يبدو أن التظاهرات الضخمة التي شهدتها مونتريال في 22 تموز (أغسطس) الماضي, واشترك فيها عشرات الآلاف من الطلاب، كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر الحكومة الكيبيكية وأرغمتها على الإعلان عن إجراء انتخابات مبكرة في 4 أيلول (سبتمبر) الجاري. فمنذ اندلاع الحركة الطلابية أواسط شباط (فبراير) الماضي، حقق «ربيع كيبيك» سلسلة من المكتسبات المهمة تجلت في استقطاب الغالبية العظمى من طلاب المعاهد والجامعات وإرغام وزيرة التربية على تقديم استقالتها، وإفشال محاولات الحكومة في استيعاب قادتهم بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، وتعاطف قطاعات واسعة من الرأي العام الكيبيكي بعدالة مطالبهم. والأهم من كل ذلك، دخول الحركة الطلابية كقوة شبابية صاعدة في غمرة أول استحقاق انتخابي إلى جانب قوى المعارضة. واللافت أن ظاهرة ترشيح الطلاب، ممن تتراوح أعمارهم بين 19 و22 سنة، للانتخابات البرلمانية في كيبيك، تتنامى دورة بعد دورة إلى أن باتت تقليداً يتكرر في كل استحقاق انتخابي عام. إلى هذا الجيل من الشباب ينتمي الطالب ليو – بيرو بلوان، أصغر المرشحين الكيبيكيين في انتخابات 2012. فعمره لا يتجاوز عشرين سنة وهو في السنة الأخيرة من المرحلة ما قبل الجامعية (سيجيب). وكان من أبرز زعماء الحركة الطلابية قبل تخليه عن قيادتها أخيراً. ويتمتع ليو بشخصية جذابة وهو خطيب بارع. هادئ الطباع، وعنيد في مواقفه، وذو مقدرة فائقة في إدارة الأزمة والمفاوضات بين الطلاب والحكومة. أما نبأ ترشيحه فأحدث دهشة في أوساط الطلاب والحكومة وزعماء الأحزاب السياسية والنقابية على السواء. وبات نجماً تتهافت على استضافته وسائل الإعلام الكندية وتضج بأخباره شبكات التواصل الاجتماعي. انطلق ليو في حملته الانتخابية كممثل لقاعدة شبابية وطلابية واسعة انتخابية وتعهد في «مانيفست» انتخابي إلغاء قانون 87 القاضي بزيادة الرسوم الدراسية ومفاعيله الاستثنائية التي تمس جوهر النظام الديموقراطي وتجعل من كيبيك صنوا للأنظمة القمعية والدكتاتورية، إلى جانب إعادة النظر في مجمل البرامج التعليمية وحل المشكلات المزمنة للطلاب كتمثيلهم في مجالس الجامعات، وتسهيل الحصول على المنح والقروض الدراسية وزيادة مخصصاتها، واعتماد مجانية التعليم في جميع مراحله، وتفريع أوسع للتخصصات العلمية والتكنولوجية المعاصرة، وتخفيض نسبة البطالة في صفوف الخريجين الجامعيين والمهنيين. ورأى أن ترشيحه على لائحة الحزب الكيبيكي وتحالفه مع بعض أحزاب المعارضة، فرصة كبيرة للفوز وتحقيق آمال وطموحات الشرائح الشبابية في المجالات التعليمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وكان ليو تعرض لحملة واسعة من التهكم والتجريح بسبب حداثة سنه، وعدم نضجه وخبرته وحنكته في الشأن العام ومستواه التعليمي المتواضع، وتهوره في الترشح ضد شخصية سياسية تقليدية قوية. إلا أن فوزه في الانتخابات الأخيرة ضد خصمه في الحزب الليبرالي، وزير المالية ونائب لثلاث دورات متتالية، جعل من بلوان الحدث الانتخابي الأبرز في مختلف وسائل الإعلام الكندية. وكاد بنجاحه يخطف فوز الحزب الكيبيكي من جهة ويطغى من جهة ثانية على هزيمة حزب الليبرال وفشل رئيسه في الانتخابات وإعلان اعتزاله الحياة السياسية. في هذا السياق يجدر التنويه بالنظام الانتخابي الكندي الذي يفسح المجال أمام أي مواطن يبلغ الحلم للوصول إلى البرلمان من دون اعتبار لأي من معايير الحسب والنسب والجاه والمال والطائفة والجنس والعرق وغيرها من المفاهيم التي لا تزال تتحكم بمجمل الأنظمة الانتخابية في العالم العربي. وعن رأيه في استمرار الحراك الطلابي قال بلوان: «بعد هزيمة شاريه وحزبه من الطبيعي أن ينتهي مفعول كل ما صدر من قوانين جائرة وإجراءات ظالمة بحق الحركة الطلابية في كيبيك»، مشيراً إلى استئناف الدراسة الطبيعية في المعاهد والجامعات.