا ورسالتنا، ويبين التحديات والمخاطر التي نواجهها. فينبغي أن يقودنا إلى ربيع مسيحي وربيع لبناني من شأنه أن يساعد على الوصول إلى ربيع عربي حقيقي يعيد للعالم العربي وحدته وتضامنه».